كيف تنتهي أزمة أوكرانيا.. السيناريو الأقرب
إنهاء الحروب أصعب كثيرا من إطلاقها. ويصدق هذا على العمليات العسكرية الروسية الحالية ضد أوكرانيا، التي بدأت منذ 24 فبرابر/شباط الماضي.
فبعد أكثر من شهرين من القتال الذي يواجه طريقاً مسدوداً، يقوم المتحاربون بإعادة تجميع القوات لشن هجمات رئيسية في منطقة دونباس، أو التصدي للاجتياح المتوقع، وسط تكهنات بأن يكون القتال هناك كثيفا، وطويل الأمد، وباهظ التكاليف بالنسبة للطرفين.
ويقول ستيفن جيه. سيمبالا، أستاذ العلوم السياسية بجامعة بنسلفانيا، ولورانس جيه.كورب، أحد كبار الزملاء بمركز التقدم الأمريكي، والمساعد السابق لوزير الدفاع الأمريكي، في تقرير نشرته مجلة ناشيونال إنتريست الأمريكية إن روسيا تواصل قصف مدينة ماريوبول، التي تم تدمير أكثر من 90% منها، ورشق كييف بوابل من القذائف من حين لآخر، في محاولة لصرف انتباه الحكومة الأوكرانية عن الهجمات في الجنوب والشرق. وعلى الأقل، يبدو أن أهداف حرب روسيا تشمل إقامة جسر بري إلى شبه جزيرة القرم و"تحرير" لوهانسك ودونيتسك من السيطرة الأوكرانية.
كيف تنتهي الحرب؟
وتسعى أوكرانيا بدورها إلى الحفاظ على نظام حكمها وسيطرتها على أراضيها، بما في ذلك التي تقطنها أغلبية من المتحدثين باللغة الروسية.
وحول كيفية انتهاء هذه الحرب، يقول سيمبالا وكورب إن هناك أربعة بدائل يمكن أن يحققها القادة الروس أو الأوكرانيون، أو المجتمع الدولي، وأولها فرض أحد الطرفين هزيمة عسكرية حاسمة على الطرف الآخر وإملاء ترتيبات ما بعد الحرب التي تدعم مصالحه؛ أو حدوث جمود عسكري مطول، يشهد تزايدا تدريجيا في القوات وتزايدا في قوائم الخسائر في الأرواح، ما يؤدي إلى ضغط للتوصل لتسوية دبلوماسية.
فيما يمثل ثالث هذه البدائل حدوث تصعيد يغير من طابع الحرب بصورة كبيرة للغاية- سواء كان تصعيدا أفقيا (انتشار الحرب إلى مزيد من الدول) أو تصعيدا رأسيا (استخدام أسلحة الدمار الشامل)، في حين رابع هذه البدائل اندلاع أزمة في نفس الوقت في مكان آخر في العالم، تشمل مصلحة حيوية للولايات المتحدة والمجتمع الدولي على سبيل المثال، توجيه الصين تهديدات وشيكة ضد تايوان أو شن هجوم فعلي ضدها.
وبالنسبة للخيار الأول، وهو الاستسلام الكامل من جانب أحد الطرفين وتحقيق الطرف الآخر انتصارا حاسما، فإنه يبدو أمرا غير محتمل في الوقت الحالي. فمن الممكن أن يواصل الناتو ضخ الأسلحة لأوكرانيا إلى ما لا نهاية، كما لا توفر العزلة الدبلوماسية لروسيا قدرا كبيرا من الدعم الخارجي. ومن الممكن توقع تحسن تماسك المقاتلين الأوكرانيين ومهاراتهم القتالية مع اكتساب الخبرة.
الحسم
ومع ذلك، ليس من المرجح أن تستطيع أوكرانيا فرض انتصار حاسم على روسيا يشمل طرد القوات العسكرية الروسية المنظمة من كل الأراضي الأوكرانية. وسوف يضمن قرب روسيا من شرق أوكرانيا قدرتها على مواصلة الإبقاء على المنطقة في حالة اضطراب إذا ما اختارت دفع ثمن استمرار الحرب.
ومن ثم، يتضح أن الخيار الثاني، وهو أن تكون هناك حرب مطولة تتبعها هدنة وتسوية سلمية عن طريق التفاوض، خيار أكثر احتمالا من تحقيق انتصار تام أو هزيمة أي من الطرفين. ومع ذلك، فإنه لكي يصبح هذا الخيار واقعيا، من الضروري أن تدخل الدبلوماسية البارعة معادلة الناتو وروسيا وأوكرانيا، والوسطاء الدوليين المؤثرين. وحتى الآن، لم تكن الدبلوماسية ذات تأثير بالنسبة للحرب، حتى على الرغم من أن خسائر الحرب أثارت غضب المراقبين الدوليين. ومع ذلك، فإنه إذا لم يأخذ المتحاربون والمجتمع الدولي الأوسع نطاقا الدبلوماسية بصورة جدية، سوف يستمر القتال.
