صلاح جاهين في ذكرى ميلاده.. عشق الحياة بالورقة والقلم
مصر تحتفل بذكرى ميلاد الشاعر ورسام الكاريكاتير الكبير صلاح جاهين، نرصد أبرز محطات حياته وما قاله عن نفسه من خلال أحاديثه للإعلام.
قبل 78 عاما وُلد محمد صلاح حلمي، الذي اشتهر بصلاح جاهين، لم يكن يعلم ابن شبرا أنّ رغبة والده المستشار بهجت حلمي، الذي صال وجال في السلك القضائي، ستغيّر مساره من كلية الفنون الجميلة ليتجه لدراسة الحقوق، لكن ظل عشقه للرسم والتعبير عن طريق الورقة والقلم ملازما له حتى رحيله.
استمر جاهين في كلية الحقوق التي تخرج منها وفي باطنه حبّ دفين للرسم الذي لم ينسَه للحظة، ليعود العمل إلى مجاله المحبّب إلى قلبه عن طريق الكاريكاتير الساخر، الذي أبدع فيه وصار واحدا من أبرز الرسّامين على مدار التاريخ المصري.
كان الراحل عن عالمنا، قبل 31 عاما، يؤمن بأن من الصعب للغاية إضحاك المصريين عن طريق النكتة، نظرا لكونهم شعبا ساخرا بطبيعة الحال.
صدفة
قال جاهين خلال لقاء له مع الإعلامي طارق حبيب في برنامج "أهلًا وسهلًا" إنّ رسم الكاريكاتير جاء بالصدفة، حيث رفض في بداية الأمر احتراف الرسم، نظرا لكونه يحبّ الصحافة، وكان يحلم أن يكون أحد الصحفيين الكِبار في مصر والوطن العربي.
تأثر صلاح جاهين بوالدته التي كانت تصنع بعض اللعب من الطين، ليفعل نفس الشيء طيلة فترات شبابه، حيث كان يعشق صناعة الألعاب اليدوية ومنها العرائس.
أحبّ "عاشق الحياة" كما أُطلق عليه، عدداً من الرياضات مثل السباحة والجمباز، ولكن زيادة وزنه حالت دون الاستمرار فيها، بخلاف إصابته في العديد من المرات بنوبات اكتئاب شديدة منعته عن ممارسته رياضاته المفضلة، حسبما أكد الراحل في لقاء تليفزيوني مع الإذاعي طاهر أبو فاشا.
تمنى "جاهين" خلال لقائه مع الإعلامية ليلى رستم أن يصبح جسمه مثالياً ليمارس هواياته المفضلة قائلًا، "قبل ما أموت هعمل ريجيم، وهوصل للوزن المثالي، وأبقى بطل كمال أجسام"، وأكد في نفس الحوار أنّه كان ينظّم الشعر في عقله حتى لا يراه أحد، وأن إحدى رياضاته المفضلة كانت "التنفّس" لأنه لا يبذل مجهودا فيها.
اعترافات
كان للاعترافات العلنية مسار في حياة صلاح جاهين، حيث اعترف بسرقته للكتب من أصدقائه في الماضي، نظرا لحبه القراءة وذلك خلال حواره مع برنامج "زيارة لمكتبة فلان" مع الإعلامية نادية صالح، مؤكدا أنّ بهاء ابنه قام في إحدى المرات بتقطيع كتبه الخاصة وتكسير اسطواناته الموسيقية التي كان يحبها للغاية.
كوّن مع الفنان أحمد زكي والفنانة سعاد حسني مثلّثا مميزا بعد أن أعجب بهما وبفنهما، فكوّن مع الثنائي مثلثا إبداعيا يظل محفورا في الأذهان حتى وقتنا هذا، حيث كان يرى "جاهين" في الفتى الأسمر فنانا مصريا بارزا قلما يوجد في مصر، غير أنّ لجنة الاختيار عن فيلم الكرنك رفضت أن يقوم "زكي" ببطولة الفيلم باعتبار أن سعاد حسني لن تقبل أن يشاركها هذا الشاب الجديد، الذي كان "جاهين" يتمنى تأيدته هو للدور، ليغضب أحمد زكي ويصرخ في وجه اللجنة: "سوف يأتي يوم تتوسلون فيه إليّ لأعمل معكم".
رباعيات
برزت قمة أعمال صلاح جاهين في "الرباعيات" التي تجاوزت مبيعات إحدى طبعات الهيئة العامة المصرية للكتاب، في غضون أيام الـ١٢٠ ألف نسخة، ليتم تحويلها إلى أعمال مسموعة عن طريق تلحين الراحل سيد مكاوي والفنان المصري علي الحجار.
كتب جاهين خلال الرباعيات ما يزيد عن ١٦٠ قصيدة، من بينها "أنا اللي بالأمر المحال اغتوي، شفت القمر نطيت لفوق في الهوا، طلته ما طلتوش ايه أنا يهمني، وليه.. مادان بالنشوة قلبي ارتوى. عجبي"، و"أنا شاب لكن عمري ألف عام، وحيد لكن بين ضلوعي زحام، خايف ولكن خوفي مني أنا، إخرس ولكن قلبي مليان كلام"، و"أحب أعيش حتى ولو في الغابات، أصحى كما ولدتني أمي وأبات، طائر.. حِوان.. حشرة.. بشر.. بس أعيش، محلا الحياة في هيئة نبات".
سينما
كتب جاهين عدداً من سيناريوهات الأفلام من أبرزها "خلي بالك من زوزو" الذي يعد أحد أكثر الأفلام رواجاً في السبعينيات، بعد أن تجاوز عرضه ٥٤ أسبوعًا متتاليًا، و"شفيقة ومتولي" و"المتوحشة"، وقام بإنتاج عدد آخر من الأعمال السينمائية البارزة، التي تعتبر خالدة في تاريخ السينما الحديثة مثل "أميرة حبي أنا" و"عودة الابن الضال".
كما شارك "جاهين" بالتمثيل في بعض الأدوار السينمائية الصغيرة، علّ أبرزها "وداعًا يا بونابارت" الذي تدور أحداثه أثناء الحملة الفرنسية على مصر، من إخراج يوسف شاهين، وبطولة عدد كبير من الفنانين المصريين من بينهم محسن محيي الدين، وهدى سلطان، وجميل راتب، وتوفيق الدقن، وصلاح ذو الفقار، وتحيّة كاريوكا، كما شارك أيضا في الفيلم الوثائقي البريطاني "موت أميرة" الذي أنتج عام ١٩٨٠.
كما كان له تجربة تمثيل مع الفنانة سعاد حسني في فيلم "من غير ميعاد"، والفنان رشدي أباظة في فيلمي "شهيدة الحب الإلهي"، و"لا وقت للحب".
نكسة
استثنى من الاعتقال أربع مرات بأمر شخصي من الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، الذي كان يحبه كثيرا، وكان جاهين يبادله نفس الحب مع إيمانه بالتجربة الناصرية، حيث كتب عدد من الأغاني "صورة، ناصر، بالأحضان"، غير أنه كان حزينا على سجن عدد من أصدقائه من بينهم فؤاد حداد.
فور خروج الأخير من السجن، حاول جاهين الوقوف بجانبه ورفض كتابة "المسحراتي" ورشح حدّاد للعمل، مؤكدا أنه أكثر منه موهبة.
أصابته هزيمة 5 يونيو 1967 باكتئاب حاد، وكانت ملهمته الفعلية لإنجاز أبرز مشروعاته الشعرية "الرباعيات".