لأول مرة يضطر التيار الليبرالي في الغرب إلى أن يدفع ثمن تنظيره وتشدقه بضرورة أن يتبنى العالم كله قيمه ومبادئه.
لأول مرة يضطر التيار الليبرالي في الغرب إلى أن يدفع ثمن تنظيره وتشدقه بضرورة أن يتبنى العالم كله قيمه ومبادئه، وأن عليه أن يفرض تلك القيم على الآخرين.
لأول مرة يكون لهذا الموقف ثمن يدفعه المواطن الغربي ويحاسب حكوماته عليه.
ردة فعل المملكة العربية السعودية كانت ضرورية، لا من أجل السعودية فحسب، بل ضرورية من أجل إحداث الجدل المطلوب في الغرب حول جدوى تعميم «النظريات الليبرالية» التي اجتاحت كلاً من الولايات المتحدة الأمريكية، وأوروبا الغربية، وكندا، التي ظن بها التيار الليبرالي (بالمفهوم الغربي لا بالمفهوم العربي) أنه مسؤول عن نشر قيمه ومبادئه التي يؤمن بها على أنها مبادئ وقيم أممية، ولا بد من تعميمها على الجميع.
ما عليك إلا أن تتابع آراء التيار الآخر الشعبوي، لا في الغرب فحسب، بل حتى في روسيا والصين والهند، والذي وجد فرصته ليثبت وجهة نظره، على صوت التيار الآخر نتيجة القرار السعودي الفريد والأول من نوعه، كي يعلو الرأي الشعبوي الغربي القائل إن علينا أن نرعى مصالح شعوبنا.. تلك هي مهمتنا
هذا التيار من مناصريه الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة والرئيس السابق باراك أوباما وهيلاري كلينتون، ورئيس وزراء كندا، والرئيس الفرنسي ماكرون، والكثير من الرؤساء والزعماء الغربيين، وله مناصرون في المؤسسات الغربية، وأغلبهم يتمركزون في وزارات الخارجية، كما له مناصرون في الإعلام الغربي كثر.
تيار يرى أن نشر قيمهم مسألة حتمية وإجبارية على بقية الشعوب، ومن يعارضهم يعتبر حكومة منغلقة وغير منفتحة على العالم.. تيار له مؤسساته وله أحزابه التي قامت بتبني مجموعة أفراد من الدول المستهدفة، ومنها الدول العربية لتعميم فكرهم وقيمهم وتدريبهم، وغالباً يختارونهم من الأقليات الإثنية أو الجنسية أو الدينية في العالم العربي (من الأقباط أو الشيعة أو حتى من المثليين) - انظر مقال «السعودية تنتصر لمبدأ السيادة» لبسام البنمحمد على موقع «العربية».
ويشكل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أحد قادة التيار المعارض لهذا التيار الليبرالي، ويحمل راية التيار الشعبوي الذي يرى أن كل دولة أدرى بشعابها، وأن على كل دولة أن تهتم بمصالحها أولاً؛ لذلك كان شعاره الانتخابي «أمريكا أولاً»، ولاقى استحساناً كبيراً من الشعب الأمريكي، ويعتقد أن الحكومات انتخبت كي ترعى مصالح شعوبها لا كي تنشر قيمها في بقية الدول.
هذان التياران كانا يتناظران شفوياً، أيهما أصلح، مع الأخذ في الاعتبار أن التيار الشعوبي ضعيف إعلامياً، وبرز مؤخراً ليتصدى للتيار الليبرالي بعد الفشل الذريع الذي مُني به الليبرالي في تنفيذ ربيعه العربي، الذي حاول إسقاط الأنظمة العربية التي قرر هو أنها متخلفة لبعدها عن قيمه التي أعلت من شأن الحريات والحقوق الفردية على الحريات والحقوق الجمعية.
إنما طوال الفترة الماضية لم يُمتحن هذا التيار الليبرالي امتحاناً حقيقياً في عقر داره، ولم يتعرض لخسائر في وطنه.. لم يدفع ثمن نشر تلك القيم وفرضها على الآخرين، وأي من مصالح الشعوب الغربية لم تتأثر طوال فترة الاختلاف بين هذين التيارين، حتى اتخذت المملكة العربية السعودية أول قرار من نوعه، ألقى حجراً كبيراً في بحيرة التناظر الشفهي بين التيارين كي تحوله إلى تناظر عملي، حين أجبرت السعودية كندا على دفع ثمن محاولة نشر قيمها بالقوة وبالجبر عن طريق التدخل في شؤون الدول الأخرى.
اليوم، ما عليك إلا أن تتابع آراء التيار الآخر الشعبوي، لا في الغرب فحسب، بل حتى في روسيا والصين والهند، والذي وجد فرصته ليثبت وجهة نظره، على صوت التيار الآخر نتيجة القرار السعودي الفريد والأول من نوعه، كي يعلو الرأي الشعبوي الغربي القائل إن علينا أن نرعى مصالح شعوبنا.. تلك هي مهمتنا، وليست مهمتنا نشر قيمنا بالتدخل في شؤون الآخرين.
هذا التيار يحتاج الآن إلى من يناصره، ويحتاج إلى أن يثبت وجهة نظره، وكلما اتحدت الدول العربية المتضررة من تدخلات التيار الليبرالي، بألا تقف عند تأييدها المملكة العربية السعودية فحسب، بل عليها أن تعلن أنها ستتخذ خطوات مماثلة لحماية سيادتها وأمنها المهددين من قِبل أفكار هذا التيار ومحاولاته المستمرة لاختراقهما.
إن الرسالة التي وجهتها المملكة العربية السعودية لهذا التيار أينما كان، أمريكياً أم أوروبياً أم كندياً، لا بد أن تكون رسالة عربية متطابقة متماثلة تهدد الشعوب الغربية بمزيد من الخسائر إن لم تكبح هي جماح هذا التيار.
الجدل الداخلي هناك وحده الكفيل بوقف زحف هذا التيار التنظيري وإعادته إلى صواب الواقع بعيداً عن النظريات التي يقرأها في الكتب وفي الجامعات والأكاديميات!
نقلا عن "الشرق الأوسط"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة