«الكونغو» بـ«فخ التاريخ».. ماذا نعرف عن صراع الهوتو والتوتسي؟
تضرب دول موعدا مع التاريخ، بما يحمله ذلك من معنى إيجابي ومؤشرات النجاح، لكن دولا أخرى تقع في فخه، سواء كانت جزءا منه أم مفروضا عليها.
"السقوط في فخ التاريخ" ربما هو العنوان الأكثر ارتباطا بما يحدث في الكونغو الديمقراطية هذه الأيام، إذ تقف البلاد على شفا "إبادة" جديدة وحرب مدمرة تعيدها عقودا إلى الخلف، في زمن يعتبر الجمود سقوطا.
وتشن حركة 23 مارس (إم 23) المتمردة في الكونغو الديمقراطية في هذه الأثناء هجومها على غوما، أكبر مدينة في شرق البلاد، في إطار زحف عسكري مستمر منذ أيام.
وردا على ذلك، دعا مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قوات حركة 23 مارس (إم 23) المتمردة إلى وقف هجومها على غوما، كما طالب القوى الخارجية بالانسحاب من المنطقة.
وحثّ مجلس الأمن رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية على العودة إلى التفاوض لإرساء السلام ومعالجة القضايا المتعلقة بوجود قوات الدفاع الرواندية في شرق الكونغو، والدعم الكونغولي للقوات الديمقراطية لتحرير رواندا، وهي جماعة مسلحة رواندية معارضة.
يأتي التدخل الأممي بعد ساعات من إعلان حركة 23 مارس، المدعومة من رواندا، سيطرتها على غوما، في أعقاب تقدم مباغت أجبر آلاف الأشخاص على الفرار من منازلهم وأثار مخاوف من اندلاع حرب إقليمية.
لكن ما علاقة التاريخ بما يجري؟
ترتبط الأزمة الحالية بما جرى قبل أكثر من 30 عاما، حينما شنّت أقلية الهوتو حرب إبادة ضد التوتسي في رواندا.
بعد مشاركتها في حملة إبادة جماعية عام 1994، التي راح ضحيتها أكثر من 800 ألف من التوتسي والهوتو المعتدلين، فرّت مليشيات الهوتو العرقية، مثل القوات الديمقراطية لتحرير رواندا، إلى الكونغو الديمقراطية.
والآن تدعم رواندا حركة إم 23، التي تقاتل الهوتو في شرق الكونغو الديمقراطية.
"أكبر إبادة في التاريخ"
إذا كنت لا تملك معلومات كافية عما حدث في رواندا في تسعينيات القرن الماضي، فحقيقة أن 800 ألف شخص قتلوا في الفترة بين أبريل/نيسان ويونيو/حزيران 1994، كفيلة بتلخيص هذه المأساة الإنسانية المروعة.
في هذه الفترة، كان معظم القتلى من قبيلة التوتسي، فيما كان معظم الذين ارتكبوا أعمال العنف من قبيلة الهوتو.
وتوصف المذابح التي شهدتها رواندا في ذلك الوقت بأنها "أكبر إبادة جماعية في أفريقيا في العصر الحديث"، وفق هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي".
واندلعت "الإبادة الجماعية" إثر وفاة الرئيس الرواندي الأسبق جوفينال هابياريمانا وهو من الهوتو، عندما أُسقطت طائرته فوق مطار كيغالي في 6 أبريل/نيسان 1994.
لكن وفاة هابياريمانا لم تكن السبب الوحيد خلف ما جرى، إذ تحمل أيادي الاستعمار آثار الدماء.
المجموعتان العرقيتان متشابهتان للغاية في الواقع، من حيث اللغة التي تتحدثان بها ومناطق سكنهما والتقاليد التي تتبعانها، لكن ذلك لم يجنبهما المصير الدموي.
أيادي الاستعمار
ولطالما كانت هناك خلافات بين أغلبية الهوتو وأقلية التوتسي في رواندا، لكن العداء بينهما ازداد بشكل كبير منذ الفترة الاستعمارية.
فعندما وصل المستعمرون البلجيكيون في عام 1916 أصدروا بطاقات هوية تصنّف الناس وفقا لعرقهم.
واعتبر البلجيكيون التوتسي متفوّقين على الهوتو، ورحّب التوتسي بهذا التمييز. وعلى مدى السنوات العشرين التالية تمتعوا بوظائف وفرص تعليمية أفضل من جيرانهم.
تراكم الاستياء وسط الهوتو تدريجيا، وبلغ ذروته في سلسلة من أعمال الشغب في عام 1959، قُتل في حينه أكثر من 20 ألفا من التوتسي، وفرّ كثيرون آخرون إلى البلدان المجاورة مثل بوروندي وتنزانيا وأوغندا.
عندما تخلّت بلجيكا عن السلطة ومنحت رواندا الاستقلال في عام 1962، حلّ الهوتو مكان التوتسي، وخلال العقود اللاحقة تم تصوير التوتسي على أنهم كبش فداء لكل أزمة.
هذا التاريخ من العداء وضع أسس "الإبادة" الجماعية في رواندا في التسعينيات، ورسم خط الانتقام الحالي في الكونغو الديمقراطية.