لماذا أثار مسلسل العاصوف السعودي كل هذا الجدل والانقسام؟ وهل كان ذلك متوقعا مع عمل بكل هذه الجرأة في هذه المرحلة.. تعرف على التفاصيل.
بعد انقضاء ما يقرب من نصف شهر رمضان المبارك، وبحسب الأرقام الواردة من محركات البحث، احتل المسلسل السعودي "العاصوف" قائمة الأعمال الأكثر بحثاً في السعودية والخليج بعد الدراما المصرية.
وأثار المسلسل -كما هو متوقع- الجدل الكبير في السعودية بحكم أنه يرصد تاريخ المملكة في سبعينيات القرن الماضي، والتحولات الاجتماعية والدينية والفكرية التي صاحبتها، حيث ارتفعت حدة الانتقادات الموجهة للمسلسل بمواقع التواصل الاجتماعي، وذلك بعدما تناول أموراً كانت الإشارة إليها في الدراما السعودية غائبة في الماضي، كالبغاء والخيانة الزوجية.
ومنذ الحلقة الأولى وهناك حالة ساخنة من الجدل على مواقع التواصل، حيث عبّر كثيرون عن رفضهم لبعض التفاصيل التي يحتويها المسلسل، حيث رأى محافظون أن العمل يحاول تشويه صورة المجتمع السعودي، وإظهاره بمظهر لا يتماشى مع قيم المحافظة التي تتسم بها المملكة، وفي المقابل أشاد عدد آخر من المستخدمين بالمسلسل واصفين العمل بأنه "علامة فارقة في تاريخ الفن السعودي".
على جانب آخر اصطف عدد من الكُتّاب السعوديين للدفاع عن المسلسل في ظل حالة الانفتاح التي تعيشها البلاد، والتي انعكست في ظهور هذا المسلسل، وكذلك رأي الذين دعموه ودافعوا عنه.
وكتب الكاتب عبدالرحمن الراشد مقالاً تساءل في عنوانه (لماذا يحاربون العاصوف) أجاب فيه ضمن ما أجاب (يهاجمون «العاصوف» لأنه سلط الضوء على حقبة بقيت في الظلام عن عمد والمتطرفون من الصحويين يريدون إطفاء النور، وما يزيد غضبهم أنه يتزامن مع عودة الوعي وعودة الحياة والعودة إلى ما قبل 1979).
وأضاف الراشد في مقاله الذي نشره في صحيفة الشرق الأوسط (في هجومهم على دراما العاصوف، يلتقطون بعض القصص الصغيرة لتشويه الفكرة، مثل حكاية اللقطاء والخلافات والغزل. نعم كل ما ورد حقيقي، فقد كان مجتمعاً عادياً فيه كل العيوب التي تعرفها المجتمعات الحضرية).
أما فاضل العماني في صحيفة (الرياض) السعودية فقد قال إن (ما أحدثه هذا العمل الدرامي من تموجات وجدالات وصراعات، منذ حلقاته الأولى، بين مختلف شرائح وفئات وتعبيرات المجتمع السعودي، يتناغم مع متطلبات المرحلة الجديدة التي يمر بها الوطن الذي يشهد تحولاً هائلاً في كل التفاصيل وعلى كل المستويات).
كما كتب سطام المقرن في صحيفة الوطن السعودية أن (المسلسل أظهر بعض الأسرار الاجتماعية المدفونة، وسلط الضوء على بعض المشاكل الاجتماعية المسكوت عنها، فقد دأب البعض يتخيل (زمن الطيبين) بنظرة طوباوية خالية من العيوب مع تجاهل تام للواقع الاجتماعي الذي كان يعيشه الناس).
هذا هو باختصار مربط الفرس الذي اثار الجدل وقلب موازين الدراما فالناس متشوقة لمعرفة فترة تاريخية مهمة في حياة السعودية خصوصاً مع وجود نظرة كلاسيكية وضبابية عن هذه الفترة أو أحياناً نظرة رومانسية أو نوستالجية لا علاقة لها بحقائق كانت موجودة، كل ذلك في مواجهة نظرة متحفظة لا تريد أن تجرح نفسها ولو بمجرد التخيل بأن هناك واقعاً آخر غير ما يبغون.
أما الجانب الفني فله دور أيضاً في قلب موازين الدراما بهذا المسلسل بدءاً من الجانب الفني والديكورات للبيوت الطينية، والأحياء الشعبية، وصورة لبرج المياه، الذي يقع في قلب الرياض، وقد مثَّل هذا البرج وغيره التطـور الذي كان يعيشه أهالي تلك الحقبة، وهي فعلاً مبهرة حيث تم تصويرها بالكامل باستوديوهات two four 54 بأبوظبي التي تحولت لورشة عمل ضخمة لبناء هذا العمل الكبير، بحيث تحاكي الديكورات عدداً من أحياء مدينة الرياض خلال حقب زمنية مختلفة بالاستعانة بأرشيف كبير من الصور الفوتوغرافية التي توثق تاريخ العاصمة ومراحل تطورها العمراني.
كذلك مشاهد السـوق الذي يمثل "الحراج"، حيث عمليات البيع والشراء وقد كان السوق أحد أهم مصادر الرزق في العاصمة الرياض حينها، والمشاهد التي غلب عليها طابع البساطة، حيث اجتماع أهالي الحي، والترحيب بالضيوف لحظة الدخول لتناول وجبة العشاء، ناهيك عن طقوس الزواج ومشاهد الأفراح، وإحياء حفلات الأعراس فوق أسطح المنازل، مع وجود السيارات الكلاسيكية، وكيف كان "الكدادة" يتجولون في الأحياء لتلبية طلبات التنقل الخاصة، وغير ذلك من المشاهد التي أخرجها بمهارة المثني صبح.
كل ذلك بصحبة الفن الأصيل والجميل المغلف بمشاعر الحنين، لفريد الأطرش، ومحمد عبده، وصور أم كلثوم، وعبدالحليم حافظ المعلقة على جدران غرف البعض، تأصيلاً لحب الفن ونوعاً من الانفتاح في هذا الزمن عكس ما يتصور البعض.
وأخيرا فإن أداء الممثلين كان ملفتاً بدوره وعلى رأسهم ليلى السلمان، التي جسدت دور "هيلة"، أم الأبطال الثلاثة الآخرين ناصر القصبي الذي يخلع ثوب الكوميديا هذا الموسم، ليطلّ على جمهوره مرتدياً الثوب الدرامي متمسكا بمشاغباته الرمضانية، وعبدالإله السناني أو "محسن" الذي يعمل محامياً بعد تخرجه في إحدى جامعات مصـر، ويعيش مع عائلته في الرياض، ويعيش قصة حب رومانسية مع سهير التي أحبها خلال فترة دراسته في مصر ، وعبدالعزيز السكيرين، أو "محمد – أبوسعد"، الذي يجسد دور رجل الدين الشامي الذي يسعي للزواج على زوجته، من “سعدية" التي تؤدي دورها مديحة كنيفاتي، الممثلة السورية، لكنه يواجه صعوبة كبيرة في إقناع إخوته بذلك، وأخيراً "حمـود"، الذي يجسد دوره الممثل حبيب الحبيب، ويتم القبض عليه بسبب مشاركته في أحد الاحتجاجات في تلك الحـقبة.