السعودية والإمارات 2019.. نقلة نوعية تعزز الشراكة الاستراتيجية
العلاقات السعودية الإماراتية في عام 2019 تعبر عن تطابق وتكامل وتوأمة وأخوة راسخة ومصير مشترك.
شهد عام 2019 نقلة نوعية في العلاقات بين السعودية والإمارات، تجلت عبر 8 محطات بارزة لمجلس التنسيق المشترك على مدار العام، و6 زيارات رسمية متبادلة للقادة، وقمة خليجية تترأس دورتها الإمارات واستضافتها الرياض، وتنسيق مشترك لمعالجة القضايا الإقليمية والدولية.
"تعيش العلاقات الإماراتية السعودية أزهى عصورها على المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية والعسكرية وغيرها، بفضل حكمة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الإمارات، وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وإرادتهما".
بتلك الكلمات عبّر الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة بالإمارات، عن العلاقات بين بلاده والسعودية التي شهدت نقلة نوعية خلال عام 2019.
- السعودية والإمارات.. ثقل دبلوماسي ينزع فتيل أزمات المنطقة
- السعودية والإمارات.. بصمات مضيئة في دعم "التعاون الخليجي"
كلمات ولي عهد أبوظبي جاءت خلال الاجتماع الثاني لمجلس التنسيق السعودي-الإماراتي، الذي استضافته العاصمة أبوظبي 27 نوفمبر/تشرين ثاني الماضي، وترأسه الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والأمير محمد بن سلمان ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع السعودي.
وأكد خلاله أيضا أن العلاقة بين البلدين "ليست علاقات تاريخية واستراتيجية فحسب وإنما هي علاقات دم ومصير مشترك، وضع أسسها الراسخة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وإخوانه ملوك السعودية".
وجاء الاجتماع ليتوج مسيرة حافلة لمجلس التنسيق، شهدت 8 محطات بارزة على مدار عام 2019، أسهمت مخرجاتها في نقلة نوعية في العلاقات بين البلدين على مختلف الأصعدة.
هذا التعاون تجلى في أبرز صوره أيضا خلال القمة الخليجية الـ40، حيث ترأست الإمارات الدورة الأربعين لمجلس التعاون الخليجي، في حين عقدت القمة الخليجية للدورة نفسها بالعاصمة السعودية الرياض 10 ديسمبر/كانون أول الجاري.
في صورة تبرز العلاقات القوية والشراكة الاستراتيجية ووحدة المصير بين البلدين، وأهمية التعاون بينهما في تعزيز مسيرة مجلس التعاون الخليجي.
وجاء الاجتماع الثاني لمجلس التنسيق السعودي-الإماراتي ثم القمة الخليجية الـ40 ليؤكدا أن هذا "النموذج الفريد من نوعه في التكامل لا يعود بالنفع فقط على الدولتين، بل يقود قاطرة التعاون الخليجي ويقدم نموذجا استثنائيا للتعاون العربي-العربي، ويضع البلدين في مكانة متميزة على خارطة التحالفات العالمية"، كما سبق أن أكد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.
هذا التعاون ظهر جليا أيضا في 6 زيارات رسمية متبادلة بين قادة البلدين على مدار العام، حيث أجرى الشيخ محمد بن زايد آل نهيان 4 زيارات إلى السعودية خلال عام 2019، فيما أجرى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان زيارة إلى الإمارات في ختام العام.
وترأس الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، وفد الإمارات في القمة الخليجية التي عقدت في الرياض.
وتعكس الزيارات المتبادلة والمباحثات المتواصلة بين قادة البلدين في وقت قريب وقصير الحرص المتبادل بين الجانبين على التواصل والتباحث وتبادل الرؤى وتنسيق الجهود وتعزيز العلاقات الاستراتيجية بينهما.
6 زيارات متبادلة.. وتنسيق متواصل
أولى الزيارات الرسمية قام بها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في 16 أبريل/نيسان، وبحث خلالها مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في قصر عرقة بمدينة الرياض العلاقات الأخوية الراسخة بين البلدين، وعددا من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.
