السعودية والحرب ضد الإرهاب.. ولي العهد يرسم استراتيجية النصر
"إننا نتوعّد كل من تسوّل له نفسه القيام بعمل إرهابي واستغلال خطابات الكراهية بعقاب رادع ومؤلم وشديد للغاية".. رسائل حازمة وحاسمة وجهها الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي لللإرهابيين وداعميهم ورعاتهم.
رسائل تحمل دلالات هامة من حيث التوقيت والمضمون، تؤكد فيها المملكة مجددا أنها لا مساومة على أمن واستقرار السعودية بأي شكل كان، وأن المملكة ماضية في حربها الناجحة لمكافحة الإرهاب والتي حققت خلالها انتصارات نوعية.
تأتي تلك الانتصارات وفاء بتعهد قطعه الأمير محمد بن سلمان في تصريحات له في أكتوبر/تشرين الأول 2017، بشأن "القضاء على بقايا التطرف في القريب العاجل"، وإعادة المملكة "إلى الإسلام الوسطي المعتدل والمنفتح على جميع الأديان".
ذلك التعهد أعاد ولي العهد السعودي التذكير به في تصريحاته مساء الخميس، والتي قدم فيها كشف حساب بإنجازات المملكة في محاربة الإرهاب، ورؤيته المستقبلية الشاملة لاستمرار تلك الانتصارات.
من حيث التوقيت تأتي رسائل ولي العهد السعودي بعد يوم من اعتداء جدة الأربعاء، والهجوم على السفارة السعودية في مدينة لاهاي الهولندية الخميس، الذي وصفهما ولي العهد السعودي بأنهما "محاولات فردية معدودة ولم تحقق أهدافها البغيضة"، لإغلاق الطريق على أي محاولات من الإرهابيين وداعميهم للتشويش على انتصارات المملكة النوعية وجهودها الاستباقية لمكافحة الإرهاب.
رصد واف وتحليل دقيق
تصريحات الأمير محمد بن سلمان عن جهود المملكة في مكافحة الإرهاب التي نشرتها وكالة الأنباء السعودية، مساء الخميس، تضمنت رصدا لواقع مكافحة الإرهاب بالمملكة، والإنجازات والانتصارات النوعية التي حققتها، وخارطة طريقة مستقبلية لمكافحة تلك الآفة.
وفي معرض حديثه عن جهود المملكة في مكافحة آفة الإرهاب والتطرف، قدم الأمير محمد بن سلمان مقارنة لظاهرة التطرف في السابق، وما وصل إليه الحال.
وقال في هذا الصدد: "كانت ظاهرة التطرف بيننا بشكل مستشرٍ، ووصلنا إلى مرحلة نهدف فيها - في أفضل الأحوال - إلى التعايش مع هذه الآفة، ولم يكن القضاء عليها خياراً مطروحاً من الأساس، ولا السيطرة عليها أمراً وارداً".
وأردف :"لقد قدمت وعوداً في عام 2017م بأننا سنقضي على التطرف فوراً، وبدأنا فعلياً حملة جادة لمعالجة الأسباب والتصدي للظواهر، وخلال سنة واحدة، استطعنا أن نقضي على مشروع أيديولوجي صُنع على مدى 40 سنة".
وتابع : "واليوم لم يعد التطرف مقبولاً في المملكة العربية السعودية، ولم يعد يظهر على السطح، بل أصبح منبوذاً ومتخفياً ومنزوياً".
ومن ثم عرج الأمير محمد بن سلمان عن الرؤية المستقبلية لمكافحة الإرهاب، قائلا : "ومع ذلك سنستمر في مواجهة أي مظاهر وتصرفات وأفكار متطرفة".
تحذيرات هامة
وحذر ولي العهد السعودي من خطورة خطاب الكراهية وازدراء الأديان، وشدد على رفضه الربط بين الإسلام والإرهاب.
وبين: "أن خطاب الكراهية هو الدافع الرئيسي لتجنيد المتطرفين وأن ذلك يشمل خطاب الكراهية الذي يستخدم حرية التعبير وحقوق الإنسان كمبرر".
وتابع :" المملكة في الوقت الذي تدين وتنبذ كل عمل إرهابي أو ممارسات وأعمال تولد الكراهية والعنف وتلتزم بمواجهة خطاب التطرف، فإنها ترفض أي محاولة للربط بين الإسلام والإرهاب، وتؤكد على أن الحرية الفكرية وسيلة للاحترام والتسامح، كما أن الإسلام يجرّم هذه العمليات الإرهابية ويحرّم إراقة الدماء ويمنع الغدر بالآمنين وقتلهم بدون وجه حق".
وفي رسالة قوية قال ولي العهد السعودي: "وإننا نتوعّد كل من تسوّل له نفسه القيام بعمل إرهابي واستغلال خطابات الكراهية بعقاب رادع ومؤلم وشديد للغاية".
وفي رسالة للعالم، قال: "إننا نأمل ان يتوقف العالم عن ازدراء الأديان ومهاجمة الرموز الدينية والوطنية تحت شعار حرية التعبير لأن ذلك سيخلق بيئة خصبة للتطرف والإرهاب".
