«الأسلحة الرخيصة» ترسخ أقدام روسيا بأفريقيا.. الأسباب والنتائج
ساحة جديدة للصراع بين روسيا والغرب ولكن هذه المرة في أفريقيا.
ففي ظل صراعها المحتدم مع أمريكا والدول الغربية على أفريقيا تحاول روسيا بسط نفوذها على القارة بوسائل ناعمة، تمكنها من كسب ثقة الأفارقة الذين عانوا من سيطرة غربية على مواردهم عقود طويلة.
لكسب هذا التنافس الكبير لا تضع روسيا أي عقبات على الشراكات المختلفة العسكرية والاقتصادية مع الدول الأفريقية.
وتعتبر روسيا أكبر مورد للسلاح وتقديم الخبرات الأمنية والتدريب للقارة، ولا تفرض قيودا على هذه الأسلحة، كما تفعل أمريكا والدول الغربية، ما يجعل دول القارة المليئة بالحروب والصراعات تتجه إلى موسكو، لعقد اتفاقات أمنية تشعر فيها بتبادل المصالح والندية في التعامل بعيدا عن الهيمنة الغربية التي تفرض شروطا معقدة، تسيطر من خلالها على الموارد الطبيعية الوفيرة، في استعمار جديد بدأت ترفضه معظم الدول الأفريقية.
فبين عامي 2010 و2021 كانت صادرات الأسلحة الروسية إلى أفريقيا أكبر بكثير من صادرات أيّ مورد آخر، وكانت أكبر بثلاث مرات من صادرات الصين، ثاني أكبر صادرات خلال تلك الفترة، وفقا لمعهد ستوكهولم لأبحاث السلام.
ويرى الخبراء أن روسيا تحاول دعم قوتها الناعمة بالقارة السمراء بتوريد أسلحة رخيصة لدولها، لعدم إثقالها بالديون من جهة، وسهولة استخدام هذه الأسلحة الخفيفة في النزاعات والحروب الأفريقية من جهة أخرى.
محاربة الإرهاب
من جانبه، اعتبر نزار بوش الخبير الروسي في الشؤون الأفريقية أن لروسيا مصالح استراتيجية في أفريقيا، مشيرا إلى أن الاتحاد السوفياتي كان له علاقات جيدة مع كثير من الدول الأفريقية.
وقال بوش لـ"العين الإخبارية" إن روسيا كانت تزود دولا أفريقية كثيرة بالسلاح المتطور، مثل الطائرات والدبابات والمدافع والذخيرة المتطورة".
وأضاف أن "روسيا موجودة حديثا في أفريقيا الوسطى وتزود بعض هذه الدول من أجل محاربة الإرهاب وليس من أجل الحروب، لذلك لا تستطيع روسيا أن تزود هذه الدول بطائرات متطورة، لأن هذه الدول إلى حد ما الحكم بها ضعيف، وأن روسيا لا تريد أن تقع هذه الأسلحة المتطورة في أيدي المتطرفين إذا تم قلب نظام الحكم في هذه الدول، ولذلك تزودها بالأسلحة المتوسطة والخفيفة لمحاربة الإرهاب المنتشر بالمنطقة".
مصالح متبادلة
وأوضح الخبير الروسي أن بلاده تعمل على نشر اللغة والثقافة الروسية وتزويد الدول الأفريقية بالمواد الغذائية والأسمدة والقمح بأسعار زهيدة، وأنها تقدمها لبعض الدول مجانا حتى لا تكون بها مجاعة.
وقال "بهذه الطريقة تكون روسيا أثرت على هذه المجتمعات، ولا تتدخل في أمورها الداخلية إلا إذا طلبت من أن تكون روسيا موجودة بها عسكريا".
وأضاف أن هناك وجودا عسكريا روسيا لكنه ليس كبيرا في بعض الدول الأفريقية، مشيرا إلى أن فرنسا لم تعد موجودة في هذه الدول، وأن كثيرا من هذه الدول طلبت خروج القوات الفرنسية منها وحلت محلها روسيا لدعمها واحترام سيادتها.
وتابع قائلا "جاء هذا الدعم بالأسلحة وبالثقافة وتعليم طلاب هذه الدول في روسيا، وفتح بعض فروع الجامعات الروسية في هذه الدول، وبدأت روسيا تعمل بالقوة الناعمة للتأثير فيها للمصالح المتبادلة بينهما".
