مدفعية روسيا «المعدلة» تعيد صياغة معادلات الحرب المستقبلية

في المراحل الأولى من حرب أوكرانيا، كانت ضربات المدفعية الروسية غير فعالة بشكل غريب، لكن الأمر تغير وباتت تمثل نقطة قوة كبيرة.
وأجرت روسيا العديد من التعديلات الرئيسية وهو ما ساعد على جعل سلسلة التدمير الخاصة بها أسرع وأكثر دقة، وبالتالي أصبح من الضروري أن يتعلم حلف شمال الأطلسي (ناتو) بسرعة للاستعداد لمدفعية روسية أكثر خبرة وتطورًا.
وفي الوقت الحالي، أصبحت سلسلة التدمير الروسية، أو مدى سرعة انتقال الجيش من العثور على هدف إلى إطلاق النار عليه، أكثر استجابة ودقة مما كانت عليه في بداية الحرب في أوكرانيا، وفق موقع "بيزنس إنسايدر" الأمريكي.
وفي تصريحات للموقع، قال فيديريكو بورساري، الباحث في تكنولوجيا الحرب والابتكار بمركز تحليل السياسات الأوروبية، "إن الروس يتكيفون، وهذا أمر يلاحظه (الناتو) بالتأكيد".
وتتفوق روسيا على الغرب في إنتاج المدفعية، مما يزيد من احتمالية اضطرار حلف "الناتو" لردع الخصم بقوة نيران ميدانية أكبر وأساطيل طائرات الاستطلاع المسيرة.
وكانت إحدى أخطر المشكلات التي واجهت روسيا في بداية الحرب هي بطء الوقت بين العثور على هدف وإطلاق النار عليه، حيث استغرق الأمر ساعات للنيران غير المباشرة مثل المدفعية وقذائف الهاون، ووقت أطول لصواريخ كروز.
وفي تقرير نُشر أوائل الشهر الجاري، كتب بورساري أن الضربات الروسية كانت تتأخر أحيانًا لمدة تصل إلى 4 ساعات، مما يجعلها غير فعّالة ضد الوحدات الأوكرانية التي انتقلت منذ فترة طويلة إلى موقع جديد.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني، كتب باحثون في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، وهو مركز أبحاث مقره لندن، أن القوات الروسية "أخطأت أهدافها بسبب احتكاكات ذاتية في سلاسل عملياتها، وعادة ما تضرب متأخرًا جدًا بدلًا من ألا تضرب على الإطلاق."
مسيرات تكتيكية
ومن التحديات التي واجهتها روسيا أيضا عدم فعالية منظومة الضربات الاستطلاعية، واعتمادها على أقمار صناعية قديمة وعدد قليل من المسيرات التي لم تستطع مواكبة وتيرة القتال.
كما واجهت عملية اختيار الهدف صعوبة ففي بعض الأحيان، كان الروس يُبددون صواريخهم التكتيكية على مجموعات صغيرة من المشاة الأوكرانيين بينما يُمطرون المطارات الشاسعة ببضعة صواريخ كروز.
ومن المشكلات الأخرى أن أنظمة القيادة والسيطرة الروسية المبكرة كانت صارمة للغاية، وقديمة، ومُربكة، وتحمل بصمات هيكل القيادة السوفياتية من الأعلى إلى الأسفل.
والآن، تستخدم روسيا مجموعة واسعة من المسيرات التكتيكية لاصطياد الأهداف في أوكرانيا، كما أغرقت المجال الجوي بالمئات من أنظمة المراقبة على ارتفاعات وأعماق مختلفة.
ونظرًا لأن المسيرات تُوفر لروسيا رؤية أفضل لساحة المعركة، فقد تزايد استخدامها للصواريخ الباليستية قصيرة المدى مثل إسكندر-إم وقنابلها الانزلاقية المدمرة لضرب أهداف بالغة الأهمية في العمق الأوكراني بدقة أكبر.
تحسن ملحوظ
بدورهما، كتب الباحثان في المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية جاك واتلينغ ونيك رينولدز، في تقرير صدر عام 2023 حول تكتيكات ساحة المعركة الروسية، أن "المدفعية الروسية بدأت تُحسّن بشكل ملحوظ نظام ضربات الاستطلاع".
وقال التقرير "أدى ذلك إلى تكامل أوثق بين العديد من المسيرات التي تدعم القادة المخولين بإطلاق النيران بشكل مباشر"، وأشار إلى أن "المدفعية الروسية حسّنت أيضًا قدرتها على إطلاق النار من مواقع متعددة وعلى إطلاق النار والتحرك".
ودأبت القوات الروسية على دمج التقنيات المدنية في عملياتها، مثل الهواتف الذكية ومحطات الاتصالات عبر الأقمار الصناعية. وهو ما جعل الوحدات الروسية في المستويات الأدنى أكثر تماسكًا وقادرة على دمج الاستخبارات وقيادة الضربات في صورة واحدة.
وقال بورساري إن هذه القدرات الروسية تفرض على القوات الغربية التي تستعد لاحتمال نشوب صراع بين القوى العظمى، أن تركز بشكل أكبر على تدريب القوات على القتال مع التحرك بسرعة وفي تشكيلات صغيرة لتقليل التعرض لضربات المدفعية.
وأوضح أن الإجراء الأكثر إلحاحًا الذي يمكن للولايات المتحدة وأوروبا اتخاذه هو استهداف تصنيع روسيا للمسيرات عالية التقنية والذخائر الدقيقة، والتي غالبًا ما تعتمد على قطع غيار من الخارج.