دراسة غربية: روسيا قلبت الطاولة علينا في سوريا.. فلنتفاهم معها
هل رفع الغرب راية الاستسلام أمام التقدم الروسي في المسألة السورية بهذا المعنى، تدور دراسة كتبها وليام تشارلز، المعروف باسم لورد باغلان في بريطانيا، وهو مبعوث أممي سابق إبان الحرب الأهلية اللبنانية.
هل رفع الغرب راية الاستسلام أمام التقدم الروسي في المسألة السورية؟
قد يبدو مثل هذا السؤال، نوعاً من الأسئلة السيريالة في السياسة الدولية، أو على أقل تقدير هو محاولة لتنشيط الألعاب الذهنية في مشكلة تجذرت تعقيداتها، على نحو استعصى على الحلول.. ولكن مع ذلك، فإن السؤال مطروح في بعض دوائر التفكير الإستراتيجي في الغرب، بالتأكيد ليس جزماً وإنما إيحاء.
بهذا المعنى، تدور دراسة كتبها وليام تشارلز، المعروف باسم لورد باغلان في بريطانيا، وهو مبعوث أممي سابق إبان الحرب الأهلية اللبنانية، ويعمل الآن كزميل زائر في المعهد الملكي للدرسات الدولية (تشاثام هاوس).
ينطلق وليامز من مسلمة مقلقة، وهي أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قد قلب الطاولة على الغرب في الحرب السورية، وإن مسألة استبعاد الأسد باتت صعبة، وأنه لا بد من التفاهم مع موسكو لوضع حد للحرب في سوريا أولاً، ولوقف الخسائر التي يدفعها الغرب تالياً.
من هنا تأتي أهمية هذا الدراسة، التي تلقي الضوء على خلفية غير متداولة في التفكير والوعي الغربيين، حيال قضايا العالم، انطلاقاً من المسألة السورية.
يبدأ وليامز دراسته من رسم خارطة للوضع الحالي في سوريا، فيقول: تواصل الحرب السورية، سنتها السادسة، وعند البحث في تفاعلاتها يجب النظر إليها على خلفية الفشل المأساوي لـ”الربيع العربي”، والذي كان بمثابة فجر كاذب للأمل في المنطقة.
الملاحظة الثانية التي يطرحها وليامز، هي انهيار الدولة في مساحات واسعة من المنطقة، وأبرز الأمثلة على ذلك ليبيا وسوريا والعراق واليمن. في الدول الأربعة هذه من الصعب أن نتصور حكومة واحدة سوف تمتد لتشمل جميع الأراضي داخل حدودها. في العراق، على سبيل المثال، فإن الغزو الذي تعرض له البلد من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا في عام 2003، حوّل الاستبداد الوحشي لصدام حسين إلى وسيلة لنهوض ما لا يقل عن 3 كيانات. أضعفها الحكومة التي يترأسها حيدر العبادي في بغداد، إلى جانب كيان كردي في الشمال، ودولة “داعش” التي لا تزال تحكم مناطق واسعة، بما في ذلك المدينة الثانية الموصل.
ويستمد وليامز ملاحظته الثالثة من العراق أيضاً: وهي صعود الطائفية الشرسة في جميع أنحاء المنطقة خصوصاً على شكل الانقسامات التي تحدث بين السنة والشيعة.
الملاحظة الأخيرة التي يطرحها الكاتب تدور حول انهيار “عملية السلام” في الشرق الأوسط. ففي الواقع لم تكن هناك أي مفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين منذ عامين. وقد تآكل على مدى السنوات الخمس أو العشر الماضية العديد من المعايير الدولية بشأن العدالة وحقوق الإنسان.
ويأخذ وليامز على الغرب أنه أصبح معتاداً على أخذ تلك المعايير باعتبارها أمراً مفروغاً منه، على سبيل المثال، فإن مفهوم المحاكم الدولية ومبدأ المسؤولية عن الحماية (R2P)، هو التزام عالمي لمنع ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وفي رأيه إن هذا الالتزام نجح في يوغوسلافيا السابقة، وإفريقيا، ولكنه فشل في سوريا.