ورحب خادم الحرمين الشريفين، في اللقاء الذي حضره الأمير محمد بن سلمان، بزيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان للمملكة، مشيدا بعمق العلاقات الأخوية بين البلدين وشعبيهما الشقيقين، والتي تزداد رسوخا وقوة في ظل الحرص المشترك على تطويرها وتوسيع آفاقها.
كما بحثا تطورات الأوضاع والمستجدات التي تشهدها المنطقة والتحديات والأزمات التي تواجهها دولها، وأهمية تفعيل العمل العربي المشترك في مواجهة تلك التحديات والمخاطر التي تهدد أمنها واستقرارها ومقدراتها، وفي مقدمتها التطرف والإرهاب واستمرار التدخلات الإقليمية في شؤون الدول العربية.
وأكد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان أن دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية تربطهما علاقات أخوية متينة تستند إلى أسس راسخة من المحبة والاحترام والثقة والرؤية الواحدة تجاه المتغيرات والتحديات على الساحتين الإقليمية والدولية، من منطلق الإيمان المشترك بالمصير الواحد للبلدين والشعبين الشقيقين.
وخلال الزيارة الثانية، ترأس الشيخ محمد بن زايد آل نهيان وفد الإمارات إلى القمتين الخليجية والعربية الطارئتين في مكة المكرمة 30 مايو/أيار، وأكد أن بلاده تقف قلباً وقالباً إلى جانب السعودية في كل تحركاتها الهادفة إلى توحيد الصف والكلمة، في مواجهة المخاطر والتهديدات المحيطة بدولنا وشعوبنا، وتحقيق طموحاتها إلى السلام والرخاء والازدهار.
ونوه بأن انعقاد القمم الخليجية والعربية (الطارئتين) والإسلامية (العادية) في مكة المكرمة خلال هذه المرحلة الاستثنائية، وفي ظل تحديات جسيمة تشهدها المنطقة، يؤكد الدور الرائد للمملكة، بما تمثله من عمق استراتيجي لدول المنطقة والعالم الإسلامي، وتعزيز الأمن والسلم والحفاظ على مصالح دول المنطقة وشعوبها وخدمة قضاياهم وجمع كلمتهم وتوحيد صفوفهم.
وأدانت البيانات الختامية الصادرة عن القمم الثلاث الأعمال التي قامت بها المليشيا الحوثية الإرهابية المدعومة من إيران من العبور بالطائرات المسيرة على محطتي ضخ نفط داخل السعودية يوم 14 مايو/أيار الماضي، وما قامت به من أعمال تخريبية طالت 4 سفن تجارية قرب المياه الإقليمية للإمارات بعدها بيومين.
وأكدت التضامن الخليجي والعربي والإسلامي مع السعودية والإمارات، وتأييدها ودعمها كل الإجراءات والتدابير التي تتخذانها لحماية أمنهما واستقرارهما وسلامة أراضيهما.
الزيارة الثالثة جرت في 12 أغسطس/آب، وأجرى خلالها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان مباحثات مع خادم الحرمين الشريفين وولي العهد السعودي في قصر منى بمكة المكرمة.
الزيارة الرابعة، أجراها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى الرياض في 5 نوفمبر/تشرين الثاني، وشهد خلالها توقيع اتفاق الرياض التاريخي الذي وقّعته الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي برعاية سعودية.
ونوه الأمير محمد بن سلمان خلال حفل التوقيع بما قدمته دولة الإمارات العربية المتحدة من تضحيات جليلة في ساحات الشرف مع جنود المملكة وزملائهم، في بقية قوات التحالف العربي لدعم الشرعية على الأرض اليمنية، معبرا عن شكره للشيخ محمد بن زايد آل نهيان.
وعقد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والأمير محمد بن سلمان مباحثات خلال تلك الزيارة في الديوان الملكي بالرياض، تم خلالها بحث العلاقات الأخوية بين البلدين على المستويات كافة، إضافة إلى تطورات ملف اليمن والسبل الكفيلة بمساعدة الشعب اليمني الشقيق لتحقيق تطلعاته المشروعة في التنمية والسلام.
الزيارة الخامسة أجراها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لأبوظبي 27 نوفمبر/تشرين الثاني، واستمرت عدة أيام تم خلالها عقد الاجتماع الثاني لمجلس التنسيق السعودي-الإماراتي، وترأسه الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والأمير محمد بن سلمان ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع السعودي.
وخلال الزيارة نفسها، استقبل الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي بقصره في زعبيل الأمير محمد بن سلمان.
ورحب الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بالأمير محمد بن سلمان، مؤكدا استراتيجية العلاقات الثنائية بين البلدين التي لا تنفصم عراها.
كما غرد مشيدا بالإصلاحات التي يقوم بها، قائلا "استقبلت في دبي بكل الود والمحبة الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي عهد المملكة.. حللت أهلا بين أهلك وأحبابك.. التاريخ يصنعه الشجعان.. وتاريخ المنطقة اليوم يتغير بسبب محمد بن سلمان".
وفي الزيارة السادسة ترأس الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم وفد الإمارات في القمة الخليجية، التي عقدت في الرياض 10 ديسمبر/كانون الأول الجاري.
قمة الرياض
أبرزت الدورة الـ40 لمجلس التعاون الخليجي العلاقات القوية والشراكة الاستراتيجية ووحدة المصير بين البلدين، وأهمية التعاون بينهما في تعزيز مسيرة مجلس التعاون الخليجي، حيث ترأست الإمارات الدورة، في حين عقدت القمة الخليجية للدورة نفسها بالعاصمة السعودية الرياض، برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود.
وستترأس الإمارات الاجتماعات الوزارية وغيرها من اجتماعات على مدار الدورة التي تستمر عاما.
ونشر الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم صورا له خلال مشاركته في القمة، إحداها تجمعه مع خادم الحرمين الشريفين، وغرد قائلا: "مع أخي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز خلال مشاركتنا في قمة مجلس التعاون بالرياض".
وأردف "مجلس التعاون سيبقى.. والأخوة الخليجية ستبقى.. لأنها ضمانة عربية للمستقبل.. وأمل المنطقة في أن نكون جزءا من صناعة وصياغة مستقبل العالم".
كل تلك الزيارات على اختلاف أهدافها تؤكد جميعها استمرار التكامل والتشاور المستمر بين البلدين الشقيقين، بعد أن أضحى "التنسيق السعودي الإماراتي" نموذجا استثنائيا في بناء الشراكات الاستراتيجية بين الدول.
مجلس التنسيق.. 8 محطات بارزة في 2019
وجنبا إلى جنب للزيارات المتبادلة على مستوى القادة، جرت العديد من الزيارات للمسؤولين، فيما مضت مسيرة التعاون بين البلدين نحو تعزيز الشراكة وتحقيق التكامل في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية، بما يسهم في تحقيق الخير والرفاهية لشعبي البلدين، ومواجهة التحديات في المنطقة، على رأسها مكافحة الإرهاب وتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة.
مسيرة التعاون التي تم مأسستها عبر مجلس التنسيق السعودي الإماراتي، وتم توقيع الاتفاق على إنشائه في 16 مايو/أيار 2016 في قصر السلام بجدة، بحضور الملك سلمان بن عبدالعزيز والشيخ محمد بن زايد آل زايد آل نهيان، شهدت 8 محطات بارزة خلال عام 2019، وهي كما يلي:
19 يناير 2019
عقدت اللجنة التنفيذية لمجلس التنسيق السعودي الإماراتي اجتماعها الأول في أبوظبي، وأعلنت إطلاق 7 مبادرات استراتيجية، وعلى رأسها العملة الافتراضية المشتركة لتجسد التكامل الثنائي في مجالات الخدمات والأسواق المالية والطيران وريادة الأعمال والجمارك وأمن الإمدادات وغيرها.
15 أبريل 2019
عقدت اللجنة التنفيذية لمجلس التنسيق السعودي الإماراتي اجتماعها الثاني في الرياض، في إطار تفعيل الرؤية المشتركة للتكامل بين البلدين اقتصاديا وتنمويا وعسكريا، وأوصت بتفعيل 7 لجان تكاملية، تدير وتنظم 26 مجالا ذات الأولوية، كما تم استحداث مجال للفضاء والصحة، بالإضافة إلى الثقافة ضمن التكامل والتعاون المشترك بين البلدين.
13 مايو 2019
وقعت الإمارات والسعودية بالرياض اتفاق الاعتراف المتبادل ببرنامج المشغل الاقتصادي المعتمد بين البلدين، بهدف تعزيز التعاون الجمركي وتسهيل حركة التجارة البينية وتسريع معدلات التبادل التجاري، تنفيذاً لمقتضيات خلوة العزم التي أقرها مجلس التنسيق السعودي الإماراتي.
25 أغسطس 2019
انطلق في الرياض البرنامج التدريبي الأول للخدمات الحكومية، بهدف بناء وتطوير وتعزيز قدرات موظفي الخدمات الحكومية في السعودية وفق معايير خدمية نوعية، في إطار الشراكة والتكامل بين البلدين، متمثلة بمجلس التنسيق السعودي الإماراتي.
28 أغسطس 2019
تشكيل "فريق عمل مشترك في مجال الإسكان" بهدف تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الإمارات والسعودية في مجال الإسكان، وتطوير خدمات إسكانية وإطلاق مشاريع رائدة من خلال منظومة موحدة، في إطار التعاون والتكامل بين البلدين وضمن مبادرات مجلس التنسيق السعودي-الإماراتي.
16 سبتمبر 2019
عقدت اللجنة التكاملية للتعاون الإعلامي، إحدى اللجان المنبثقة عن مجلس التنسيق السعودي الإماراتي، اجتماعاً في أبوظبي، بهدف تطوير وتعزيز الاستراتيجيات الإعلامية، وتفعيل البرامج والخطط والمبادرات المشتركة التي تواكب طموحات وتطلعات قيادتي وشعبي البلدين الشقيقين.
١٢ أكتوبر ٢٠١٩
عقدت اللجنة التكاملية للبيئة والإسكان، إحدى اللجان المنبثقة من مجلس التنسيق السعودي الإماراتي، اجتماعها الأول في إطار متابعة تنفيذ الرؤية المشتركة للتعاون والتكامل بين السعودية والإمارات، وتكثيف الجهود المبذولة ومتابعة تطور المبادرات التي تم إطلاقها خلال الدورة الأولى لمجلس التنسيق السعودي الإماراتي.
27 نوفمبر 2019
عقد الاجتماع الثاني لمجلس التنسيق السعودي الإماراتي في أبوظبي وترأسه الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، والأمير محمد بن سلمان وشهد تبادل 4 مذكرات تفاهم في مجالات الصحة والثقافة والفضاء والغذاء واستعراض 7 مبادرات استراتيجية.
وتتضمن المبادرات السبع التأشيرة السياحية المشتركة، تسهيل انسياب الحركة بين المنافذ الجمركية، واستراتيجية الأمن الغذائي المشتركة، الأمن السيبراني، العملة الرقمية المشتركة، مشروع المصفاة العملاقة الجديد، ومجلس الشباب السعودي الإماراتي.
ونتج عن الاجتماع تأكيد السعودية والإمارات بالتوجه نحو التكامل، وعبر الشيخ محمد بن زايد آل نهيان عن أهمية هذا التكامل في كلمته خلال الاجتماع، قائلا: "إن اقتصادنا المشترك يحتل المرتبة السادسة عشرة عالميا، ويمكننا أن نعمل ليصبح اقتصادنا معاً من أكبر 10 اقتصادات في العالم".
وأردف "كما تتعدى استثماراتنا الخارجية حالياً 250 مليار دولار في قطاعات اقتصادية مختلفة وصناديقنا الاستثمارية تعد في المركز الأول عالميا، وسنرفع من استثماراتنا لنكون من أكبر عشر دول تستثمر عالمياً، وأسواقنا المالية تتعدى 720 مليار دولار، ونسعى لأن نكون من أكبر 10 أسواق مالية عالمياً".
وأكد أن هذا النموذج الفريد من نوعه في التكامل لا يعود بالنفع فقط على الدولتين، بل يقود قاطرة التعاون الخليجي ويقدم نموذجا استثنائيا للتعاون العربي-العربي ويضع البلدين في مكانة متميزة على خارطة التحالفات العالمية.
بدوره، أكد الأمير محمد بن سلمان "أنه في هذا المجلس نستهدف تحقيق نموذج استثنائي من التعاون المشترك يبنى على مكامن القوة للبلدين وروح العزيمة والريادة التي يحظى بها شعباهما".
كما تم على هامش الزيارة نفسها توقيع وكالة أنباء الإمارات "وام" ووكالة الأنباء السعودية مذكرة تفاهم لتعزيز التبادل الإعلامي والإخباري بين الوكالتين.
نموذج فريد للتعاون
وشهدت العلاقات الاقتصادية والتجارية بين دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية تطورا كبيرا خلال الفترة، التي أعقبت تشكيل لجان التعاون الثنائي والتي انبثقت عن مجلس التنسيق بين البلدين.
وكان أبرز مؤشرات تلك التطورات دخول اتفاقية تجنب الازدواج الضريبي الموقعة بين الدولتين حيز التنفيذ، اعتبارا من مطلع شهر أبريل/نيسان الماضي، بعد استكمالهما الإجراءات اللازمة لذلك، والتي تهدف إلى تعزيز أطر التعاون في المسائل الضريبية، وتوطيد الشراكة المالية والاقتصادية والاستثمارية بين الدولتين.
كما عكس ارتفاع قيمة التبادل التجاري بين الإمارات والسعودية حسب النظام العام للتجارة، والذي يشمل تجارة المناطق الحرة والمستودعات إلى مستوى 107.4 مليار درهم خلال عام 2018 بنمو نسبته 35.4% مقارنة بـ2017، مدى القفزات التي تحققت لجهة ترسيخ وقائع جديدة في علاقات التعاون الاقتصادي والتجاري، وعلى نحو يجسد رؤية قيادتي البلدين الشقيقين.
وتأتي المملكة العربية السعودية في صدارة قائمة أهم الشركاء التجاريين لدولة الإمارات، الأمر الذي جعل علاقات البلدين تشكل نموذجا فريدا للتعاون على مختلف الأصعدة، يدعمها إرادة ثابتة لقيادتي البلدين.
ويرى خبراء الاقتصاد في البلدين أن اللجان التي جرى تشكيلها ستعمل على تحقيق مزيد من النمو في علاقات التعاون بين الإمارات والسعودية، وذلك من خلال الاستفادة من مقوماتهما التنموية الكبيرة، باعتبارهما أكبر اقتصادين عربيين، وتوظيف إمكاناتهما التجارية والاستثمارية الضخمة بما يدفع عجلة التنمية المستدامة في كل منهما.
السياسة الخارجية.. تطابق كامل
على صعيد السياسة الخارجية، تتبنى الدولتان مواقف مشتركة إزاء القضايا العربية والخليجية والإقليمية والدولية، حيث تعمل الدولتان على تعزيز العمل العربي المشترك، وصون مسيرة مجلس التعاون الخليجي، ومكافحة الإرهاب، وتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، والتصدي للتدخلات الخارجية في شؤون الدول العربية، وتعملان على إيجاد حلول دائمة لأزمات ونزاعات المنطقة المختلفة.
