من البناء إلى التفكيك.. إرث روزفلت في مرمى نيران ترامب

عندما تولّى فرانكلين د. روزفلت الرئاسة في خضمّ الكساد الكبير عام 1933، اتخذ أول 100 يوم له نهجًا تاريخيًا في إعادة بناء الدولة الأمريكية، عُرف لاحقًا باسم «الصفقة الجديدة».
فقد أنشأ روزفلت فيها مؤسسات حكومية، وأطلق برامج دعم اجتماعي، وأعاد تعريف دور الدولة في حياة الأمريكيين، وكان يعمل بتوافق مع الكونغرس، وبشعبية جارفة سمحت له بإحداث تغيير جذري طويل الأمد.
- ترامب يتجاوز روزفلت.. أرقام قياسية للمراسيم الرئاسية
- إليانور روزفلت.. بصمة لا تمحى لـ"السيدة الأولى" رغم الخيانة
أما دونالد ترامب، الذي عاد إلى البيت الأبيض لولاية ثانية في عام 2025، فيقود مشروعًا سياسيًا مضادًا تمامًا لذلك الذي أنجزه روزفلت.
فهو يسعى إلى تقليص الجهاز البيروقراطي، وطرد آلاف الموظفين، وتفكيك وكالات أنشأها أسلافه، بما في ذلك مؤسسات ارتبطت بـ«الصفقة الجديدة».
وتحالفه مع رجال أعمال مثل إيلون ماسك، وخطابه الشعبوي ضد «الدولة العميقة»، يعكس رؤية مغايرة للعلاقة بين المواطن والدولة، تقوم على الفردانية وتقليص الدور الحكومي.
تفكيك إرث «الصفقة الجديدة»
ووفق تحليل لـ«سي إن إن»، يرى مؤرخون مثل إريك راوشواي، المتخصص في تاريخ روزفلت، أن ترامب يقود هجومًا مباشرًا على الإرث السياسي لـ«الصفقة الجديدة».
وبينما وسّع روزفلت مؤسسات الدولة لتقديم الرعاية والدعم الاجتماعي، يعمل ترامب على تفكيك هذه البرامج، وتجفيف تمويلها، وتقويض العمل المنظم والنقابات.
ويتضح هذا الاتجاه من خلال محاولاته فرض قيود جديدة على وكالات فيدرالية، وخفض تمويل برامج الدعم، فضلًا عن توجيه ضغوط على القضاء، والإعلام، ومجالس العمل، في إطار معركة سياسية شاملة ضد ما يسميه «الدولة العميقة».
انقسام بدلًا من اصطفاف
وفي حين نجح روزفلت في بناء تحالف انتخابي واسع شمل الجنوب الأبيض، والعمال، والسود، وأسّس لهيمنة ديمقراطية دامت عقودًا، يعتمد ترامب على قاعدة جمهورية متشددة، يغذّيها بالخطاب الشعبوي، والاستقطاب الثقافي.
وعلى الرغم من أن فوزه بولاية ثانية يُعدّ إنجازًا سياسيًا كبيرًا، إلا أن تحالفه لا يبدو قادرًا حتى الآن على بناء هيمنة حزبية طويلة الأمد على غرار ما فعله روزفلت.
ويشير المؤرخ راوشواي إلى أن ما يحققه ترامب هو إعادة اصطفاف ثقافي أكثر منه سياسيًا، وهو ما يجعل إرثه السياسي هشًا، يعتمد على شخصه أكثر من اعتماده على بنية حزبية راسخة.
خطاب الرئيس
في عهد روزفلت، كانت «أحاديث المدفأة» عبر الإذاعة لحظات وطنية جامعة.
أما ترامب، فيواصل استخدامه المكثّف لوسائل التواصل الاجتماعي، لا للتوعية أو التهدئة، بل كأداة هجومية ضد خصومه، مما يعمّق الانقسام ويُضعف الثقة بالمؤسسات.
وبينما كان روزفلت يطلب من الأمريكيين العمل المشترك والتضحية لأجل الوطن، يقدّم ترامب نموذجًا يقوم على الشك في مؤسسات الدولة، وعلى فكرة أن النخبة تخون الشعب، في سردية تُشبه نظريات المؤامرة أكثر منها مشروعًا وطنيًا جامعًا.
مواجهة المؤسسات
ورث روزفلت محكمة عليا محافظة، ولم ينجح في توسيعها، لكنه احترم استقلال القضاء.
ترامب، على النقيض، عاد إلى السلطة وسط مشهد قضائي غارق في الجدل، وعين حلفاء له في مواقع رئيسية، ويواجه اتهامات بالسعي لتقويض التوازن بين السلطات.
كما يدعم أنصاره دعوات لعزل قضاة أو تقييد سلطاتهم، ما يطرح أسئلة عميقة حول مستقبل الديمقراطية الأمريكية في ظل ولايته الثانية.
إرث متضاد لرئيسين استثنائيين
ربما يشترك ترامب وروزفلت في كونهما رئيسين غير تقليديين غيّرا قواعد اللعبة، لكنهما فعلا ذلك في اتجاهين متعاكسين.
روزفلت بنى دولة الرعاية الاجتماعية، وترامب يسعى إلى تفكيكها. الأول وحّد الأمريكيين في لحظة أزمة، والثاني يستخدم الأزمة لتوسيع الانقسام.
وبينما حُفر اسم روزفلت في تاريخ الديمقراطية الأمريكية كمنقذ في زمن الشدّة، فإن مصير إرث ترامب ما زال قيد الاختبار، في ظل توترات سياسية متزايدة، وصراع مفتوح بين الشعبوية والمؤسسات.
aXA6IDMuMTYuNzUuMTY5IA== جزيرة ام اند امز