روسيا وأفريقيا وسقوط بازوم.. "حجر أخير" بجدار بوتين؟
تهاوت آخر قطع الشطرنج الفرنسية بالساحل الأفريقي بالإطاحة برئيس النيجر في سقوط يراكم بالمقابل دعائم جسر تبنيه روسيا منذ فترة.
فقبل ساعات من انطلاق القمة الروسية الأفريقية الثانية بسان بطرسبرغ، كان رئيس النيجر محمد بازوم، حليف فرنسا، يواجه وضعا غير اعتيادي في قصره.
احتجز الأمن الرئاسي بازوم قبل أن ينضم إليهم الجيش، معلنين نهاية حكمه في انقلاب عسكري سرعان ما بلغ صداه الشارع فنزلت أفواج من المواطنين ملوحين بالعلم الروسي في مؤشر واضح على حجم العداء الذي يكنه البعض للغرب.
فالنيجر ظلت، خلافا لمالي وبوركينا فاسو، وفيّة لباريس ورفضت خلع عباءتها، ولذلك فإنه مع تولي الجيش الحكم، قد تتغير المعادلة بشكل جذري، وقد تكون آخر قطع الشطرنج الفرنسية في الساحل الأفريقي هي نفسها آخر حجر ستكمل تشييد حزام موسكو فيه.
ماذا بعد القمة؟
واختتمت القمة الروسية الأفريقية الثانية أعمالها الجمعه بمدينة بطرسبرغ، وسط تباين الآراء حول مدى إمكانية إحداث استقطاب لصالح موسكو في القارة السمراء على حساب الدول الغربية، ومدى تأثير تحركات موسكو نحو فتح أسواق جديدة لمنتجات روسيا من الحبوب في أفريقيا.
فإلى أي مدى يمكن لدبلوماسية الحبوب التي تبنتها روسيا بعد القمة أن تحدث اختراقا في ربوع القارة السمراء، وكذلك إمكانية التعاون الكبير بين أفريقيا ومجموعة "بريكس" وانضمام دول أفريقية جديدة في حلبة الصراع الدولي الدائر والخروج من النظام العالمي الأحادي.
الدكتور حمدي عبد الرحمن، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، يرى أن فكرة تشكيل تحالف روسي أفريقي ضد الغرب لم يتحقق بالشكل المطلوب بعد القمة الأخيرة.
ويقول عبدالرحمن، في حديث لـ"العين الإخبارية"، إنه بمقارنة القمة الأولى (بسوتشي في 2019) والثانية، نجد أن الأخيرة كانت أضعف من ناحية المشاركة الأفريقية، فقد شارك أقل من نصف عدد الزعماء الأفارقة في الثانية مقارنة بالأولى.
وأضاف عبد الرحمن أن "القمة تصب في صالح روسيا أكثر من أفريقيا من ناحية فك العزلة المفروضه عليها وفي صالح (الرئيس فلاديمير) بوتين المهدد من الجنائية الدولية".
وأشار إلى أن "الوجود الروسي في أفريقيا يقتصر على إعادة التواصل مع بعض الدول الأفريقية مثل إريتريا ودول في غرب القارة شهدت انقلابات عسكرية بالإضافة إلى دولة جنوب أفريقيا التي لها دور كبير في مجموعة البريكس".
وبحسب الخبير، فإن حجم التبادل التجاري بين روسيا وأفريقيا تراجع نتيجة الحرب مع أوكرانيا وقبلها جائحة كورونا، لافتا إلى أن الوجود الروسي الفعلي في أفريقيا يتمثل في مجال الأمن وتصدير الأسلحة وشركات الأمن الخاصة مثل فاغنر، والتي لها دور أساسي في عدد من بلدان القارة.
وبالنسبة له، فإن "دخول روسيا في مسألة ملء الفراغات الأمنية في أفريقيا يقلص كثيرا التغول الغربي هناك"، مستدركا أنه مع ذلك، فإن الغرب يتحسب من الوجود الصيني بالقارة السمراء أكثر من الروسي.
كسب الود
عبدالرحمن يعتقد أيضا "أن الدول الأفريقية تنظر إلى روسيا باعتبارها بديلا مهما للغرب الذي جسد صورة الاستعمار مقابل صورة تاريخية لروسيا ومساعدة الاتحاد السوفياتي في السابق لحركات التحرر الأفريقية، ودراسة القادة الأفارقة في روسيا".
كما أن لـ"روسيا صوتا في مجلس الأمن"، يتابع الخبير، "ما يعني أنها يمكن أن تنقذ بعض الدول الأفريقية التي لها مشكلات دولية".
وأشار إلى أن الدعوة إلى نظام عالمي جديد يضع الأفارقة في موقف الفاعل، فروسيا تنطلق من فكرة الشراكة مع أفريقيا والاعتراف بدورها في صياغة نظام عالمي جديد، وهذا ما يحسب لها عند الأفارقة.
ومتطرقا إلى إعلان موسكو تقديم الحبوب لست دول أفريقية بدون مقابل، اعتبر أن هذا القرار "يساعد كثيرا أيضا في كسب الود الأفريقي"، مؤكدا أن الأمن الغذائي مهم، خصوصا اعتماد دول كبرى مثل مصر وزيمبابوي على القمح الروسي والأوكراني.
نقطة أخرى عرج عليها الخبير، تشمل الوساطة الأفريقية في الحرب الروسية الأوكرانية، لافتا إلى أن أفريقيا أصبحت فاعلا دوليا مهما في إطار النظام العالمي الجديد.
آفاق التعاون
بخصوص التعاون والانضمام لمجموعة بريكس، يرى عبدالرحمن أن هذا الموضوع يُقرأ في إطار إعادة تشكيل النظام العالمي الجديد والخروج من النظام الأحادي الذي تسيطر عليه أمريكا.
و"بريكس" هي تكتل اقتصادي عالمي بدأت فكرة تأسيسه في سبتمبر/ أيلول 2006، ويضم 5 دول تعد صاحبة أسرع نمو اقتصادي في العالم، وهي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا. وكلمة "بريكس" عبارة عن اختصار بالإنجليزية يجمع الأحرف الأولى بأسماء هذه الدول.
وأوضح أن هناك طلبات أيضا للانضمام لمنظمات دولية أخرى كبيرة على غرار بريكس، متسائلا إن كان كل ذلك سيقود نحو خريطة نظام عالمي جديد أم لا.
وبحسب عبدالرحمن، فإن "الهيمنة الأمريكية (في أفريقيا) ما زالت موجودة على الأقل عسكريا، وهناك تحد اقتصادي كبير مع الصين والتي من المتوقع أن تتجاوز أمريكا اقتصاديا في عام 2030".
جدار بوجه الغرب
ويقول الدكتور محمد شريف جاكو الخبير التشادي في الشؤون الأمريكية، إن "هناك عددا من الدول الأفريقية المرشحة للانضمام لمجموعة بريكس، بينها مصر وإثيوبيا ونيجيريا والجزائر والسنغال".
واعتبر جاكو أنه "بانضمام هذه الدول فضلاً عن جنوب أفريقيا التي كانت في المجموعة كأحد المؤسسين مع روسيا، ستشكل تحديا اقتصاديا كبير للمنظومة الغربية التي أصبحت على المحك".
وأكد أن "دبلوماسية الحبوب ليست ذات أهمية بدرجة كبيرة خاصة من الناحية الاقتصادية، ولكن أهميتها تكمن في إخراج المنافسين لروسيا من أفريقيا خاصة فرنسا وأمريكا، وتمثل دعما معنويا للنخبة الأفريقية التي ترى أن التعاون مع روسيا أفضل بكثير من البقاء ضمن سياسة أفريقيا الفرنسية".
كما لفت إلى وجود إمكانية قيام حلف روسي أفريقي في مواجهة الغرب، موضحا أن الطرح يقوم على نمو التعاون العسكري الروسي الأفريقي بشكل ملحوظ مؤخراً، فضلاً عن توجه روسيا نحو تعاون اقتصادي وفق مجموعة بريكس.
وختم بالإشارة إلى تراجع الدور العسكري الفرنسي التقليدي في أفريقيا بشكل ملحوظ بالعقد الأخير، وتنامي مشاعر معادية لنفوذ باريس في أوساط النخب الشبابية، والبحث عن شركاء دوليين آخرين وعلى رأسهم روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا.