أستاذ جيولوجيا أمريكي لـ"العين الإخبارية": هذه حقيقة غرق المدن الساحلية

تزداد المخاوف يومًا بعد يوم من ارتفاع مستوى سطح البحر، والذي يهدد غرق المدن الساحلية -منها مدن تاريخية عريقة- حول العالم، وتبعات ذلك من النزوح السكاني وانهيار البنى التحتية.
غير أنّ هناك دولًا مهددة بالاختفاء تمامًا، وبألا يكون لها وجود على خريطة العالم، لتندثر حضارتها كاملة تحت الماء، وكأنها لم تكن.
كل هذا يتفاقم بسبب الاحتباس الحراري الذي يتسبب في زيادة وتيرة ذوبان الصفائح الجليدية، وبالتالي ارتفاع مستوى سطح البحر.
ويلجأ الباحثون في العادة إلى الأقمار الصناعية لمراقبة والتنبؤ بالتغيرات الحاصلة في مستوى سطح البحر؛ إذ يُقاس التغير العالمي في مستوى سطح البحر منذ أكثر من 30 عامًا بالأقمار الصناعية، ويستخدم العلماء تلك القياسات لدراسة التغيرات وتوقعات المناخ.
وفي هذا الصدد، أجرت مجموعة بحثية بقيادة الدكتور "توربيورن تورنكفيست" (Torbjörn E. Törnqvist)، أستاذ الجيولوجيا في قسم علوم الأرض والبيئة في جامعة تولين بالولايات المتحدة الأمريكية، دراسة حول مدى دقة تنبؤات الأقمار الصناعية بمستويات سطح البحر، مستعينين بنماذج مناخية وتنبؤات منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي.
وأكدت دراستهم صحة التنبؤات، لكن مع وجود بعض النقص في تقدير ذوبان الصفائح الجليدية. ونشروا ما توّصلوا إليه في دورية "إيرثز فيوتشر" (Earth’s Future) في 22 أغسطس/آب 2025.
"العين الإخبارية" حاورت الدكتور "توربيورن تورنكفيست" للوقوف على النتائج الرئيسية في دراسته.
تنبؤات صحيحة ولكن
عام 1996، نشرت "الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ" (IPCC)، تقريرًا تقييميًا بعد وقت قصير من بدء قياسات مستوى سطح البحر من خلال الأقمار الصناعية.
وقتها توّقع التقرير أن يصل الارتفاع المحتمل لمستوى سطح البحر 8 سم خلال الثلاثين عامًا القادمة.
بعد مرور كل تلك الأعوام، ارتفاع مستوى سطح البحر بالفعل، لكن 9 سم، وهو ارتفاع مقارب للارتفاع المتوقع بفرق 1 سم فقط. لكن لاحظ مؤلفو الدراسة أنّ هناك فرقًا بمقدار يزيد عن 2 سم في تقدير دور ذوبان الصفائح الجليدية في ذلك الارتفاع في مستوى سطح البحر.
معدل ذوبان أعلى
يرجح الباحثون أنّ المعلومات التي كانت متوفرة في التسعينيات لم تكن كافية لإعطاء الصورة كاملة حول دور ارتفاع درجة حرارة مياه المحيطات وتأثير ذلك على زعزعة استقرار الغطاء الجليدي في أسفل أنتاركتيكا، كما لم يكن معروفًا أنّ معدل تدفق الجليد من الغطاء الجليدي في غرينلاند إلى المحيط سريعًا بهذه الدرجة.
ويُعلق الدكتور "توربيورن تورنكفيست"، قائلًا: "كانت معرفتنا بالصفائح الجليدية أقل بكثير مما نعرفه الآن. على سبيل المثال، بدأت العديد من مهمات الأقمار الصناعية، التي تُعدّ حاسمة في قياس فقدان الكتلة من الصفائح الجليدية الكبيرة، قبل عقدين فقط".
ويتابع حديثه، قائلًا: "تدمج النماذج الحالية هذه المعلومات المهمة، إلى جانب فهم جديد لدور مياه المحيطات الدافئة في ذوبان أجزاء من هوامش الجليد في أنتاركتيكا من الأسفل".
تسارع مستمر
ويتفاوت ارتفاع مستوى سطح البحر من منطقة لأخرى، وهذا ما تناوله الباحثون عبر دراستهم، "من أهم أسباب الاختلافات بين المناطق أن مستوى سطح البحر لا يرتفع فحسب، بل تغرق الأرض أيضًا.
وينطبق هذا بشكل خاص على الدلتا الكبيرة. وفي بعض المناطق، يعود ذلك أساسًا إلى استخراج المياه الجوفية والنفط والغاز، وهو أمرٌ خاضعٌ لسيطرة الإنسان". يوضح تورنكفيست.
ووجدوا أيضًا أنّ مستويات سطح البحر مستمرة في الارتفاع.
وقال الدكتور تورنكفيست: "النتيجة الرئيسية هي أنه ينبغي أن نثق في توقعات ارتفاع مستوى سطح البحر في المستقبل، بل وربما نفترض أنها متحفظة أكثر مما ينبغي". ويُضيف: "سيستمر معدل ارتفاع مستوى سطح البحر في التسارع".
في المستقبل؟
تُشير التوقعات الحالية إلى أنّ ارتفاع مستوى سطح البحر في المستقبل مرتبط بذوبان وانهيار الغطاء الجليدي قبل نهاية القرن الحالي، وبالفعل أظهرت العديد من الدراسات مخاوفها من انهيار الغطاء الجليدي للأرض وتبعات ذلك.
وقال توربيورن تورنكفيست: "يتمثل أحد اهتماماتنا الرئيسية في كيفية تأثير ارتفاع مستوى سطح البحر الحالي والمستقبلي، وكيف سيؤثر مستقبلًا، على الأراضي الرطبة الساحلية. بمعنى آخر، هل تستطيع هذه النظم البيئية القيّمة للغاية مواكبة هذه المعدلات العالية من ارتفاع مستوى سطح البحر؟".