روسيا وأفريقيا.. وعود سخية تهدد القطبية الأحادية
في سانت بطرسبرغ، العاصمة الإمبراطورية الروسية السابقة، بدا الرئيس فلاديمير بوتين متفاخرا وهو يرسم شراكة مع القارة الأفريقية، في ذروة توتر مع الغرب قد تهدد القطبية الأحادية.
شراكةٌ أساسها من عنوانها "الأمن والسلام والتنمية"، في قمة تنعقد على مدار يومين متتاليين، الخميس والجمعة، بحضور عدد من زعماء الدول الأفريقية.
حدثُ يأتي في أعقاب قرار موسكو الأخير بالانسحاب من مبادرة حبوب البحر الأسود، التي توسطت فيها تركيا والأمم المتحدة، والتي سمحت لأوكرانيا منذ صيف 2022 بتصدير الحبوب بأمان إلى القارة الأفريقية من موانئها، وهو ما أسهم في استقرار أسعار المواد الغذائية واستبعاد مخاطر الشُح.
لكن تعليق روسيا للاتفاق أثار قلق الدول الأفريقية بشأن احتمالات نقص الغذاء، قبل أن يطمئن بوتين ضيوفه بتسليم الحبوب بشكل مجاني إلى ست دول أفريقية.
والدول الست هي إريتريا والصومال وزيمبابوي، بالإضافة إلى ثلاث أخرى تقربت من روسيا في السنوات الأخيرة هي جمهورية أفريقيا الوسطى ومالي وبوركينا فاسو، بحسب ما جاء في الكلمة الافتتاحية لبوتين بالقمة، يوم أمس.
وكانت العديد من الدول الأفريقية قد اتخذت موقفا محايدا بشأن الصراع في أوكرانيا، حيث تسعى إلى تحقيق توازن دقيق بين العلاقات مع روسيا والحلفاء الغربيين.
وتأتي قمة سان بطرسبرغ التي تهدف إلى تحقيق "مستوى جديد من الشراكة متبادلة المنفعة" بين روسيا والقارة الأفريقية، في الوقت الذي تواصل فيه موسكو شن حرب ضد أوكرانيا.
الأمن الغذائي الأفريقي
من بين ملفات أخرى، يحتل الأمن الغذائي في البلدان الأفريقية مكانا رئيسيا في قمة سانت بطرسبرغ.
وهو ما نقلته وكالة الأنباء الروسية تاس عن أوليغ أوزيروف، السفير المتجول في وزارة الخارجية الروسية، بقوله إن "إنشاء ممرات ومراكز لوجستية ليس فقط للأغذية والأسمدة، ولكن أيضا لأي منتجات أخرى ينتجها الاتحاد الروسي، سيكون هذا أحد مواضيع القمة".
في الأسبوع الماضي أعلنت موسكو قرارها بالانسحاب من صفقة الحبوب، قائلة إنه "بدلاً من مساعدة الدول المحتاجة فعلاً استخدم الغرب صفقة الحبوب للابتزاز السياسي". في اليوم التالي تم إطلاق صواريخ روسية على ميناء أوديسا الأوكراني، حيث تم تخزين الحبوب.
وبينما امتنع معظم القادة الأفارقة عن التعليق قبل القمة، أعربت بعض الدول الأفريقية عن غضبها، ووصف كورير سينج أوي، كبير المسؤولين الكينيين في وزارة الخارجية، تحرك موسكو بأنه "طعنة في الظهر".
السيادة ومجالس الكبار
لم يكن الأمن الغذائي وحده الذي غازل فيه بوتين القارة الأفريقية، بل أعطاها أيضا ما تنشده، حيث أبدى استعداد روسيا للإسهام في تعزيز سيادة دولها "لتصبح أحد أهم الشركاء في العالم الجديد المتعدد الأقطاب".
إضافة إلى تأكيده على دعم روسيا بأن تأخذ القارة الأفريقية مكانتها في مجموعة العشرين ومجلس الأمن الدولي بالأمم المتحدة.
رئيسة مركز دراسات الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في موسكو فايينا قازدييف، تؤكد أهمية العلاقات الروسية الأفريقية.
وتقول في برنامج "بالتفاصيل" المذاع على قناة روسيا اليوم: "في الماضي كانت هناك علاقات جيدة بين روسيا ودول القارة الأفريقية، لكن على خلفية العقوبات الغربية تعززت هذه العلاقة".
وأضافت"روسيا غنية بمواردها الطبيعية وإمكانياتها الهائلة، وكذلك أفريقيا غنية بمواردها".
لكن المشكلة بالنسبة للخبيرة الروسية تكمن في أن الجانبين "لم يتعرفا إلى بعضهما البعض بشكل جيد، ولم يعرفا إمكانياتهما في إطار التعاون بينهما".
ولذلك تنظر إلى مثل القمة المنعقدة في سانت بطرسبرغ وغيرها، بأنها بوابة "للتعرف على بعضنا البعض، ونفهم ما نقوم به من أجل أن نكون مفيدين لبعضنا".
فسيفولود سفيريدوف، الخبير في مركز الدراسات الأفريقية في كلية موسكو العليا للاقتصاد، يرى أنه من الضروري "وضع تعريف جديد للعلاقة بين روسيا والقارة الأفريقية".
ويقول لوكالة فرانس برس "الإطار الذي تتفاعل فيه روسيا مع أفريقيا تغيّر بشكل عميق"، في ظل وباء كورونا، والحرب الأوكرانية.
من جهته، قال رامي القليوبي، أستاذ زائر بكلية الاستشراق في المدرسة العليا للاقتصاد بموسكو، لـ"العين الإخبارية"، إن روسيا أيضا مدفوعة بنظرتها للقارة الأفريقية على أنها سوق استهلاكية هائلة تضم مليارا و400 مليون نسمة.
وأشار إلى أن الموارد الطبيعية الغنية بها تفتح الباب أمام فرصة سانحة للشركات الروسية الكبرى للمشاركة في مجالات التعدين والنفط والغاز والألماس في القارة الأفريقية.
كما أن العلاقات الدبلوماسية مختلفة حاليا عن القمة الأولى في سوتشي، حيث ركز القليوبي على الجهد الأفريقي المبذول لحل الأزمة الروسية الأوكرانية.
"حصن في وجه الإمبريالية"
والأربعاء، التقى الرئيس الروسي نظيره المصري عبدالفتاح السيسي الذي أعرب بدوره عن تقديره للدعم الروسي في إنشاء محطة الضبعة النووية ببلاده.
وأشار إلى أن مصر تحتل ثلث حجم التبادلات التجارية الأفريقية مع موسكو، معربا عن ثقته بأن قمة سانت بطرسبرغ "سيكون لها نتائج عظيمة".
وأكد السيسي حرص مصر على تلبية دعوات الرئيس بوتين فيما يخص التعاون في المجالات المختلفة وأيضا على مستوى القارة الأفريقية.
وأمس الخميس، قدّم بوتين مروحية لرئيس زيمبابوي إيمرسون منانغاغوا المشارك أيضا في القمة.
وقال المتحدث باسم حكومة زيمبابوي نيك مانغوانا إن "هذا الطائر سيحلق قريبا في سمائنا".
وفي دلالة على اهتمام موسكو بالقارة الأفريقية، أجرى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف جولتين منذ مطلع العام الجاري، في محاولة لجذبها إلى معسكر موسكو، مقدما ذلك على أنه حصن في وجه "الإمبريالية" و"الاستعمار الجديد" الغربي.
aXA6IDE4LjIyNi45My4xMzgg جزيرة ام اند امز