صابر عرب لـ "العين": الثقافة هي التي توحد العرب الآن
وزير الثقافة المصري الأسبق محمد صابر عرب يخص بوابة "العين" بحوار يتحدث فيه عن هموم الثقافة العربية واللغة العربية وتجديد الخطاب الثقافي
الكاتب والمؤرخ المصري د.محمد صابر عرب، شخصية ثقافية مرموقة، شغل منصب وزير الثقافة المصرية في حكومات حازم الببلاوي، وكمال الجنزوري، وحكومة هشام قنديل، وهو من أهم أساتذة تاريخ العرب الحديث في الجامعات المصرية والعربية.. فتح أوراقه ليتحدث عن هموم الثقافة العربية، ومحاولات النيل من اللغة العربية، وماهية الخطاب الثقافي العربي وضرورة تجديد خطابه وتفاصيل أخرى؛ كل ذلك عبر الحديث الذي خص به بوابة "العين" الإخبارية، على هامش مشاركته في فعاليات معرض الشارقة الدولي للكتاب الـ 35.. فإلى نص الحوار:
* في ظل ما تمر به المنطقة العربية من أحداث، هل لثقافتنا العربية موقعٌ من الإعراب؟
- بالطبع. وعلينا القول بأن الثقافة الوحيدة في العالم التي تبدو مختلفة هي الثقافة العربية. لنا موقع مميز في قلب العالم، أساس الروح لهذا العالم منطلق من هذه المنطقة الخصبة باستمرار. وهذا الوجود في قلب هذه المنطقة من العالم نتج عنه تأثيران؛ الأول يمكن أن يكون إيجابيًا في ما يتعلق بانتشار العولمة ومواقع الاتصال الاجتماعي والثورة العنكبوتية التي جعلت من العالم قرية صغيرة، والتي ساهمت أيضاً في التقريب بين ثقافات وعادات ولغات الشعوب. أما التأثير الثاني، وهو الشق السلبي، فهو الذي طفح وظهر بسبب المشاكل السياسية والطائفية التي تمر بها المنطقة والتي انعكست على كل النواحي الاجتماعية والاقتصادية، وبالطبع لم يسلم من ذلك قطاع الآداب والفنون.
ولكن دعينا نسأل: ما الذي يوحد العرب الآن؟ الإجابة بلا تردد هي "الثقافة". أنا من جيل نشأ على "وحدة الأمة"، الآن صرنا نحلم بوحدة الأوطان؛ أي أن السودان يبقى السودان، وأن مصر تبقى مصر، وأن السعودية تبقى السعودية. أي أن يبتعد خطر الطائفية والتقسيم وهذه المخاطر فعالة الآن، هناك قوى إقليمية وعالمية من مصلحتها تقسيم الأوطان.
لذلك، فحجر الزاوية الصلب الأساسي بين العرب هو "الثقافة". فما الذي يجعلني أجلس معكِ ونستأنف الكلام؟ أنا وأنت من اللحظة الأولى دخلنا في الحوار، بسبب الثقافة؛ لأنه يوجد "وجدان واحد". ما الذي يجعلني أجيء إلى الشارقة لحضور هذا الصرح الثقافي التعليمي المتوج على أرضها؟ ما الذي يجعلني أتفاعل مع رواية عربية. إنه "وحدة الوجدان" و"الثقافة العربية".
ولكن هذا الوجدان الموحد،أيضا، تحدق به المخاطر.
* إذن، هل ترى أننا بحاجة إلى تجديد الخطاب الثقافي العربي؟
- تحدثنا في البداية عن قوة الثقافة العربية، قوة أي ثقافة تأتي من التفاعل، وإذا لم يكن هناك جرأة فلن يكون هناك تفاعل، راجعي الفترات التي تمتعت بها الثقافة العربية بالقوة تاريخيا، أتمنى أن يكون لنا "مسمار" في طائرة الإيرباص، "مسمار" مصنوع في أي بلد عربي؛ أي لا نكتفي باستخدام منجزات الحضارة الغربية، ثم نلعنها ونكفرها ونطالب بمقاطعتها. هذا أمر خطير يهدد وجودنا في العالم لأن العالم كله صار "قرية واحدة"، تتداخل أموره وشؤونه بصورة لم يسبق لها مثيل.
* ألا تتفق معي بأن دائما ما يكون لدى الكاتب العربي رغبة عارمة في أن تترجم رواياته ويقرأ "الغربي" فكره؟
- ما يهمني هو النص، أبو تمام عندما بدأ يكتب الشعر قال له أحد كبار نقاد عصره: يا أخي لماذا لا تكتب ما يفهم؟ أجاب: يا أخي ولماذا لا تفهم ما يكتب؟ لو أنا تنازلت للقارئ فقد ألغيت فكرة الأدب والكتابة والإبداع. أنا لا أفكر في القارئ العربي أو الغربي. ولكن يجب أن يتبع الكاتب نفسه. أحسن كتابتي أحسن لغتي.
* تحدثت في إحدى ندوات معرض الشارقة الدولي للكتاب عن دور الوساطة التي تقوم بها اللغة في التقريب بين الشعوب العربية؟
- لغتنا العربية ما زالت تجمع ما بين شعوب المنطقة العربية، إضافة إلى التراث الديني الضارب في جذوره والذي أكسب الوحدة استمراريتها، لذا أرفض ما يدعيه البعض بعدم مواكبة اللغة العربية للعصر ومستجداته، خاصة وأن مفهوم "العروبة" هو مفهوم ثقافي، ولغتنا غنية وثرية ومستوعبة لأي تطور أو تجديد.
* في رأيك، هل يمكن القول بشكل عام إن الدين لا علاقة له بالثقافة؟
- هناك خطورة عارمة من "تديين" الأمور بشكل عام، المثقف صاحب رأي وليس بيده قرار، أنا لا أستطيع أن أقرر الآن "أن الدين لله والوطن للجميع". هذه الفكرة سادت وترسخت بعد ثورة 1919 وسرنا بهذه الروح الليبرالية حتى الستينيات حتى بدأ التطرف يخيم علينا مرة أخرى. الفكرة هي أن أتكلم دون أن أخشى، فعندما أقول فصل الدين عن الدولة البعض يراها كفرًا. أنا لا أراها كفرًا، فالخدمة الحقيقية للدين هي أن أتعلم، أن تسود القيم، أن أجد لنفسي مكانًا في هذا العالم.
* تحدثت أيضاً عن مفهوم "الأمن الثقافي العربي".. هل لي أن اقترب قليلاً من معنى هذا التوصيف؟
أرفض تماماً هذا المسمى الذي يتبادله البعض في الأوساط الثقافية، وهو ما يؤدي بثقافتنا العربية إلى الانزواء والفناء، في حين أن المطلوب الحالي هو التواصل والحوار والاندماج مع الآخر، خاصة أن جاذبية أية لغة تتوقف على ثقافة من يتكلم بها، وعلى العرب التفكير بالمحتوى لإعادة الجاذبية للغتنا التي استطاعت استيعاب جميع الحضارات السابقة بما فيها من فرعونية وإغريقية ويونانية ورومانية، وواكبت جميع العلوم والمخترعات، بالفعل اللغة العربية هوية، وليست رداء يمكن لبسه أو خلعه حسب الظروف والمستجدات.