لغة الأرقام..صفر عملية
الأمير محمد بن سلمان عبر بلغة الأرقام عن إنجازات المملكة في حربها ضدر الإرهاب.
وقال في هذا الصدد: "أنه منذ أول عملية إرهابية في 1996 م وبشكل متزايد حتى عام 2017م، يكاد لا يمر عام بدون عملية إرهابية، بل وصل الحال إلى عملية إرهابية في كل ربع عام أو أقل".
وبين إنه "بين عامي 2012م و2017م وصل هؤلاء الإرهابيون إلى داخل المقرات الأمنية نفسها".
ثم عرج إلى نقل التحول في محاربة الإرهاب بعد التعهد الذي قطعه بالقضاء على الإرهاب، قائلا : "ومنذ منتصف عام 2017، وبعد إعادة هيكلة وزارة الداخلية وإصلاح القطاع الأمني، انخفض عدد العمليات الإرهابية في السعودية حتى اليوم، إلى ما يقارب الـ "صفر" عملية إرهابية ناجحة باستثناء محاولات فردية معدودة ولم تحقق أهدافها البغيضة. فعملنا اليوم أصبح استباقياً".
وأردف: "وسنستمر في الضرب بيد من حديد ضد كل من تسول له نفسه المساس بأمننا واستقرارنا."
هجمات جدة ولاهاي.. أهداف بغيضة
"محاولات فردية معدودة ولم تحقق أهدافها البغيضة" هذا هو الوصف الذي أطلقه الأمير محمد بن سلمان على بعض الهجمات التي لاتزال تشهدها المملكة ، والتي يستهدف مدبروها ومنفذوها التشويش على الانتصارات النوعية التي حققتها المملكة في حربها ضد الإرهاب.
وأعلنت السعودية الأربعاء وقوع حادثة اعتداء أثناء حضور عدد من القناصل من بينهم القنصل الفرنسي لمناسبة في جدة، الأمر الذي أسفر إصابة أحد موظفي القنصلية اليونانية ورجل أمن سعودي بإصابتين طفيفتين.
كما تعرضت سفارة المملكة العربية السعودية في مدينة لاهاي الهولندية لإطلاق نار فجر الخميس، دون تعرض أي من منسوبي البعثة لأي إصابات.
إنجازات أمنية نوعية
محاولات فردية لم تؤثر بحال من الأحوال على الانتصارات النوعية التي حققتها المملكة، والتي أكدتها تصريحات ولي العهد السعودي، وتم ترجمتها على أرض الواقع من خلال الضربات المتتالية للإرهابيين في السعودية، جنبا إلى جنب مع الجهود الدعوية والفكرية والتنموية لاجتثاث جذور الإرهاب.
على الصعيد الأمني قامت المملكة بجهود بارزة وحقق انتصارات نوعية متتالية في حربها ضد الإرهاب، تجلت بوضوح في ضرباتها المتلاحقة للإرهابيين والتي فضحت أيضاً الدول التي تدعمهم وترعاهم.
وفي هذا الصددد، كشفت رئاسة أمن الدولة السعودية الشهر الماضي إنه تم إحباط العديد من العمليات الإرهابية "كانت على وشك التنفيذ" بمواد تفجير بلغت 49 طنا.
أحدث تلك العمليات تم الكشف عنها، مساء 28 سبتمبر/إيلول الماضي، بإعلان أمن الدولة السعودي القبض على خلية إرهابية تلقت عناصرها تدريبات عسكرية داخل مواقع للحرس الثوري في إيران.
وأعلن أمن الدولة السعودي القبض على عناصر هذه الخلية وعددهم 10 متهمين، 3 منهم تلقوا التدريبات في إيران، أما البقية فقد ارتبطوا مع الخلية بأدوار مختلفة، بالإضافة إلى "ضبط كمية من الأسلحة والمتفجرات مخبأة في موقعين".
جاء ذلك بعد شهور من إلقاء الأجهزة الأمنية السعودية، وتحديدا في 7 يناير الماضي، القبض على الإرهابي محمد بن حسين علي آل عمار بمحافظة القطيف، والذي يعد أخطر الإرهابيين بقائمة الـ"9" الإرهابية التي أعلنت عنها وزارة الداخلية السعودية عام 2016.
وأحبطت الجهات الأمنية السعودية أيضا العديد من المخططات الإرهابية منذ تولي الملك سلمان الحكم في 23 يناير 2015، منها إحباط هجوم انتحاري، في 4 يوليو/تموز 2016، كان يستهدف المسجد النبوي.
وكذلك إحباط مخطط لتفجير ملعب "الجوهرة" (غرب)، في 11 أكتوبر/تشرين الأول 2016، وأيضاً إحباط "محاولة انتحارية" كانت تستهدف السفارة الأمريكية بالرياض، في مارس/آذار 2015.
وفي خطوة مهمة على طريق الحرب على الإرهاب صدر في 20 يوليو/تموز 2017 أمر ملكي سعودي بإنشاء جهاز رئاسة أمن الدولة".