خفيفة وفعالة
من جهته، قال الدكتور محمد شريف جاكو الخبير التشادي في الشأن الأفريقي إن "اعتماد روسيا على الأسلحة الرخيصة في أفريقيا لأسباب روسية في أن هذه الأسلحة الخفيفة فعالة في نفس الوقت، مثل الكلاشنكوف والآر بي جي وغيرها من الأسلحة الخفيفة والرخيصة.
وأضاف جاكو لـ "العين الإخبارية" أن "روسيا لا تريد أن تثقل دول القارة بديون من توريد أسلحة ثقيلة لها"، مضيفا أن الاقتصاد الروسي أيضا لا يحتمل مثل هذه الأعباء وترجمتها إلى ديون.
وأشار إلى أن عدم الاستقرار في عدد كبير من الدول الأفريقية يصعب على موسكو أن تورد أسلحة ثقيلة وغالية لها، مع احتمالية وقوع تقلبات محتملة، لا تريدها موسكو.
ورأى الخبير التشادي أن هناك عدة أسباب أفريقية أيضا للاعتماد على الأسلحة الروسية الرخيصة، منها أن مثل هذه الأسلحة الخفيفة هي أكثر استخداما للحركات المسلحة في أفريقيا، ويفضلونها عن أي أسلحة أخرى علاوة على ثمنها الرخيص.
وأوضح أنه يصعب على الحكومات والحركات المسلحة في أفريقيا التي تدعمها روسيا أن تدفع مبالغ ضخمة للحصول على الأسلحة الثقيلة.
سهلة الصيانة
بدوره، قال الدكتور محمد تورشين الباحث السوداني في الشؤون الأفريقية إن اعتماد روسيا على الأسلحة الرخيصة في أفريقيا تأتي في إطار أن الحروب في أفريقيا تعتمد بشكل ما على الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، وفي حالات نادرة الأسلحة الثقيلة.
وقال تورشين لـ"العين الإخبارية" إن الحرب في أفريقيا حرب غير نظامية بجيوش رسمية، وكذلك بعض الجماعات المسلحة، سواء كانت المطلبية ذات الصبغة والبعد السياسي أو الجماعات الإرهابية القاعدة وداعش وغيرها.
وأضاف أن معظم الدول الأفريقية ليست بحاجة لأسلحة ثقيلة ومتقدمة الأمر الذي جعل هذه الدول تعتمد على روسيا، مشيرا إلى أن هذه الأسلحة الخفيفة نادرا ما تستخدم في الحرب الروسية الأوكرانية المشتعلة منذ أكثر من عامين.
وأشار إلى أن هذه الأسلحة فعالة وسهلة الصيانة، ما جعلت الدول الأفريقية تعتمد عليها، لافتا إلى أن روسيا غير مرتبطة بأي حال من الأحوال بالأجندة السياسية في أفريقيا.
وقال إن كل هذه العوامل ساهمت بشكل أو بأخر في اعتماد روسيا على استخدام الأسلحة الخفيفة كعنصر من العناصر الناعمة في الصراعات الأفريقية.
شركات أمنية
أما عبدالله امباتي الكاتب الصحفي الموريتاني فيرى أنه من الملاحظ منذ اهتمام روسيا بالمنطقة الأفريقية، بعد تجربتها في سوريا والشرق الأوسط.
وقال امباتي لـ"العين الإخبارية" إن روسيا لجأت إلى ما يسمى بالشركات الأمنية المتخصصة التي تتبع وزارة الدفاع الروسية، مضيفا أنها 5 شركات معروفة أشهرها شركة فاغنر، تتولى القتال الميداني في هذه البلدان الأفريقية.
وأضاف أن القواعد العسكرية الروسية الموجودة في أفريقيا لا تتبع وزارة الدفاع في موسكو، ولكنها شركات أمنية متشعبة لديها عدة أذرع تهتم بالتعدين والتنقيب.
وأشار إلى التجربة الروسية في مالي على سبيل المثال، وقال "هناك شركة فاغنر لديها مجموعة مقاتلين في الميدان، ومجموعة عاملين في أماكن تعدين الذهب، ومجموعة خبراء يقومون بالبحث الجيولوجي، وتحديد أماكن الموارد وتقييمها".
aXA6IDMuMjM5LjMuMTk2IA== جزيرة ام اند امز