وينبغي أن يضم المجتمع الدولي الأوسع نطاقا ممثلين من الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، وقوى رئيسية مختارة من خارج أوروبا.
ويجب أن يكون الهدف الأول للاتصالات الدبلوماسية بين أوكرانيا، وروسيا، والناتو، والوسطاء المناسبين التوصل لترتيب لتحقيق هدنة مؤقتة، تعقبها صيغة متفق عليها لعقد اجتماعات دبلوماسية متخصصة بين ممثلي أوكرانيا وروسيا والناتو والأطراف الأخرى التي يوافق عليها الجميع.
الدبلوماسية
أما الهدف الثاني للدبلوماسية فينبغي أن يكون التوصل لاتفاق حول الأوضاع النهائية السياسية والعسكرية المقبولة من جانب الناتو، وروسيا، وأوكرانيا.
أما الخيار الثالث فإنه يتم اللجوء إليه إذا ما قام أحد الطرفين بتصعيد الحرب بتوسيع نطاق القتال ليشمل المزيد من الدول أو بإدخال أسلحة الدمار الشامل أرض المعركة. فأي هجوم روسي على دولة أخرى، مثل مولدوفا، أو على دولة عضو في الناتو سيؤدي إلى رد عنيف من جانب الناتو. حينئذ سوف تصبح الحرب حربا بين الناتو وروسيا، وسيكون الوضع في أوكرانيا مجرد جزء منها.
وسيتمثل التحدي بالنسبة للناتو في التأكيد في هذا الموقف على وحدته السياسية والاتفاق الجماعي على استراتيجية عسكرية في وجه قتال ممتد باستخدام أسلحة تقليدية طويلة المدى.
وسوف يكون هناك المزيد من الغموض في الاختيار الثالث إذا ما قررت روسيا استخدام سلاح نووي في أوكرانيا. وحتى إذا ما استخدمت روسيا سلاحا محدود القوة يتم إطلاقه من منصة قصيرة أو متوسطة المدى، سوف تكون التأثيرات السياسية والنفسية على أوكرانيا والناتو والمجتمع الدولي عميقة ولا يمكن التكهن بها تماما.
نووي
سوف يتسم رد فعل معظم الحكومات ومواطنيها بفزع مبرر، ولكن كيف ينبغي أن يكون رد فعل الناتو إزاء بدء روسيا باستخدام سلاح نووي محدود؟ من الناحية النظرية سوف تكون هناك ثلاثة خيارات متاحة، الأول انتقام عسكري واسع النطاق ضد أهداف في روسيا باستخدام أسلحة تقليدية فقط، مصحوبا بدبلوماسية عالمية تصور روسيا كدولة شريرة تاريخيا ذات طابع لم يسبق له مثيل، بالإضافة إلى تحذير بأن استخدام روسيا لأي أسلحة نووية سوف يلقى ردا نوويا من الناتو.
والخيار الثاني، رد نووي متناسب ضد أهداف في روسيا مماثلة للأهداف التي دمرها استخدام روسيا لسلاح نووي؛ أو (3) رد نووي غير متناسب ضد مجموعة أكبر من الأهداف العسكرية وغيرها في روسيا. ومن الممكن أن يصحب أي من هذه الخيارات الثلاثة أو كلها من جانب الناتو هجمات غير معلنة ولكن كبيرة ضد الأصول الفضائية الروسية والحرب السيرانية الهجومية.
الصين
وإذا افترضنا إمكانية تجنب الخيار الثالث، يمثل الخيار الرابع من الخيارات الأربعة لكيفية إنهاء الحرب في أوكرانيا عرقلة محتملة أخرى لجهود إنهاء الحرب على أساس شروط مقبولة من روسيا وأوكرانيا. إذ إن أي تحرك صيني ضد تايوان مع احتمال فرض تغيير نظام الحكم من شأنه أن يخلق أزمة كبرى أخرى بالنسبة لصانعي السياسة الأمريكيين ومستشاريهم العسكريين. ومن الواضح أن الإمكانيات العسكرية الأمريكية تتيح إدارة أكثر من تحد عسكري إقليمي في آن واحد. لكن مواجهة موقف تهاجم فيه الصين تايوان، بينما روسيا تشارك في نفس الوقت في تصعيد أفقي أو رأسي في أوروبا، سوف يشكل ضغطا على إدارة أمريكا للأزمة وقدراتها العسكرية إلى حد كبير.
وفي ختام تقريرهما، يرى سيمبالا وكورب أنه قد يبدو أن الدبلوماسية أمر صعب التحقق بالنسبة للتوصل لتسوية للحرب في أوكرانيا. ولكن البديل، وهو مواصلة القتال مع إمكانية حدوث توسع جغرافي أو زيادة ضراوة القتال أو كليهما، أمر أكثر سوءا.
وإذا ما حدث العدوان الصيني والروسي في وقت واحد، فسوف تنتهي كل الرهانات.
aXA6IDMuMTIuMzYuNDUg جزيرة ام اند امز