ونجح الجهاز في التركيز على مكافحة الإرهاب أمنياً واستخباراتياً، ومراقبة تمويله مالياً، كما سهل التواصل مع الجهات ذات العلاقة خارجياً وسيكون أكثر كفاءة.
وعلى مدار عام 2019، نجحت قوات الأمن السعودية أيضاً في إحباط العديد من العمليات الإرهابية، وقتل وتوقيف الإرهابيين المهاجمين وإفشال مخططاتهم.
وكانت السعودية قد استهلت كذلك عام 2019 بتنفيذ عملية أمنية استباقية استهدفت وكرا للإرهابيين في القطيف شرقي المملكة، أسفرت عن إحباط مخطط إجرامي والقضاء على (6) إرهابيين والقبض على أحدهم.
أيضا تم إحباط هجمات كانت تستهدف رجال أمن ومنشآت حيوية، وتفكيك خلايا وتنظيمات الإرهابية، بجانب إحباط "هجمات إلكترونية منظمة على جهات حكومية ومنشآت حيوية".
جهود دعوية متكاملة
وجنبا إلى جنب مع الجهود الأمنية الناجحة في المملكة لمحاربة الإرهاب، تقوم السعودية بجهود دعوية بارزة لمحاربة التنظيمات الإرهابية فكريا، وعلى رأسها تنظيم الإخوان.
وفي هذا الصدد، أصدرت هيئة كبار العلماء، بيانا، مساء الثلاثاء، أكدت فيه "أن جماعة الإخوان جماعة إرهابية لا تمثل منهج الإسلام، وإنما تتبع أهدافها الحزبية المخالفة لهدي ديننا الحنيف، وتتستر بالدين وتمارس ما يخالفه من الفرقة وإثارة الفتنة والعنف والإرهاب".
ودعا كبار العلماء في السعودية الجميع إلى "الحذر من هذه الجماعة وعدم الانتماء إليها أو التعاطف معها.".
في السياق نفسه، وجه الدكتور عبداللطيف آل الشيخ وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد بتخصيص خطبة الجمعة القادمة للحديث عن أهمية الاجتماع على الحق والتحذير من التفرق والاختلاف وكل ما يؤثر على وحدة الصف خلف ولي الأمر، والتحذير من الجماعات ذات البيعة والتنظيم وفي مقدمتها جماعة الإخوان الإرهابية وأنهم من الخوارج.
يأتي هذا في إطار حرص وزارة الشؤون الإسلامية على أهمية البيان الشرعي والتحذير من الجماعات المتطرفة وبيان خطرهم على الدين والمجتمع.
وإلى جانب الجهود الأمنية لمكافحة الإرهاب في المملكة، تشهد السعودية جهود دعوية متواصلة لنشر الوسطية والاعتدال ومحاربة التطرف.
وضمن هذه الجهود، نظمت وزارة الشؤون الإسلامية للدعوة والإرشاد بالسعودية العديد من المحاضرات والخطب والندوات التي تنظم في مختلف المناطق ضمن رؤية شاملة، تستهدف توجيه ضربة قاضية لفلول تلك الجماعة الإرهابية.
وإلى جانب الجهود الأمنية والتشريعية والدعوية، تأتي التنمية ضمن رؤية 2030 ضلعا أساسيا في استراتيجية المملكة الشاملة لمكافحة الإرهاب.
دلالات هامة
رسائل ولي العهد السعودي والضربات المتتالية للإرهابيين في السعودية، والجهود الدعوية والتنموية لمحاربة الإرهاب تكشف عن إصرار قوى على اجتثاث الإرهاب من جذوره داخل المملكة رغم أنف قوى الشر وداعميهم.
كما تؤكد عزم وحزم السعودية على المضي في ملاحقة العناصر الإرهابية وتضييق الخناق عليهم، وإفشال مخططاتهم التي ينفذونها خدمة لأجندات خارجية.
كما تعكس أيضاً كفاءة الأجهزة الأمنية وجاهزيتها العالية في التعامل مع تلك العمليات، سواء على صعيد العمليات الاستباقية، كما حدث في القطيف، عبر التصدي لمؤامرات ومخططات الإرهابيين مبكرا قبل أن يشرعوا في تنفيذها أو في سرعة الرد على الهجمات الإرهابية الغادرة كما حدث في الزلفي.
أيضا يبرز هذا التفوق الأمني نجاح الاستراتيجية الشاملة للمملكة في مواجهة الإرهاب، والتي تستند إلى جانب الأمن على محاور التنمية والتشريعية والتوعية والدعوة.
كذلك توجه رسائل ولي العهد السعودي رسائل هامة للعالم بخطورة ازدراء الأديان وحدود حرية التعبير وأهمية نشر التسامح، في إطار مقاربة شاملة لمكافحة الإرهاب وتجفيف منابعه وإغلاق الطريق أما المتطرفين للتغرير بالشباب.
aXA6IDMuMTUuMTcuNjAg جزيرة ام اند امز