العقوبات الأمريكية.. ظلال كثيفة على الآلة العسكرية الروسية
فرضت واشنطن حزمة جديدة من العقوبات على موسكو، ما طرح سؤالا حول مدى إضرار تلك العقوبات بقطاع الصناعات العسكرية في روسيا.
ومؤخرا فرض الرئيس الأمريكي جو بايدن عقوبات جديدة على موسكو، وطرد دبلوماسيين روسا من بلاده، ردا على الهجوم الإلكتروني الذي نفذته موسكو مؤخرا، وتدخلها في الانتخابات الأمريكية، ومحاولة تسميم المعارض الروسي البارز إلكسندر نافالني.
والسؤال نفسه كان محور تقرير أعده جون باراتشيني، الباحث الدولي البارز في مجال الدفاع، وريان باوير، المحلل العسكري، في مؤسسة الأبحاث والتطوير (راند) الأمريكية، غير الربحية.
وأضافت أمريكا مؤخرا 32 كيانا روسيا إلى قائمة العقوبات التي تضم بالفعل أكثر من 700 من الأفراد والشركات والكيانات الروسية.
وبحسب التقرير فإن ثمة إشارات قليلة على أن التأثير التراكمي للعقوبات الأمريكية والأوروبية ضد موسكو، يدفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى أن يكون أكثر حذرا.
وبعدما حشدت روسيا حوالي 100 ألف من قواتها على الحدود مع أوكرانيا، سحبت موسكو بعض هذه القوات، ولكنها تركت كميات من العتاد.
كما تشير مشاركة بوتين في قمة المناخ برعاية بايدن، وأيضا احتمال عقد قمة أمريكية-روسية في يونيو/حزيران المقبل، إلى أن بوتين يهدئ نهج تعامله مع الإدارة الأمريكية الجديدة.
ورغم ذلك تحدث تقرير الباحثين عن أن سجل زعيم الكرملين (بوتين) لا يشير إلى أنه سيتراجع، أو سيتخذ مسارا مختلفا.
وسعى نظام بوتين إلى إيجاد سبل للتخفيف من الضغوط الاقتصادية الغربية على روسيا.
ويقول باراتشيني وباوير إن من شأن القيود المفروضة على قدرة روسيا على استيراد مكونات نظم مهمة، وآلات التشغيل ذات الأداء العالي، أن يكون لها تأثير ملحوظ على قطاع التصنيع في مجال التكنولجيا المتقدمة في روسيا، مع مرور الوقت.
وفي مسعى لتخفيف تداعيات العقوبات على قطاع التصنيع، أطلقت روسيا برنامج استيراد بديل في القطاعات الصناعية الرئيسية، ولكنها سعت جاهدة لتحقيق أهدافها المنشودة.
ومثال على ذلك، سعي روسيا المستمر من أجل تعويض مكونات النظام الرئيسي مثل المحركات والمواد المركبة الخاصة بأجنحة الطائرات، والتي كانت تأتي من جهات التصنيع في أوكرانيا والغرب في الماضي.
وقد أدى هذا إلى تأخر عمليات التطوير للطائرات العسكرية، مثل الجيل الخامس من المقاتلات الروسية "سو-57"، وأيضا الطائرات المدنية مثل "إم سي-21".
وأقر أمين عام مجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف، العام الماضي بأن الصناعات العسكرية الروسية "لا تزال تعتمد على تكنولوجيات أجنبية".
واتجهت روسيا إلى الصين بشكل متزايد للحصول على هذه المكونات التي لم تستطع أن تضاهي جودة تلك التي كانت تحصل عليها موسكو من أوكرانيا أو دول حليفة لأمريكا، مثل ألمانيا أو اليابان.
وبمرور الوقت، ربما تترك هذه المشكلات تأثيرا على جودة، وقدرة تحمل الأسلحة الروسية التقليدية المتقدمة، والتي تمثل الصادرات الروسية الوحيدة تامة الصنع المعترف بها دوليا.
وبعيدا عن صادرات النفط والغاز الطبيعي، تشكل أسلحة روسيا التقليدية المتقدمة الصادرات الرئيسية للبلاد.
