حمم توترات الكونغو ورواندا تهدد البحيرات العظمى.. السيناريوهات وفرص الحل
في قلب منطقة البحيرات العظمى، حيث تلتقي التوترات السياسية بالنزاعات المسلحة، تتفاقم الأزمة بين الكونغو الديمقراطية ورواندا لتضع المنطقة أمام مفترق طرق حاسم.
فمع تصاعد الاتهامات من جانب الكونغو لرواندا بدعم الجماعات المتمردة أبرزها حركة «إم 23»، وقطعها العلاقات الدبلوماسية مع جارتها الشرقية، باتت نُذر صراع إقليمي شامل تخيم على الأفق، مهددة استقرار إقليم غني بالموارد وفقير بالأمان.
ووسط هذه التطورات، تتباين السيناريوهات بين التهدئة المؤقتة أو التصعيد العسكري المحدود، وصولا إلى عدم استبعاد اندلاع حرب شاملة ذات تداعيات كارثية على المنطقة بأسرها.
وبينما تتوالى الجهود الدولية والإقليمية لاحتواء الأزمة، يبقى التساؤل: هل ستنجح الدبلوماسية في كبح جماح التوترات، أم أن المنطقة على أعتاب مواجهة جديدة تعيدها إلى دوامة الفوضى؟
علاقات متوترة
يقول الخبير المصري في الشؤون الأفريقية الدكتور رامي زهدي في حديث لـ«العين الإخبارية»، إن العلاقات بين الكونغو الديمقراطية ورواندا متوترة تاريخيًا بسبب الصراعات الحدودية، والاتهامات بدعم الجماعات المسلحة، وخاصة حركة «إم 23»، والتنافس على الموارد في إقليم البحيرات العظمى.
وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، دعا القوات الرواندية لمغادرة الكونغو الديمقراطية.
وأوضح زهدي أن التصعيد الأخير يكشف عن توترات مستمرة في المنطقة، مما تردد صداه دوليا، بقلق عالمي من تصاعد الأوضاع إلى حرب إقليمية قد تشمل أطرافًا أخرى في المنطقة.
وكانت «رويترز»، نقلت اليوم الأحد، عن ثلاثة مسؤولين قولهم، إن السلطات في جمهورية الكونغو الديمقراطية منعت الوصول إلى مطار غوما في شرق البلاد وألغت الرحلات الجوية مع تقدم متمردين مدعومين من رواندا إلى المدينة.
وأضافت المصادر أن المطار لم يغلق رسميا لكن السلطات طلبت من الركاب، الذين كانوا بالفعل في المطار، العودة إلى منازلهم في حين طلبت الأمم المتحدة اليوم الأحد من موظفيها عدم الذهاب إلى المطار والاحتماء في أماكنهم.
من جهته أوضح الباحث السوداني في الشؤون الأفريقية الدكتور محمد تورشين أن العلاقات بين الكونغو وروندا من جهة وبعض دول منطقة البحيرات العظمى من جهة أخرى وصلت مؤخرا إلى صراع منقطع النظير.
وأوضح تورشين لـ«العين الإخبارية»، أن هذه التطورات، تعني أن العلاقات وصلت إلى مرحلة غير محتملة، وأن هذا يؤهل بأن الأوضاع قد تتصاعد وتمضي قدما نحو نهايات غير مرضية.
وحذر من أن وصول العلاقات بين البلدين إلى مراحل متأخرة جدا، سيؤدي إلى انعكاس ذلك بشكل سلبي على أمن واستقرار المنطقة.
واشتدت حدة التمرد المستمر منذ ثلاث سنوات من جانب حركة (23 مارس) المتمردة في يناير/كانون الثاني مع سيطرة المتمردين على مزيد من أراضي الدولة الواقعة في وسط أفريقيا أكثر من أي وقت مضى، وحذرت الأمم المتحدة من أن العنف قد يتحول إلى حرب أوسع في المنطقة.
