ليكورنو وضريبة الثروة بفرنسا.. رهان محفوف بمخاطر سياسية

خطوة سياسية «محفوفة بالمخاطر» أقدم عليها رئيس الوزراء الفرنسي سيباستيان ليكورنو، بإعلانه رفض إعادة العمل بضريبة الثروة و«ضريبة زوكمان» على كبار الأثرياء، مع إصراره في الوقت نفسه على المضي قدماً في إصلاح نظام التقاعد.
قرار أرضى الأوساط الرأسمالية وأشعل غضب اليسار، لكنه يهدد بفتح الباب أمام موجة احتجاجات اجتماعية وصراع سياسي محتدم، بما قد ينعكس على مستقبل الحكومة واستقرارها، في وقت تحتاج فيه إلى دعم الاشتراكيين لتجنّب سقوط ميزانية 2026.
فما تبعات القرار؟
تقول ماريوت سينو الباحثة السياسية الفرنسية المرموقة في مركز الأبحاث الدراسات السياسية بمعهد العلوم السياسية في باريس، إن موقف ليكورنو يمثل «مخاطرة محسوبة على المسرح السياسي الفرنسي».
وأوضحت سينو في حديث لـ«العين الإخبارية»، أن رفض العودة إلى ضريبة الثروة أو اعتماد ضريبة زوكمان قد يرضي الرأسماليين لكنه يلهب غضب قوى اليسار والشعور العام بعدم المساواة، مشيرة إلى أن الاحتجاجات التي اجتاحت الشارع عام 2023 ضد إصلاح التقاعد قد تجد مناخًا من التجدد إذا شعر المواطنون بأن السلطة تتراجع عن الالتزام بالعدالة الاجتماعية.
واعتبرت سينو، أن الحكومة الحالية بلا أغلبية مضمونة، ما يعني أن أي رفض جديد لمطالب العدالة قد يضعها في مواجهة برلمانية حادة، بل يدفع إلى استقالات جماعية أو طلب تصويت بحجب الثقة، مما يفتح المجال لحكومة مؤقتة أو حتى حل البرلمان في أقسى السيناريوهات.
وبعد سبعة عشر يومًا من المفاوضات المكثفة خلف الأبواب المغلقة في قصر ماتينيون، خرج ليكورنو عن صمته عبر مقابلة مع صحيفة «لو باريزيان»، بتصريحات اعتبرت بمثابة صفعة سياسية لخصومه، قائلا: لا عودة عن إصلاح التقاعد، ولا مجال لإحياء ضريبة الثروة، ولا لتبني ضريبة زوكمان التي طالبت بها المعارضة الاشتراكية.
لا تراجع
إصلاح التقاعد الذي أُقرّ عام 2023 وأشعل موجة احتجاجات واسعة لا يزال خطًا أحمر عند ليكورنو، فرئيس الوزراء أكد أن التراجع عنه «لن يحل أياً من المشكلات، سواء فيما يخص أوضاع النساء أو صعوبات العمل الشاق»، مضيفًا: «لا أحد يريد مؤتمراً جديداً حول التقاعد، لقد أثبت فشله».
زوكمان خارج الحسابات
وراهن اليسار على إقرار «ضريبة زوكمان»، التي تقترح فرض حد أدنى عالمي على الثروات الكبيرة. لكن ليكورنو اعتبرها حلاً غير مناسب قائلاً: «هل يجب أن نزيد الضرائب إجمالاً؟ لا أريد ذلك».
ورغم اعترافه بأن بعض الضرائب قد ترتفع وأخرى قد تنخفض في موازنة 2026، فإنه رفض أي مسار عام نحو زيادة العبء الضريبي.
ورقة رمزية
وبينما كان إلغاء ضريبة الثروة عام 2018 أحد أكثر الإصلاحات المثيرة للجدل في عهد ماكرون، بات إعادتها مطلبًا أساسيًا للاشتراكيين وبعض نواب «الكتلة المشتركة»، لكن ليكورنو أوضح أنها ليست مطروحة على الطاولة، ليُغلق الباب أمام أحد أهم رموز الضغط السياسي لليسار.
أولويات حكومية
في المقابل، أظهر ليكورنو أولوياته الخاصة، معلنًا عزمه مواجهة «الإفراط في استخدام الاستقالات التوافقية التي تسمح للموظفين بالحصول على تعويضات بطالة بعد اتفاق بالاستقالة». ويرى أن هذا النظام يُرهق المالية العامة ويحتاج إلى معالجة عاجلة ضمن موازنة 2026.
سياسيًا، وصف جيرار لارشير، رئيس مجلس الشيوخ (الحزب الجمهوري)، ضريبة زوكمان بأنها «وهم» لن يصمد أمام الرقابة الدستورية.
بينما اعتبر النائب الأوروبي اليساري راباييل غلوكسمان أنها شرط أساسي لأي تفاهم مع الحكومة، مؤكداً أنه «من دون عدالة ضريبية لن يكون هناك استقرار سياسي».
فيما ذهب النائب الاشتراكي بيير جوفيه أبعد من ذلك، إذ أعلن أن هذه الضريبة «غير قابلة للتفاوض» في مناقشات ميزانية 2026، ما ينذر بأزمة برلمانية حقيقية.
مصير على المحك
خطوات ليكورنو عززت ولاءه لنهج ماكرون، لكنها في الوقت ذاته ضيّقت هوامش المناورة السياسية.
ومع غياب أغلبية مضمونة في الجمعية الوطنية، يبدو أن الحكومة ستواجه موسمًا ساخنًا من التجاذبات، وربما اضطرابات اجتماعية جديدة إذا شعر الشارع أن مصالحه تُهمّش لصالح رأس المال.
في النهاية، قد يكون التحدي الأكبر أمام ليكورنو ليس تمرير ميزانية 2026 فقط، بل الحفاظ على شرعية حكومة تتأرجح بين إرضاء الأسواق وبين مواجهة شارع فرنسي لا يزال يحتفظ بذاكرة احتجاجية ملتهبة.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMzUg جزيرة ام اند امز