قصة "الهاتف الأحمر" بين روسيا وأمريكا.. حرارة خارج الخدمة
بين روسيا وأمريكا "هاتف أحمر" عمره 6 عقود ولكن جرسه لم يرن منذ أكثر من عام، في حرارة تلاشت على وقع التوتر شرقي أوروبا.
هو ليس هاتفا بالمعنى الكلاسيكي للكلمة، بل خط ساخن كبّله جليد التوترات بين الجانبين منذ إنشائه قبل 6 عقود، فظل صامتا لا يرن إلا ليحمل تحذيرا أو كارثة.
إذا رنّ هذا الهاتف فالمؤكد أن الحدث جلل، وفي حال توالي رنينه كما حدث على مر التاريخ فالثابت أن التوتر بلغ حدا من السخونة لا تحتمله برودة الحرب المسموح بها طوال فترة التعايش.
ومع أن الحرب على أوكرانيا تعد سببا كافيا لرفع درجة الحرارة في أوصال ذلك الخط حد الغليان، لكنه بقي مع ذلك ملازما الصمت بعد مكالمة وحيدة سبقت العملية العسكرية المستمرة حتى الآن.
القصة
استحدث "الهاتف الأحمر" إثر اندلاع أزمة الصواريخ الكوبية في 16 أكتوبر/تشرين الأول 1962 بين أمريكا والاتحاد السوفياتي، حين اكتشف الأمريكيون نشر صواريخ نووية سوفياتية بشكل سري على الأراضي الكوبية التي تفصلها مسافة 90 ميلا بحريا عن سواحل فلوريدا الأمريكية.
وخلال تلك الفترة، راقب العالم أول مواجهة مباشرة بين واشنطن والاتحاد السوفياتي، ووقف 13 يوما على حافة حرب نووية كانت ستعصف بالبشرية وتدفع بالحياة على الأرض نحو المجهول.
في البداية لم يكن هاتفا ولا أحمر، بل كان عبارة عن نقطة في أحد أقبية مقر الكرملين بالعاصمة الروسية موسكو، يقابلها نقطة في مبنى البنتاغون، ويربط بينهما خط يمر بلندن وستوكهولم.
كما كان يوجد خط احتياطي بمحول إرسال في مدينة طنجة المغربية، وعندما حان عصر الفضاء أصبح "الهاتف الأحمر" يدار عبر الأقمار الصناعية.
وفي الواقع، ولد هذا الخط من رحم أزمة وضعت القطبين أمام خيار التواصل من أجل الردع النووي، وهذا ما حصل حيث تمكنت واشنطن والاتحاد السوفياتي من تجنب حرب نووية مدمرة.
متى رن؟
استعمل "الهاتف الأحمر" لأول مرة سنة 1967، أي إبان حرب يونيو/حزيران، وذلك بين الرئيسين الأمريكي ليندون جونسون والسوفياتي ليونيد بريجنيف.
وبحسب المترجم الروسي المخضرم فكتور سوفوروف، فإن الهاتف الأحمر أفلح في منع اصطدام الأسطولين السادس الأمريكي وأسطول البحر الأسود السوفياتي.
ولاحقا، استخدم هذا الخط مرة ثانية خلال الحرب العربية الإسرائيلية في 1973، لتتوالى بعد ذلك استخداماته كلما بلغ التوتر ذروته.
لكن هذا الهاتف صمت منذ فترة "البيريسترويكا" (إعادة الهيكلة) وما تبعها من انهيار للاتحاد السوفياتي، ثم عاد مجددا ليستعيد حرارته، أولا من قبل الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما قبيل الانتخابات، حين حذر الرئيس الروسي من عواقب التدخل فيها.
والتالية، مكالمة أجراها الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في 13 فبراير/شباط 2022، أي قبل 10 أيام من بدء الحرب.
والمكالمة استغرقت حينها 62 دقيقة، ويبدو أنها فشلت في التوصل لأرضية توافق بين الرئيسين، ولاحقا كان بايدن أول من عرف بالحرب حتى قبل الرئيس الأوكراني نفسه.
ومع ذلك، لم يرفع بايدن -حتى الآن- الهاتف الأحمر للتحدث لبوتين، في جرس ينتظر العالم بأسره أن يرن من أجل نهاية محتملة لأسوأ نزاع شرقي أوروبا.