لتعايش آمن مع كورونا.. لا أحضان لا تصافح لا تهاون
خبير يؤكد أن خطورة فيروس كورونا المستجد في أن الشخص قد يكون حاملاً له، ولا تظهر عليه أي أعراض ملموسة، فيظل مادة خصبة لنشره.
طوال حياته المهنية، اعتاد محمد رشدي، الموظف بإحدى الشركات الخاصة في مصر، تحية زملائه في العمل بمصافحة اليد، لكنه وما إن هم بمد يده بعد عودته للعمل من إجازة منحتها له الشركة في إطار إجراءات مواجهة فيروس كورونا المستجد، حتى سحبها مرة أخرى، في مشهد "مربك"، نجح زملاؤه في احتوائه بالضحك.
الملايين من الموظفين حول العالم العربي الذين سيعودون إلى أعمالهم بانتظام خلال الفترة المقبلة في إطار خطط "التعايش مع الفيروس" التي أعلنتها دولهم، قد يتعرضون لمواقف شبيهة، ويجب ألا يجدوا حرجاً مثل رشدي في سحب يدهم، كما يجب ألا يتعامل الآخرون بحساسية مفرطة مع مثل هذه السلوكيات، كما فعل زملاء رشدي في العمل.
وعلى الرغم من التأثيرات النفسية الإيجابية لسلوكيات مثل العناق والمصافحة، والتي جعلت الأطباء في الماضي يوصون رشدي وغيره من الموظفين بالحرص عليها فيما بينهم لدورها المساعد في السيطرة على القلق عن طريق خفض "الكورتيزول"، وهو هرمون يشارك في الاستجابة للضغط النفسي، إلا أن الأطباء نفسهم هم مَن يرفعون الآن شعار اللاءات الثلاث "لا عناق – لا مصافحة – لا استهتار".
وبينما كان الحديث في الماضي عن تأثيرات نفسية إيجابية تحدثها مثل هذه السلوكيات، فإن الحديث الآن عن أن العودة لها قد تفسد خطة التعايش مع كورونا، التي لم تجد الدول مفراً من إقرارها، بعد أن تبين صعوبة الاستمرار في إجراءات فرض القيود على حركة السلع والبضائع وتنقلات الناس، والتي كبدت اقتصاديات الدول خسائر ضخمة، لم تعد قادرة على تحملها.
ويقول الدكتور أيمن الشبيني، أستاذ الفيروسات بمدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا، لـ "العين الإخبارية": "يجب أن يدرك الجميع أن تخفيف القيود لا يعني انتهاء الوباء، ولكن تخفيف القيود جاء استجابة للضغوط الاقتصادية، وأن العودة لـ(حياة ما قبل كورونا) قد يكلف الدول موجة ثانية من الإصابة بالفيروس، قد تكون أشد من الأولى، ولا تستطع اقتصاديات الدول تحملها".
ويخشى الشبيني من استهتار البعض بالإجراءات الوقائية التي وضعتها الدول في إطار خطة التعايش مع كورونا، قائلين لأنفسهم، أنه "لا داعي لتضخيم الأمور، فمصافحة زميل لم أراه منذ أيام أو حتى عناقه لن تكون نهاية العالم".
وهنا سيكون مكمن الخطورة، لأن هذا السلوك ينطوي على استهتار بقدرات الفيروس الذي يحير العالم منذ عدة أشهر.
ويضيف الشبيني: "نحن نتعامل مع فيروس قد يكون الشخص حاملاً له، ولا تظهر عليه أي أعراض ملموسة، فيظل هذا الشخص مادة خصبة لنشره دون أن يدري هو نفسه أنه صار مصدراً لنشر الوباء، سواء عن طريق رزاز يطلقه في الهواء من خلال العطس والسعال، أو يكون عالقاً في يده، فينقله لآخرين عن طريق العناق والمصافحة".
ولا يجد الدكتور الشبيني نموذجاً للتدليل على خطورة العودة للعمل بسلوكيات ما قبل كورونا، أفضل من الواقعة التي كانت حديث مصر منذ أيام، والمتعلقة بإصابة 135 شخصاً بالفيروس، بسبب زوجة موظف في مطبخ مستشفى الزهراء الجامعي، التابع لجامعة الأزهر.
وأصيبت زوجة الموظف التي تعمل بالمبنى الإداري في المستشفى بالفيروس من الخارج، لتنقله بدورها إلى الزوج الذي يعمل في المطبخ، لينقل الزوج الفيروس لأطباء وموظفين ومخالطين لهم، ليصل إجمالي الإصابات إلى 135 إصابة، كما أعلن الدكتور محمود صديق، نائب رئيس جامعة الأزهر، والمشرف العام على المستشفيات، في تصريحات صحفية يوم 13 مايو/أيار الجاري.
ويوضح الشبيني: "هذا نموذج واضح على خطورة التعايش مع كورونا بسلوكيات ما قبل ظهور الفيروس، والتي قد يكون نتيجتها موجة ثانية من الإصابات".