على أرض الواقع، اتخذت الدولتان موقفا مشتركا من الأحداث التي شهدتها بعض الدول العربي في أعقاب ما عرف باحتجاجات الربيع العربي عام 2011، بدعم استقرار هذه الدول ضد التنظيمات الفوضوية.
وامتدادا للعلاقات التاريخية الاستراتيجية بين السعودية والإمارات، شكل البلدان نموذجا في مواجهة التحديات، وصل إلى حد الشهادة التي امتزجت فيها دماء أبناء البلدين دعما للشرعية في اليمن، في إطار تحالف يستهدف دحر الإرهاب ومواجهة التطرف.
وتوج جهودهم المشتركة والتنسيق الكبير بينهما في توقيع اتفاق الرياض التاريخي، الذي وقعته الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي برعاية سعودية يوم 5 نوفمبر/تشرين ثاني الماضي.
وتمثل العلاقة السعودية الإماراتية صمام أمان ليس للبلدين فحسب، بل للمنظومة الإقليمية برمتها، كونهما يجسدان قيم الاستقرار والتنمية، كما يمثلان منطق العقلانية السياسية ومفهوم الدولة الحديثة، في احترام القيم والتشريعات الدولية.
وهو ما ظهر أيضا في تنسيق البلدين لمحاولة تخفيف حدة التوتر بين الهند وباكستان، حيث زار عادل الجبير وزير الدولة للشؤون الخارجية في السعودية، والشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي باكستان، في سبتمبر/أيلول الماضي لتخفيف حدة التوتر بين البلدين.
وجاءت الزيارة في وقت يشهد فيه إقليم كشمير الحدودي بين الهند وباكستان توترات جديدة بعد قرار نيودلهي شهر أغسطس/آب الماضي إلغاء الحكم الذاتي الدستوري في الإقليم الحدودي المتنازع عليه.
شارع الملك سلمان.. لفتة إماراتية
أيضا شهد عام 2019 لفتة إماراتية تكريما وتقديرا لإنجازات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، فبناء على توجيهات الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الإمارات أمر الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بإطلاق اسم خادم الحرمين الشريفين على أحد الشوارع الرئيسية في العاصمة أبوظبي.
وجاء تدشين الشارع في 23 سبتمبر/أيلول الماضي، تزامنا مع احتفالات المملكة العربية السعودية بيومها الوطني الـ89.
ويعتبر شارع الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود من أكثر الشوارع الرئيسية الحيوية في مدينة أبوظبي، ويتميز بجمالية التصميم والزراعات التجميلية على جانبيه وإطلالته على مياه كاسر الأمواج، ويشهد كثافة في أعداد الزوار والسياح من داخل وخارج الدولة، باعتباره أحد أجمل الشوارع الرئيسية في العاصمة أبوظبي.
شراكة الخندق الواحد
وتمضي العلاقات بين الإمارات والسعودية في طريقها لتحقيق نموذج تكامل عربي استثنائي، بتوجيهات قادة البلدين، محوره التعاون والتكاتف على الأصعدة كافة، مستنداً إلى الإرث الحضاري والتاريخي ومقومات القوة المشتركة، خصوصا أن التعاون بينهما يصب في مصلحة تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة والرفاهية لشعبيهما.
تلك الشراكة تجلت بصورة واضحة في تصريحات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، خلال افتتاحه "حديقة شهداء حرس الرئاسة" في 4 سبتمبر/أيلول الماضي، التي جاءت أصدق وأقوى تعبير عن تلك الشراكة، واصفاً إياها بأنها "شراكة الخندق الواحد في مواجهة التحديات المحيطة".
وأردف "والهدف الذي يجمعنا أمن السعودية والإمارات واستقرار المنطقة، يجمعنا مصيرنا ومستقبلنا".
تلك التصريحات جاءت لتؤكد أن ما يجمع الإمارات والسعودية ليس أمراً عادياً، ولا مصالح آنية، وطبيعة العلاقة بينهما استثنائية بكل المقاييس.