وعدوهم بالخلاص من "الديكتاتورية" وبـ"جنة الديمقراطية"، لكن "الفردوس" كانت ترسم للعراقيين مستقبلا من نوع آخر في تلك الليلة
في التاسع من أبريل/نيسان عام 2003، كانت ساحة "الفردوس" وسط العاصمة بغداد، تصنع تاريخا مهما في يوميات العراقيين، وهي تشهد على إسقاط تمثال الرئيس الراحل صدام حسين.
واليوم، لا تزال الساحة شاهدة على تلك اللحظة التي حسمت فيها دبابة أمريكية ومطرقة كاظم الجبوري، نهاية حكم الرئيس الراحل.
- اكتشفني في 30 ثانية.. محقق لبناني يروي كواليس التحقيق مع صدام حسين
- "بذخ" صدام حسين.. هنا توقف الزمن على شط العرب (صور)
لم يستغرق الأمر كثيرا حتى يدرك العراقيون الفارق بين الصدمة والرعب، وفي ذاكرتهم صورة عالقة لن يمحوها الزمن لتمثال رئيس تدوسه الأقدام على رؤوس الأشهاد.
مشهد وصفه وزير الدفاع الأمريكي الأسبق دونالد رمسفيلد بـ"سقوط جدار برلين"، أما بعض العراقيين فأفرغوا غضبهم ضد من اعتبروه في يوم ما "الجلاد" صدام.
وفي 20 مارس/أذار 2003، أمر الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش بشن حرب على العراق للإطاحة بنظام صدام حسين، بعد الحديث عن أسلحة دمار شامل نووية وكيميائية لم يتم العثور عليها حتى يومنا هذا.
وبمساعدة بريطانية وقوات قوامها نحو 190 ألف جندي، هاجمت الولايات المتحدة العراق في عملية عسكرية أسمتها "حرية العراق"، واعدة أهله بالديمقراطية والسلام.
لكن ما قبل ذلك التاريخ ليس كما بعده، فمع وصول "حرية العراق" إلى ساحة الفردوس، كان مؤشر العراق يرتفع على مقياس الفوضى التي عمت البلاد إلى أن وقعت فريسة لعنف طائفي وآخر تقاسمه تنظيما داعش والقاعدة.
الندم
قبل عشرين عاما، تحول كاظم الجبوري، إلى رمز لسقوط بغداد، وهو يهدم تمثال الرئيس العراقي الراحل صدام حسين.
وبمطرقته الثقيلة أثناء محاولته هدم التمثال الضخم لصدام حسين في ساحة الفردوس بالمدينة ، تصدرت عملية التدمير المبتهجة التي قام بها الجبوري الصفحات الأولى في جميع أنحاء العالم.
ومع ذلك، فإن "رجل المطرقة" الذي ساعدته حاملة دبابات أمريكية في الإطاحة بالتمثال، أعرب عن أسفه بشدة بعد ذلك اليوم ورمزية ما كان متورطًا فيه، بحسب حديث صحفي سابق له مع عدد من وسائل الإعلام، بينها "رويترز".
يقول صاحب محل لبيع قطع غيار الدراجات النارية، في إحدى المقابلات "حلمت طوال خمس سنوات بإسقاط هذا التمثال ، لكن ما تبع ذلك كان خيبة أمل مريرة".
وأضاف "كان لدينا ديكتاتور واحد فقط. الآن لدينا المئات.. لم يتغير شيء للأفضل".
ويروي "كنت أجلس في متجري، كان ذلك حوالي الظهر. سمعت أن الأمريكيين كانوا في الضواحي. ذهبت لآخذ المطرقة الثقيلة وتوجهت إلى ساحة فردوس".
"خطرت في بالي فكرة هدم التمثال، فذهبت لأقوم بذلك. كانت هناك شرطة سرية لا تزال في الميدان والفدائيون (قوات صدام شبه العسكرية). كانوا يراقبون ما كنت أفعله. لكن أصدقائي أحاطوا بي. قلت لهم احموني إذا أطلقوا النار". يستطرد الجبوري.
ثم يتابع "جاء الأمريكيون بعد 45 دقيقة. سألني القائد عما إذا كنت بحاجة إلى يد وسحبها. لقد كنت أنا فقط في البداية. ثم 30 شخصا ثم 300. في النهاية كان هناك الآلاف في الميدان. كان الأمر كله يتعلق بالانتقام بالنسبة لي ، لما فعله النظام بي على السنوات التي أمضيتها في السجن ".
اختفاء صدام
على مدار أشهر بقي صدام حسين مختفيا عن الأنظار، ورصدت الولايات المتحدة 25 مليون دولار لمن يدلي بمعلومات تقود للعثور عليه.
وبعد تسعة أشهر مطاردة، عثرت القوات الأمريكية على صدام حسين في قبو بمزرعة قرب تكريت، مسقط رأس الرئيس العراقي الراحل، قبل أن يُعدم شنقا أواخر 2006.
وعلى مدار العقدين الماضيين قتل أكثر من 100 ألف مدني عراقي، في مأساة بلغت ذروتها عام 2006 بسقوط 29027 ضحية، فيما سجلت البلاد هدوءا نسبيا العام الماضي حيث شهدت 740 حالة وفاة جراء أحداث عنف سياسي.
وما بين صورة التمثال واليوم، مر العراق بجحيم داعشي حينما اجتاح التنظيم الإرهابي أراضي واسعة في سوريا والعراق لإقامة دولة مزعومة كلفت العراق ثلاث سنوات للقضاء عليها.
ومنذ أكتوبر/تشرين الأول عام 2019 يشهد العراق موجات متلاحقة من الانتفاضات الشعبية في وجه النخب السياسية الحاكمة، بعد أن تلاشت آمال "عملية حرية العراق"، ولم يبق منها إلا تريليونا دولار أمريكي مبددة وفضائح مقتل مواطنين عراقيين على يد جنود بريطانيين وعمليات تعذيب وإهانة لسجناء عراقيين في سجن أبو غريب على يد جنود أمريكيين، وأخيرا حفلة الترويع الداعشية الموزونة على فقه التوحش.