ويقول وليامز: الحرب، كما علمنا كلاوزفيتز، هي “ليست مجرد عمل سياسي، ولكنها أداة سياسية حقيقية”. وفي مرحلة ما فإن السياسة الحقيقية سوف تسود على العنف في سوريا، وأعتقد أننا في بداية هذه العملية. علينا أن نتذكر أن محادثات باريس للسلام الختامية للحرب في فيتنام استمرت نحو 5 سنوات قبل التوصل إلى اتفاق عام 1973 بين ما كان في ذلك الحين فيتنام الشمالية والولايات المتحدة، بعد حرب ضارية بين الطرفين.
في حالة سوريا فإن الوضع أكثر تعقيداً، مع وجود 4 أطراف على الأقل يمكن تحديدها: نظام بشار الأسد، والمعارضة المتمحورة حول الجيش السوري الحر والمجلس الوطني السوري، والأكراد، والمجموعات التي تصّبت نفسها دولة خلافة. الصورة هذه معقدة جداً بسبب الطابع المجزأ للمعارضة، حيث إن واحدة من المجموعات الأكثر نجاحاً هي جبهة النصرة المرتبطة بتنظيم القاعدة، هي منظمة إرهابية بحسب تصنيفات الأمم المتحدة، على الرغم من إعادة تسمية نفسها في يوليو الماضي لتظهر أكثر اعتدالاً.
وهذا التعقيد يتضاعف عندما ينظر المرء إلى حالات تورط خارجي. فالنظام يعتمد على روسيا وإيران وحزب الله، وهي 3 جهات عسكرية منضبطة وفعالة للغاية وقد حالت دون انهيار نظام الأسد. على النقيض من ذلك، فقد تلقت المعارضة دعماً أقل بكثير من الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية. هذه الخارطة لا تشمل تركيا التي كانت مؤيداً قوياً للمعارضة في البداية، ثم تحولت إلى خصم لدود للولايات المتحدة الحليف الرئيسي الأكراد السوريين من حزب الاتحاد الديمقراطي.
وقد أحدث هذا الخلل خسائره. إذ سوف يكون من الصعب استبعاد نظام الأسد - وليس بالضرورة الرجل نفسه - من ترتيبات ما بعد الحرب في سوريا.
وعلى الجانب الآخر، فإن المساعدة من الغرب لقوى المعارضة، وبشكل غير منطقي، لم تكن بأي شكل من الأشكال بمستوى الدعم الذي قدمته روسيا للنظام. وأسباب ذلك هي ذات شقين أساساً. أولاً، الظلال الكثيفة التي أحدثها غزو العراق عام 2003 والحرب التي تلت ذلك وسقوط خسائر كبيرة في الأرواح. ثانياً، يسود في واشنطن ولندن وباريس، اعتقاد بأنه على الرغم من بشاعة نظام الأسد، فإنه لا يشكل تهديداً مباشراً للغرب. على النقيض من ذلك، فإن “الدولة الإسلامية” تمثل هذا التهديد بشكل ملموس. ولهذا السبب لجأت الولايات المتحدة إلى الحرب الجوية في سوريا ضد “الدولة الإسلامية”، مع مساعدة محدودة من المملكة المتحدة وفرنسا.
على هذه الخلفية المعقدة، خاض زميلي السابق ستيفان دي ميستورا، المبعوث الخاص للأمم المتحدة، معارك باسلة لإبقاء عملية السلام حية في محادثات جنيف، ويعمل المفوض السامي لشؤون اللاجئين للأمم المتحدة لمساعدة مئات الآلاف من اللاجئين الذين فروا من جحيم سوريا، وتسعى الوكالات الإنسانية الأخرى للمساعدة في الداخل والخارج على حد سواء. وهذا يبّين أوجه القصور في العمل الأممي، الذي تمكن في تسعينيات القرن الماضي من تحديد مناطق آمنة في البوسنة خلال الحرب التي دارت هناك. لكن في سوريا لا يوجد مكان آمن، والوضع المروع الذي تشهده حلب الآن خير دليل.
على الرغم من هذا، فإن روسيا هي الطرف الذي يجب أن نتجه لعقد تسوية معه. فالولايات المتحدة والغرب وحدهما لا يمكنهما وضع حد للحرب. أكثر أكثر، لا يمكن الاستغناء عن نظام الأسد وروسيا في الحرب ضد “الدولة الإسلامية”، وهو ما يجعل مسألة التسوية مع روسيا أكثر إلحاحاً.
