كركوان.. المدينة البونية التي قاومت الزمن وحفظت أسرار قرطاج (خاص)

لا تزال مدينة كركوان الأثرية، الواقعة في محافظة نابل شمال شرقي تونس والمطلة على البحر الأبيض المتوسط، تحتفظ بملامحها الأصلية كأقدم شاهد على العصر البوني، وتُعدّ المدينة الوحيدة من الحقبة البونية التي لم تُبنَ فوقها مدينة رومانية، على خلاف غالبية المواقع.
شُيّدت كركوان حوالي القرن السادس قبل الميلاد كمدينة تابعة لقرطاج، وتُظهر الحفريات أنها كانت مدينة نابضة بالحياة، سكنها صيادون وتجار وحرفيون، واستفادت من موقعها البحري والأراضي الزراعية الخصبة المجاورة. وقد تعرّضت كركوان للتدمير بالكامل خلال الحرب البونية الأولى، ولم تُعاد إقامتها، ما ساهم في الحفاظ على ملامحها الأصلية، الأمر الذي أكسبها قيمة أثرية كبيرة استدعت تسجيلها على لائحة التراث الإنساني العالمي لمنظمة اليونسكو عام 1985.
يطلق مصطلح "البونية" أو "البونيقية" على سكان قرطاج، الذين أسسوا مملكتهم في غرب البحر الأبيض المتوسط، وخاصة في شمال إفريقيا.
وشكّل البونيون هوية ثقافية وحضارية مستقلة، ناتجة عن امتزاج الفينيقيين القادمين من صور بالتقاليد المحلية في المنطقة، إلى جانب تأثيرات حضارية من شعوب حوض المتوسط.
ويبرز مرفأ كركوان كدليل على اعتماد سكانها على البحر، إلى جانب الأنشطة الزراعية، إذ عُرفت المدينة بصناعة الزجاج والفخار والمجوهرات، وصيد الأسماك، واستخراج الصبغة القرمزية.
وتُعدّ المدينة نموذجًا لأسلوب الحياة البونية، كما يعرض المتحف المجاور للمدينة، والمشيّد على الطراز البوني، مجموعة من القطع الأثرية كالفخار والحلي والمباخر والمنحوتات، تعكس إبداع السكان وصلاتهم ببقية مدن البحر الأبيض المتوسط.
يمتد موقع المدينة على مساحة تتراوح بين 7 و8 هكتارات، ينحدر نحو البحر على ارتفاع 3 أمتار. وتحيط بالمدينة حديقة خضراء على شكل دائري، وسور مزدوج يمتد من الشمال إلى الجنوب، بينهما رواق تتخلله أبواب تسهّل حركة التنقل. ويُظهر تخطيط المدينة دقة في التنظيم العمراني، إذ تبلغ شوارعها نحو 4 أمتار عرضًا، كما تضم ساحات عامة وشبكة مياه متقنة، ويتوفر كل منزل على حمّام خاص، وهو ما يكشف عن مستوى متقدم من الرقي والتمدن.
في إطار التعريف بالمواقع الأثرية المهمة، نظّمت وزارة الشؤون الثقافية التونسية يومًا توعويًا بموقع كركوان، تحضيرًا للدورة الرابعة والثلاثين من "شهر التراث"، التي تُنظم من 18 أبريل إلى 18 مايو 2025، تحت شعار "التراث والفن: ذاكرة الحضارة".
وأشار معز عاشور، المسؤول المحلي عن التراث في الشمال الشرقي، إلى أن كركوان تمثل نموذجًا فريدًا لتطوّر الإنسان البوني، حيث تعود أقدم الشواهد فيها إلى القرن السادس قبل الميلاد، وآخرها إلى منتصف القرن الثالث قبل الميلاد.
وأضاف لـ"العين الإخبارية" أن المدينة تتميز بتخطيط معماري متقن، ونظام دفاعي متطور، يكشف عن مدى تقدم الحضارات التي مرّت على تونس.
وأوضح عاشور أن كركوان محاطة بسور مزدوج يحمي نسيجها العمراني، مزود بأبراج مراقبة تطل على البحر واليابسة، ويتخلله بوابتان رئيستان وأربع بوابات فرعية.
وتسعى وزارة الثقافة خلال شهر التراث إلى تعزيز العلاقة بين الفن والتراث، من خلال فعاليات تجمع بين الأصالة والتجديد، بهدف الارتقاء بالموروث الحضاري التونسي نحو آفاق عالمية.
aXA6IDE4LjE5MS43NC4xNDAg جزيرة ام اند امز