سيناريوهات محتملة
يقول الخبير المصري في الشؤون الأفريقية الدكتور رامي زهدي في حديث لـ«العين الإخبارية»، إن السيناريوهات المحتملة للأزمة تتلخص في تهدئة مؤقتة واستئناف الحوار، بدوافع الضغط الدولي والإقليمي من قِبل الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، وتجنب البلدين للضرر الاقتصادي والعسكري.
وتوقع استئناف الحوار عبر وساطة دولية من قوى مثل جنوب أفريقيا أو الأمم المتحدة أو الاتحاد الأفريقي، معتبرًا أن فرص نجاحه مرتفعة إذا توفرت إرادة سياسية حقيقية ورغبة في احتواء الأزمة.
السيناريو الثاني
أما السيناريو الثاني فهو استمرار التصعيد العسكري دون حرب شاملة، بتبادل المناوشات الحدودية، واستمرار دعم الأطراف للجماعات المسلحة، مما يؤدي إلى استنزاف الموارد دون الدخول في حرب مباشرة، يقول زهدي، مشيرًا إلى أن كلا البلدين يحاولان تفادي تحمل تكلفة مواجهة عسكرية شاملة.
وأكد أن فرص حدوث هذا السيناريو متوسطة، لكنها خطيرة، خاصة مع تدخل أطراف خارجية بشكل غير مباشر.
السيناريو الثالث:
أما السيناريو الثالث فيتمثل في إمكانية اندلاع حرب شاملة، باستمرار الاتهامات المباشرة بين البلدين، وغياب الحلول الدبلوماسية الناجحة، وتصاعد الضغوط الداخلية على الحكومتين لتبني مواقف أكثر صرامة، بحسب زهدي الذي أشار إلى أن عواقب هذا السيناريو ستؤدي إلى زعزعة الاستقرار الإقليمي في منطقة البحيرات العظمى، ودخول أطراف إقليمية مثل أوغندا وبوروندي، ما قد يؤدي إلى حرب إقليمية واسعة.
إلا أنه رأى فرص حدوث ذلك منخفضة، لأن كلا البلدين يدركان التكلفة العالية لمثل هذا السيناريو.
الأمر نفسه أشار إليه الباحث السوداني في الشؤون الأفريقية الدكتور محمد تورشين، متوقعًا اندلاع حرب اقليمية، ستجعل منطقة البحيرات العظمى ووسط أفريقيا في حالة من الفوضى والكوارث الإنسانية.
فرص الحل
ورغم تلك التوترات المتصاعدة، إلا أن فرص اندلاع حرب مباشرة بين الكونغو ورواندا تبدو محدودة، بحسب الخبير المصري، الذي علل ذلك بالتكلفة العالية، وإدراك الجانين بأن الحرب ستؤدي إلى استنزاف اقتصادي وعسكري كبير.
وضع لن تسمح به الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، لانعكاسه على السلم الإقليمي، فيما المجتمع الدولي ما زال يعمل على تهدئة الأوضاع، بحسب الخبير المصري.
واعتبر أن الحل يتمثل في ضرورة تعزيز الجهود الدبلوماسية، واستئناف الحوار بين الجانبين تحت مظلة الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، مؤكدًا ضرورة العمل على حلول جذرية، بدعم التنمية الاقتصادية في منطقة النزاع كوسيلة لتقليل الاعتماد على الجماعات المسلحة، وتعزيز الأمن الإقليمي، بتشكيل قوة مشتركة من دول البحيرات العظمى لضمان الاستقرار وضبط الحدود.
وطالب الدول الفاعلة والمؤسسات الدولية والقارية بإدراك أهمية التوازن بين الاحتواء الدبلوماسي والردع العسكري لتجنب كارثة إقليمية في منطقة هشة بطبيعتها.
بدوره، أكد أوضح الباحث السوداني في الشؤون الأفريقية الدكتور محمد تورشين أن هذه الأزمة ستجعل من الدول تتحرك لمحاولة رأب الصدع والتوصل إلى تفاهمات، من شأنها تحقيق الأمن والاستقرار في هذه المنطقة.