المملكة العربية السعودية برزت كدولة تستخدم كل مصادر قوتها لتفرض نفسها ومكانتها كلاعبٍ إقليمي ودولي، تعي دورها وتمتلك قرارها ورؤيتها
لا يمكن فهم ما يجري في المنطقة بشكل أكثر دقة دون استيعاب التغيير الكبير الذي جرى في توازنات القوى فيها، فمنذ أربعة عقود تقريباً حدث في العالم تغييرات مهمة دون شك، ولكنها على الرغم من أهميتها ظلّت ممكنة الاستيعاب، والتغييرات التي أحدثتها قابلة للتعامل بشكلٍ أو بآخر.
السادات والسلام مع إسرائيل، وثورة الخميني في إيران وحرب الخليج الأولى في ثماني سنواتٍ، وغزو صدام للكويت، وانهيار الاتحاد السوفياتي كنتيجة لعقودٍ من الحرب الباردة، وبروز ما كان يعرف بالنظام الدولي الجديد، بقطبٍ واحدٍ، وبروز الإرهاب كظاهرة دولية، وصولاً لما كان يعرف بالربيع العربي وتفشي استقرار الفوضى، وانسحابية أميركا أوباما، واقتحام روسيا المنطقة والعالم، ثم وصل ترمب.
إنها النهضة الشاملة التي دشنت مرحلة السعودية الجديدة والسعودية المجيدة، ثم قام تحالفٌ قوي بين السعودية والإمارات العربية المتحدة، بات جلياً أنه يقود دول الخليج العربي، وهو بالتحالف مع مصر وعددٍ من الدول العربية كالأردن والمغرب بات بالغ التأثير في الدول العربية
ما تختصره هذه الأحداث وما يندرج تحتها وهو كثيرٌ، هو أن الدول القوية في العالم قادرة على استيعاب المتغيرات مهما كبرت، وقادرة على الحفاظ على وضع صراعاتها ومصالحها في كف~ة متوازنة تخسر هنا وتكسب هناك، ولا تكون مجبرة على قبول التغييرات الكبرى إلا بما يوازيها من المكاسب أو من القدرة على تعديلها وتحويرها استعداداً لمستقبلٍ مختلف.
التفاصيل كثيرة ومعروفة، وخوفاً من الإطالة، فإن ثمة متغيراً كبيراً حدث في السنوات الثلاث الماضية في المنطقة وفي العالم، وهو بروز المملكة العربية السعودية كدولة تستخدم كل مصادر قوتها لتفرض نفسها ومكانتها كلاعبٍ إقليمي ودوليٍ، تعي دورها وتمتلك قرارها ورؤيتها، وتسعى لتحويل ذلك كله إلى واقعٍ يعكس المكانة والقدرة.
هذا التغيير الكبير في توازنات القوى مربكٌ، للدول الحليفة وغير الحليفة على حدٍ سواء، وبالتالي مربكٌ للمؤسسات الدولية مهما تعددت تصنيفاتها وأسماؤها وأدوارها، وبالتالي مربكٌ لمراكز الدراسات والمؤسسات الحقوقية والوسائل الإعلامية وغيرها، وتحديداً في الغرب، ذلك أنه أصبح من الممكن التنبؤ بما يمكن لهذا التغيير أن يحدثه في المنطقة والعالم.
إنها النهضة الشاملة التي دشنت مرحلة السعودية الجديدة والسعودية المجيدة، ثم قام تحالفٌ قوي بين السعودية والإمارات العربية المتحدة، بات جلياً أنه يقود دول الخليج العربي، وهو بالتحالف مع مصر وعددٍ من الدول العربية كالأردن والمغرب بات بالغ التأثير في الدول العربية بجامعة الدول العربية، وهو أصبح قائداً ورائداً في الملفات الكبرى في المنطقة والعالم.
إقليمياً، في الملف اليمني والعراقي والسوري واللبناني الفلسطيني وغيرها، ودولياً، في مواجهة إيران ومواجهة التطرف والإرهاب، في أسعار الطاقة وحماية البيئة، وفي الأمن الدولي بشكلٍ عامٍ، وفي المحصلة، لقد تم الانتباه الإقليمي والدولي للسعودية الجديدة وحلفها مع الإمارات والتحالفات الإقليمية والدولية التي بنتها وتبنيها، بمعنى أن التغيير الكبير في توازنات القوى أصبح حاضراً بقوة لدى كل الجهات المعنية حول العالم في جميع المجالات والتخصصات.