ورغم جهود روسيا في الترويج والتفاوض من أجل بيع أسلحتها، لا تحقق هذه الصادرات حاليا ما كانت تحققه من إيرادات في السابق.
وكشف تقرير أعده "معهد أبحاث السلام الدولي" في ستوكهولم، عن تراجع صادرات الأسلحة الروسية خلال أربع سنوات (2016-2020) بنحو 22 %، مقارنة بالفترة من 2011 إلى 2015.
وترك التدخل الدبلوماسي لأمريكا، مدعوما بالتلويح بفرض عقوبات، تداعيات سلبية على مبيعات الأسلحة الروسية، حيث بدأت دول عدة، بينها إندونيسيا، البحث عن بدائل من أجل احتياجاتها الأمنية.
ولم يوقف ذلك مبيعات الأسلحة الروسية، ولكنه أدى إلى ارتفاع التكلفة التي يتعين على الجيش الروسي أن يدفعها من أجل عمليات التحديث العسكري المقررة، حيث إن اقتصادات الإنتاج لن تكون مربحة بشكل كبير.
واتخذت روسيا إجراءات أخرى لدعم مبيعات أسلحتها الخارجية، فقد سعت موسكو، على سبيل المثال، إلى التكيف مع العقوبات من خلال استكمال صفقات الأسلحة مقابل العملات المحلية، وليس بالدولار الأمريكي، وأيضا قبول الدفع بكميات من السلع الأساسية، مثل زيت النخيل.
كما بدأت موسكو فرض قيود على المعلومات الخاصة بمبيعات الأسلحة، بهدف حماية الشركات الروسية التي لم تتعرض لعقوبات.
وحققت هذه السبل نجاحا محدودا، وكشفت في نفس الوقت أن روسيا ليست محصنة ضد الضغوط الدولية.
ودفع تهديد الولايات المتحدة بفرض عقوبات على الدول التي تشتري أسلحة من روسيا، بعضا منها إلى إعادة التفكير، وقد نجم عن ذلك مشكلات في العلاقات الثنائية لأمريكا.
ويمكن للولايات المتحدة في علاقاتها الدبلوماسية مع الدول الأخرى، التشديد على كيفية صياغة العقوبات التي يفرضها الكونجرس، لإبراز السلوكيات الضارة للنظام الدولي من قبل روسيا، وليس صياغتها لمعاقبة طرف ثالث.
وذكر التقرير أنه عندما تحجم الدول عن شراء الأسلحة الروسية بسبب تصرفات موسكو، يضعف ذلك من قدرة روسيا على استخدام هذه المعاملات لتمديد نفوذها في أنحاء العالم، ويحرمها من تمويل أنشطتها الخبيثة.
وعوضا عن الأسلحة الروسية، تحتاج الدول إلى بدائل للوفاء باحتياجاتها الأمنية. وهناك العديد من الدول المنتجة للسلاح التي تستطيع تقديم البديل. ولكن يتعين ألا تكون الأسلحة هي البديل الوحيد، حيث يمكن كذلك بحث السبل الدبلوماسية متعددة الأطراف والترويج لها كسبيل للحد من خطر الصراع بين الدول.
وفي الوقت الذي تكافح فيه الدول في وجه الخسائر الصحية والاقتصادية الناجمة عن جائحة كورونا، هي بحاجة إلى تخصيص المزيد من مواردها الوطنية لتوفير احتياجاتها المحلية.
وتعد الأسلحة التقليدية المتطورة من الكماليات في ظل جائحة يتعين على القيادات الوطنية التعامل معها بعناية وحذر.
وفي ختام التقرير، أشار باراتشيني وباوير إلى أنه يبدو أن العقوبات الأمريكية الموجهة لقطاع التصنيع العسكري الروسي، كان لها آثار ملحوظة، ولكن سلوك روسيا المستمر لا يبشر بتعديل في تصرفاتها على المستوى الدولي.
وربما تحتاج أمريكا وحلفاؤها، عبر سبل متنوعة، إلى تذكير بوتين والنخبة الحاكمة التي تدعمه، بأن هناك مقابلا تتكلفه روسيا نتيجة ما يعتبرونه أنشطة موسكو الضارة في النظام الدولي.
aXA6IDMuMTQ1LjM4LjY3IA== جزيرة ام اند امز