يتمتع نظام الأسد، بدعم قوي بين العلويين، فيما تسانده بعض الأقليات الأخرى بدرجات متفاوتة مثل المسيحيين والدروز. هذا يحتاج الى شرح. ففي أعقاب الغزو الأنجلو أمريكي للعراق عام 2003 والإطاحة بدكتاتورية صدام حسين، تم تقويض وضع الأقليات داخل العراق. ففي وقت الغزو بلغ عدد السكان المسيحيين مليون ونصف مليون نسمة، والآن هو بالكاد يبلغ خمس هذا العدد. وقد رتب خروج هولاء أثراً عميقاً على ما تبقى من الأقليات في العالم العربي وخصوصاً في سوريا.
لهذا السبب، فإن كثيرين من المسيحيين اللبنانيين، أنصار التيار الوطني الحر وميشال عون، دخلوا في تحالف مع حزب الله ونظام الأسد عن قناعة راسخة بأن مستقبلهم يعتمد على حماية من جانب سوريا العلمانية.
في أي نظام ما بعد الأسد، فإن حماية الأقليات هي ذات أهمية قصوى. لا بد لنا وعلينا أن نفعل ما هو أفضل مما حدث في العراق بعد الغزو عام 2003. وهو ما يتطلب قراراً في المجتمع الدولي، الأمر الذي لم نشهده لسنوات.
ثم ما هو الطريق إلى الأمام؟ لقد حدث اختراق عام 2016 بتشكيل مجموعة الدعم الدولي لسوريا ISSG، على هامش مؤتمر ميونيخ السنوي الذي انعقد في فبراير الماضي، التي تضم الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الامن إضافة إلى إيطاليا، تركيا، اليابان، إيران ودول عربية رئيسية مثل مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر والعراق ولبنان، فضلاً عن المؤسسات الدولية الهامة مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية. استغرق الأمر 5 سنوات ومئات الآلاف من الأرواح للحصول على هذا. والتاريخ، في اعتقادي، سيكون قاسياً بحكمه على عجز المجتمع الدولي في الاتفاق على موقف مشترك لإنهاء الحرب على أساس مبادئ سليمة.
علينا أن نبني على هذا التطور. من وجهة نظري يجب أن يكون هناك مكتب دائم متناسب مع حجم هذه الحرب وتكثيف البحث عن حل شامل. وكخطوة أولى أود أن أقترح أمانة صغيرة من ISSG في جنيف.
وقد يكون واحداً من أولى خطواتها كتابة ميثاق لحماية أقليات المجتمع السوري المتعددة والمتنوعة بالاعتماد على أفضل الممارسات الدولية.
وربما تكون الخطوة الثانية هي البناء على العمل الذي يقوم به حالياً عبدالله الدردري في اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا في بيروت لإعادة إعمار ما بعد الحرب في سوريا. يجب أن يتم ربط هذا العمل مع مساعي صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي.
ثالثاً: ينبغي أن تعقد مجموعة ISSG اجتماعات على مستوى مسؤول بشكل شهري، لكي يتمك صياغة سياسات مشتركة ومقبولة.
رابعاً: يجب على المكتب أن يقدم تقريراً إلى الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن.
خامساً: هناك حاجة إلى مزيد من الانخراط مع روسيا بحيث يصبح ـ التفاهم معها ـ هو الراعي الحقيقي لانتقال سياسي في سوريا، بدلاً من تركها تعمل على إفساد الجهود. ففي حين ينشغل بوتين بمد حلقات مغلقة حول الولايات المتحدة، فإن روسيا لا يمكنها أن تبقى في حالة حرب في سوريا إلى أجل غير مسمى.
أما الخطوة السادسة فيمكن تصورها على النحو التالي: الضغط على نظام الأسد من قبل الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الامن الدولي من أجل أن يوقف فوراً جميع الأنشطة الجوية مع تهديد بفرض منطقة حظر جوي إذا لم تقبل الحكومة، من دون هذه الخطوات ليست هناك نهاية في الأفق للجحيم السوري.
aXA6IDMuMTM2LjIzNi4xNzgg جزيرة ام اند امز