ومن هنا أصبح المعيار هو الموقف من هذا التغيير، هل هو بالرفض أم بالقبول؟ هل هو بالتعاون أم التخذيل؟ هل هو بالدعم أم بوضع العصي في الدواليب؟ وتوزعت مواقف الدول الإقليمية والدولية والمؤسسات الإقليمية والدولية بحسب كثير من الحسابات والمصالح، كلٌ بحسبه.
الرفض هو المبدأ الأساسي الذي تتخذه الدول والمؤسسات المستقرة تجاه أي تغييراتٍ في موازين القوى تأتي من خارجها وتعكر صفو هدوئها، وبالذات حين تكون عاجزة بحكم تكوينها أو قدم آلياتها عن فهمه أو استيعابه فضلاً عن قبوله ودعمه، ولذلك فالموقف الأولي منه هو محاولة تحدّيه وإعاقته والانحياز ضده، ولن تسعى لفهمه واستيعابه دون أن يحقق نجاحاتٍ كبرى وإنجازاتٍ مشهودة تثبته رقماً صعباً حقيقياً وواقعياً يجب الاعتراف به والتعامل معه.
تطورات الأوضاع في المنطقة فيها كثير، ويمكن إدارتها بالتوازي بالنسبة للسعودية، ولكن أهمها وأكثرها إلحاحاً اليوم هو الملف اليمني والأزمة اليمنية، وعاصفة الحزم وإعادة الأمل وتحالف دعم الشرعية في اليمن، فقد بدأ الجيش الوطني والمقاومة الشعبية من كل الفئات والفصائل بالتحرك الشامل تجاه القضاء على مليشيا إيران في اليمن، وأصبح الحوثي يخسر كل يومٍ خسائر كبرى على جميع محاور القتال، وصار الخناق يضيق شيئاً فشيئاً على الحوثي، وبات عناصر المؤتمر الشعبي العام يتجهون باتجاه قوات الشرعية في كل مكانٍ، وقد بدأت رؤوس قيادات الحوثي تسقط يوماً بعد يومٍ.
أصبح الحوثي تحت ضغطٍ كبيرٍ وأصبح يرى نهايته بأم عينيه، فالمسألة مسألة وقتٍ ليس إلا، ويمكن لأي مراقبٍ أن يقارن الأوضاع اليوم بما كانت عليه قبل سنواتٍ ثلاث حين انطلاق عاصفة الحزم في اليمن، وكل هذه النجاحات تتحقق باستمرار على الرغم من كل الانحياز لبعض الدول الكبرى وبعض المؤسسات الدولية، الذي يمكن تسمية بعضه السافر، والذي يتعمد المغالطات والكذب ويغض الطرف عن كل جرائم الحوثي الوحشية، التي يعتبر بعضها من جرائم الحرب التي تجر~مها كل الأنظمة والقوانين الدولية.
بالنسبة لأكبر الخصوم في المنطقة وهو النظام الإيراني فهو يرزح اليوم تحت مظاهرات شعبية تشمل كثيراً من مدنه الرئيسية ومحافظاته الكبرى، وتشترك فيها كل العرقيات والمذاهب والطوائف على حدٍ سواء، وقد وصلت إلى طهران العاصمة نفسها وإلى بعض المراكز الدينية التي كانت داعمة للنظام، وهي مرشحة للتصاعد في ظل إفقارٍ متعمدٍ للشعب وإفراطٍ مستمر في استخدام جميع أنواع العنف والديكتاتورية الطائفية الدموية ضد الشعب.
لقد دفع النظام الإيراني بكل خصومه الداخليين للتحرك ضده في وقتٍ واحد، بسبب ديكتاتوريته البشعة، وإصراره على صرف مليارات الشعب الإيراني على مغامراته الخارجية غير المحسوبة، في العراق والمليشيات الشيعية التابعة له، وفي سوريا وتجميع النظام الإيراني للمليشيات التي يجلبها من إيران ومن أفغانستان والعراق ولبنان دعماً لنظام الأسد، وفي لبنان حيث مليشيا «حزب الله»، الذي اختطف الدولة هناك ودخل في كل العمليات الإرهابية من اليمن إلى سوريا مروراً بدول الخليج العربي، وصولاً إلى مصر، كل هذا والشعب الإيراني يعاني الفقر والجوع والمرض.
أخيراً، كان عام 2017 عاماً مجيداً في تاريخ السعودية، على كل المستويات، وقد حققت فيه من النجاحات الداخلية والإقليمية والدولية ما لم يحدث مثله في عقود سابقة، وهي تتلقف العام الجديد بكل الطموح والأمل في صناعة المزيد وتعزيز القيادة والريادة، لقد أصبحت السعودية نموذجاً يُحتذى في بناء المستقبل وصناعة الرؤى وتحقيق الأحلام.
نقلاً عن " الشرق الأوسط "
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة