صالح علماني.. مترجم فاق مؤلفيه شهرة
المترجم الفلسطيني يصنع شعبية لأدب قارة أمريكا اللاتينية بأكملها، الذي كان مجهولا في العالم العربي قبل أن يترجمه.
حقق المترجم الفلسطيني صالح علماني، الذي رحل عن عالمنا، الثلاثاء، عن 70 عاماً، معادلة كان من الصعب أن يحققها مترجم آخر.
صنع "علماني" شعبية لأدب قارة بأكملها هي أمريكا اللاتينية، وكان قبل أن يترجمه شبه مجهول في العالم العربي، رغم جهود بذلها أساتذة آخرون منهم محمود علي مكي والطاهر مكي وعبدالحميد يونس، الذين سبقوه إلى الترجمة، إلا أن عمله كمترجم ترافق مع صعود موجة رواية الواقعية السحرية، بعد أن نال جابرييل جارسيا ماركيز جائزة نوبل في الأدب لعام 1982.
وبسبب إنتاجه الغزير والمتواصل تحوَّل اسم "علماني" إلى علامة جودة، وكان القرَّاء يطلبون الكتب التي تحمل اسمه دون النظر إلى أسماء مؤلفيها، وربما كان هو المترجم الذي اشتهر أكثر من معظم مؤلفيه.
والمثير أن رحلة "علماني" مع الترجمة كانت ابنة المصادفة، فقد ذهب لدراسة الطب في إسبانيا عام 1970، وجاءت حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 فانقطع عنه مصروف الدراسة، ما اضطره إلى العمل وترك الطب.
بدأ في دراسة الأدب الإسباني وجرَّب كتابة رواية خلال وجوده هناك، ولم يكن راضياً عن مستواها الفني، وبالمصادفة عثر على كتاب "ليس لدى الكولونيل من يكاتبه" لماركيز، فترجمه ونُشِر في بيروت عام 1979.
بعد عامين فقط، نال ماركيز جائزة نوبل فوجد "علماني" عشرات الناشرين يبحثون عنه، واقتنع أن الترجمة صارت عنواناً له ووطناً عليه أن يعيش فيه ورفع شعاراً تمسَّك به حتى الموت "أن تكون مترجماً مهماً أفضل من أن تكون روائياً سيئاً".
احترافية علماني في الترجمة وصلت إلى الحد الذي جعل محمود درويش يقول: "ترجمات علماني ثروة ينبغي الحفاظ عليها".
بدأ صالح علماني عملهُ مترجماً في وكالة الأنباء الفلسطينية ثم في السفارة الكوبية بدمشق وعمل في وقت لاحق في وزارة الثقافة السورية إلى أن بلغَ سنَّ التقاعد عام 2009.
وخلال مسيرته ترجم ما يقرب من 100 كتاب لأبرز وأشهر أدباء أمريكا اللاتينية، وبفضله تعرَّف القراء العرب على أعمال ماركيز وإدواردو جاليانو وخوسيه ساراماجو وإيزابيل الليندي وألبرتو مانجويل.
ورغم وجود ترجمات بأسماء أخرى لأعمال هؤلاء، لكن لا أحد يجادل أنه صنع شعبية لا تقارن، وعمل مع أبرز دور النشر الكبرى التي يثق القراء بجودة اختياراتها، وكان الناشرون العرب والمترجمون يرون أنه "لم يكن يترجم الرواية اللاتينية، كان يكتب النسخة العربية لها".
وذات مرة دخلت قارئة من إحدى الدول العربية إلى جناح إحدى دور النشر في معرض أبوظبي للكتاب، وكان "علماني" واقفاً مع موظف الجناح، وطلبت القارئة من الموظف بثقة "أريد أي عمل جديد لعلماني"، فرد "معي علماني نفسه"، وسقطت القارئة مغشياً عليها، لأنها لم تصدق أنها تقف وجهاً لوجه أمام مترجمها المفضل.
ولم تهدأ القارئة حتى قدم لها "علماني" جواز السفر، لكنها قالت: "تبدو أصغر، فكيف ترجمت كل هذه الأعمال بهذا الجمال"، وتكشف هذه الواقعة كيف أن الأضواء لاحقته كمترجم لكنه احتمى بـ"الظل"، إذ لم يكن طرفاً في معارك الوسط الثقافي إلا في السنوات الأخيرة بسبب نزاعات مع بعض الناشرين.
وفي مواجهة الأضواء التي لاحقته انحاز دائماً للظل، معتبراً أن مهنة المترجم دائماً تبقيه في الظل، لأنه يقدم شخصاً آخر، وقال عن نفسه: "المصادفات وحدها هي التي جعلتني نجماً، وأقبل محبة الناس، لكنني أخجل، وأرجو لكل المترجمين حظاً مثل حظي في الشهرة".
ومن المثير أنه لم يتورَّط في ترجمة عكسية من العربية إلى الإسبانية سوى مرة وحيدة حين ترجم "لماذا سكت النهر" لزكريا تامر، ولم يستمر، لأنه لم يجد ناشرين في دول أمريكا اللاتينية متحمسين للأدب العربي بالقدر نفسه من الحماس المتبادل.
وعقب تصاعد الأحداث السياسية في سوريا بعد مارس/آذار 2011 قررت الحكومة الإسبانية أن تمنح "علماني" الإقامة تكريمًا لمنجزه في "نقلِ إبداعات اللغة الإسبانية إلى العربية".
وتحفل مسيرة علماني بشتى أنواع التقدير، فقد نال تكريماً من المركز القومي للترجمة في مصر، كما حصل عام 2015 على جائزة "جيرار دي كريمونا" للترجمة، إضافة إلى وسام فلسطين من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وكان عضواً في لجنة تحكيم جائزة البوكر العربية في دورتها لعام 2016- 2017، وأشرف على عدد من ورشات الترجمة التطبيقية في الترجمة في معهد "سيرفانتس" بدمشق.
aXA6IDQ0LjIyMC4yNTUuMTQxIA== جزيرة ام اند امز