تحولان يفاقمان مهمة بلينكن بالسعودية.. هل تذيب حرارة يونيو جبل الجليد؟
بزيارتين لمسؤولين رفيعي المستوى في أقل من شهر، تأمل الولايات المتحدة في إعادة الاستقرار لعلاقاتها مع السعودية بعد بضع سنوات من الخلافات وانعدام الثقة.
وبعد زيارة مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك سوليفان للسعودية في السابع من مايو/أيار الماضي، قالت وزارة الخارجية الأمريكية الجمعة إن وزير الخارجية أنتوني بلينكن سيتوجه إلى المملكة الأسبوع المقبل، في ثاني زيارة يقوم بها مسؤول كبير في حوالي شهر.
وفي بيان مقتضب صادر عنها، قالت وزارة الخارجية الأمريكية يوم الجمعة، إن الزيارة التي ستمتد من الثلاثاء حتى الخميس ستشمل عقد اجتماع وزاري بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي يوم الأربعاء المقبل لمناقشة الأمن والتكامل في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى مؤتمر لمواجهة مسلحي تنظيم "داعش".
إذابة جبل الجليد
تأتي الزيارة في الوقت الذي تسعى فيه واشنطن لإصلاح علاقاتها مع أكبر دولة مصدّرة للنفط في العالم، وخاصة بعد نشوب خلافات بين البلدين حول بعض القضايا منها: قرار تحالف أوبك+ العام الماضي بخفض إنتاج النفط وسط ارتفاع كبير في أسعار الطاقة بسبب الحرب في أوكرانيا.
وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي، إن بلينكن سيركز على سبل دفع العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية قدما، مضيفًا: "نحن نركز على المستقبل.. إنها شراكة استراتيجية مهمة".
وأضاف متحدث "الأمن القومي" بالبيت الأبيض: "هذا لا يعني أننا نتفق دائما مع السعوديين في كل شيء أو أنهم يتفقون معنا في كل شيء. لدينا بالتأكيد خلافات في الرأي".
وأشار البيان إلى أن بلينكن من المقرر أيضا أن يستضيف بصورة مشتركة مع وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان اجتماعا حول تنظيم الدولة الإسلامية يوم الخميس المقبل.
وقال كيربي إن الرياض شريك في جهود واشنطن الرامية إلى التوسط في وقف إطلاق النار في السودان حيث تجري محادثات حاليا في جدة، كما أنها ساعدت في إخراج الأمريكيين من السودان بأمان عندما اندلع الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع في أبريل نيسان.
وعزا كيربي الفضل إلى السعودية في الحفاظ على الهدنة في اليمن، قائلا "هناك الكثير على جدول الأعمال في هذه العلاقة الثنائية، علاقة ثنائية مهمة في الشرق الأوسط".
قضايا هامة
ورغم التوقعات بعدم حدوث انفراجة، قال محللون إن بلينكن يهدف من هذه الرحلة إلى استعادة بعض التأثير مع الرياض فيما يتعلق بأسعار النفط ومواجهة النفوذ الصيني والروسي وتعزيز الآمال في تطبيع سعودي-إسرائيلي في نهاية المطاف.
وسوف يتصدى بلينكن لمعالجة علاقات تضررت بشدة بسبب خلافات حول إيران، واعتراها الضعف مع تلاشي صيغة النفط مقابل الأمن التي حافظت على التحالف بين الدولتين لعقود.
ورغم زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى السعودية في يوليو/تموز 2022 بهدف تحسين العلاقات، إلا أن واشنطن غضبت من الرياض بعد ثلاثة أشهر فقط عندما خفض تحالف أوبك+ الذي يضم روسيا إنتاج النفط قبل انتخابات التجديد النصفي الأمريكية التي كانت أسعار الوقود تمثل إحدى قضاياها.
إلا أن التوتر في العلاقات يعود إلى ما قبل إدارة الرئيس بايدن؛ فالقادة السعوديون كانوا قد عبروا عن عدم رضاهم عن مفاوضات الولايات المتحدة بشأن الاتفاق النووي الإيراني في 2015 والذي تعتقد دول الخليج أنه جعلهم عرضة لاحتمال حصول طهران في نهاية المطاف على أسلحة نووية.
ورغم تخلى الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عن الاتفاق في 2018، عبرت الرياض عن غضبها بسبب عدم الرد على إيران بعد هجوم بطائرات مسيرة وصواريخ استهدف منشآت النفط في بقيق وخريص السعوديتين عام 2019.
وألقت واشنطن والرياض بالمسؤولية في الهجمات على طهران التي نفت ضلوعها في ذلك.
وقال ديفيد دي روش من جامعة الدفاع الوطني الأمريكية "أرادوا (السعوديون) أن يروا الركام في طهران بعد (هجمات) بقيق"، مضيفا أن الرياض توقعت أن يرد ترامب بإصدار أوامر بضربات جوية.
نهاية النفط مقابل الأمن؟
وهناك تحولان طويلا الأمد يفاقمان التحديات التي تواجه بلينكن؛ أولهما: تهاوى الركيزة القائمة منذ فترة طويلة للعلاقات الأمريكية السعودية المتمثلة في توفير الولايات المتحدة للأمن مقابل إمدادات ثابتة من النفط السعودي.
والولايات المتحدة هي أكبر منتج للنفط في العالم الآن ولم تعد تعتمد على الخام السعودي كما كانت في السبعينيات.
وقال تشاس فريمان، سفير الولايات المتحدة السابق في السعودية: "طرفا المعادلة وهما إمكانية الدخول التفضيلية للحصول على الطاقة السعودية والدفاع الأمريكي عن المملكة العربية السعودية ضد التحديات الخارجية، تلاشيا فيما يبدو".
أما التحول الثاني، فيتمثل في: صعود الصين التي أصبحت الآن أكبر مشتر للنفط السعودي وأكبر مورد للسعودية، بالإضافة إلى ما يعرف باسم "التركيز" الأمريكي على آسيا، مما أدى إلى تحوط الرياض في رهاناتها الجيوسياسية.
إلا أن مستشار الأمن القومي الأمريكي جايك ساليفان قال في تصريحات سابقة، إن "التزامنا حيال منطقة الشرق الأوسط ثابت" ويستند إلى "استراتيجية واقعية وبراغماتية في الآن نفسه"، مضيفًا أن هذه الاستراتيجية مبنية على "خمسة مبادئ أساسية هي الشراكات والردع والدبلوماسية وخفض التصعيد والتكامل و(الدفاع عن) القيم".
وقال البروفيسور جريجوري جوز من جامعة تكساس إيه آند إم: "في الحرب الباردة، كان بوسع الولايات المتحدة الاعتماد إلى حد كبير على السعوديين لدعم مبادراتها الاستراتيجية الكبيرة. ومع انتهاء الحرب الباردة، لم يعد لدى السعوديين خيارات كثيرة".
وأضاف: "الآن لديهم خيارات.. فترة القطب الأوحد الأمريكي ولت أساسا، والسعوديون يفهمون ذلك ويتطلعون لخيارات أخرى".
وفي علامة على تحول الولاءات، قالت السعودية وإيران في مارس/آذار الماضي، إنهما تعتزمان استئناف العلاقات الدبلوماسية بعد محادثات سرية في بكين.
تطبيع غير مرجح
ويقول دانييل بينيم، مساعد نائب وزير الخارجية الأمريكي، إن أحد أهداف رحلة بلينكن يتمثل في التأكيد على أن "الولايات المتحدة لاعب قوي سيظل موجودا في المنطقة.. وأننا لن نترك فراغا يملؤه منافسون آخرون".
إلا أن هناك هدفا واحدا لن تحققه الولايات المتحدة على الأرجح في أي وقت قريب وهو إقناع الرياض بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، بموجب ما عرف باسم اتفاقيات إبراهام.
ووصفت باربرا ليف، كبيرة الدبلوماسيين الأمريكيين في الشرق الأوسط، يوم الأربعاء، تقارير في الصحافة الإسرائيلية عن هذا الاحتمال بأنها "مبالغات مفرطة".
وقالت إن ولي العهد السعودي لديه أولويات أخرى، خاصة تلك المتعلقة بخطة رؤية 2030 لتحديث اقتصاد المملكة وتقليص اعتمادها على النفط، مشيرة إلى أن الخطوات الأصغر مثل الأحداث الرياضية قد تحسن العلاقات مع إسرائيل.
وقال مسؤول خليجي طلب عدم نشر اسمه إن هذا سيكون صعبا. وتوقع عدم حدوث تطبيع على الأرجح في حياة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز وفي وجود رئيس الوزراء الإسرائيلي اليميني بنيامين نتنياهو في السلطة.
aXA6IDMuMTM5LjEwOC40OCA= جزيرة ام اند امز