"وأنا أحبك يا سليمة".. حُلم في نهاية باب الخروج
رواية جديدة صادرة عن دار "دوّن للنشر" القاهرية، تنبش في أوراق تاريخ بعيد وتستبصر بها لإنقاذ الواقع المرتبك الذي يعيشه البطل.
في مربع صغير حاصر المؤلف قارئه بالأزمة.. اشتباك مع لغز يدور في سجنه البطل.. يورطك معه حتى يتحرر من عبئه بالعبور إلى ضفة زمنية بعيدة متحررا فيها من حموله.
هكذا اختار الكاتب المصري شريف سعيد أن يُشكل انطلاقة روايته "وأنا أحبك يا سلمية"، ضمن اختيارات عدة للسرد استعان بها لصياغة مسارات روائية تتقاطع بين نوستالجيا وواقع وتاريخ، يقود أحدهما للآخر.
من أبرز اختياراته السردية كذلك تعدد الرواة، والانزياح خارج سطوة "الراوي العليم" على الحدث، فيُمرره على لسان صاحبه، ثم يسلمه لراوٍ آخر كحلقة حكائية مستديرة.
رُزمة أوراق
تقع "أوراق سليمة" موضع القلب في الرواية، فمنها يستمد البطل "حسام" الإلهام كمادة خصبة لفيلمه الوثائقي الأول الذي يرنو لإخراجه عن سيرة بطلته القادمة من القرن التاسع عشر، وإلهام آخر لحياته الخاصة التي تكشف الصفحات الأولى للرواية، الصادرة عن دار دوّن للنشر والتوزيع، عن مدى ارتباكها بسبب أفعال حبيبته المثيرة للريبة والشك.
على مدار الرواية يسعى حسام للوصول إلى حبيبته عبير التي اختفت وراء أحجبة وسائل التواصل الاجتماعي، تاركة إياه لشكوكه، يدور في فلك هذا اللغز مستعينا تارة بالتواصل المباشر معها الذي يفشل، وبوسطاء، وأحيانا أخرى بأوراق سليمة التي سلمها له صديقه وحفيدها "بشير" وتحمل بين دفتيها سيرة سيدة حسناء قادمة من السودان وتحديدا من "شندي"، التي حصل على أوراقها ممنيا نفسه بإنجاز سيرتها على الشاشة، وقبل ذلك الهروب ذهنيا من الأزمة التي تسببت له فيها عبير.. "لم يكن أمامي سوي محاولة إشغال نفسي ببدايات القرن التاسع عشر كباب طارئ للخروج، رزمة كبيرة من الأوراق المصفرة منقوشة بخط يد سليمة"، ظل هذا الدافع مصاحبا للبطل على مدار الرواية يقلبه ويردده "التقليب في أوراق الجدة الكبرى قد يكون بابا مثاليا للهروب من هذا المستنقع".
القصر
الزخم الزمني في الرواية واكبه صخب مكاني لافت، فالرواية التي ينتمي صاحبها إلى ميدان "السكاكيني" القاهري اعتنت بوصف المكان الذي امتد من ميدان السكاكيني حيث ينتمي البطل وتحديدا في أعماق شارع الشيخ قمر الواصل بين ميدان الجيش والسكاكيني، يقف في نهايته قصر حبيب جبرائيل سكاكيني باشا وسط ميدانه الصغير ذي الطراز الإيطالي الأنيق، الذي اختاره كريم آدم مصمم غلاف الرواية ليكون عتبة أولى للرواية.
أميال وأميال تفصل بين هذا القصر وبين القرية التي جاءت منها ملهمة الرواية سليمة، القرية الفقيرة التي عجّت بتقاليد اجتماعية بائسة أجهزت على أحلام سليمة الفتاة اليانعة التي دوّنت سيرتها منذ كان عمرها 17 عاما.
تقاطع مع سيرتها الخاصة الظرف السياسي العام آنذاك الذي قاد شباب بلدها الفقراء قسرا للتجنيد الإجباري في جيش محمد علي بقيادة ابنه إسماعيل عام 1820، تروي في أوراقها: "تم حشر السودانيين من أهل كورتي داخل الأقفاص الخشبية وفوق ظهور المراكب النيلية للتجنيد جبرا بمعسكرات أسوان أو البيع في أسواق عبيد القاهرة".
دراما فرنسية
اعتنى الكاتب بوصف بيئة سليمة وموروثها الثقافي قبل أن يلقي بها إلى أعماق شارع المعز القاهري كعاملة في بهو أحد الحمامات الأشبه ب "الحرملك" في هذه الأيام، ذلك المكان الخرب الذي خرجت منه بصك عبودية لإحدى الفرنسيات في دراما تنبش في نتوء ملف العبودية مع تسلم محمد علي باشا حكم مصر، وهي الدراما التي تصاعدت حتى التقت السيد أنطوان بريتملي كلوت الذي يستبدل بحبه سيرتها المظلمة بأخرى من نور.
في فصول معنونة ب"أوراق سليمة" تواصل شخوص الرواية الرئيسية في خطها المعاصر التعريف بنفسها في فصول تحمل أسماءهم "حسام-بشير-عبير-رُقية" ، تراقب البطل حسام الذي يستدعي ذكريات حبه لجارته عبير، وتشاهد عبير وهي تصعد سلم طموحها الصحفي دون اكتراث لشيء، يستعين بشخصيات ثانوية لدفع السرد إلى الأمام، وللكشف عن جوانب إنسانية هشة لأبطال الرواية وانحيازاتهم الحياتية وطرق استقبالهم وتعاطيهم مع هزائمهم لاسيما الفقد والحنين.
تظل أوراق سليمة هي حلقة الوصل بين شخوص الرواية، ويتفانى المؤلف في وصف مشهد إلقائها في النهر عقابا على محاولتها الثأر من محمد علي، مخلفة وراءها طفلا برونزيا يتمم سيرتها ويحفظ أوراقها للتاريخ ، التي ينجح بطل الرواية في تحويلها لفيلم بعد نحو قرنين من الزمان لمواصلة إلهامها على شاشة العرض.
ُطرحت رواية "وأنا أحبك يا سليمة" خلال الدورة الأخيرة لمعرض القاهرة الدولي للكتاب 2017، وتعتبر أولى الأعمال الروائية لصاحبها شريف سعيد.