حوار محمد بن سلمان "الاستثنائي".. رسائل "حزم" ترسم مستقبل السعودية
رسائل وتحذيرات قوية وإضاءات هامة وجهها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خلال حواره مع مجلة ذي أتلانتيك الأمريكية.
حوار اتسم بشفافية عالية وثقة كبيرة ورؤية ثاقبة، رسم من خلاله خارطة طريق لسياسة بلاده الداخلية والخارجية ومحدداتها وثوابتها، وكشف المؤامرات التي تحاك ضدها.
واستفاض ولي العهد السعودي خلاله في الحديث عن تلك السياسات بشقها السياسي والاقتصادي والديني والأمني والثقافي والاجتماعي، داعما حديثه بدروس التاريخ وتطورات الحاضر ولغة الأرقام، ليؤكد أن تلك الحقائق ستقود حتما لنجاح طموحاته المستقبلية للمملكة والمنطقة.
وفيما يتعلق بسياسة بلاده الخارجية، وجه ولي العهد السعودي رسائل إيجابية ترسم ملامح مستقبل مستقر ومزدهر للمنطقة، حيث وصف إيران بـأنها "جار للأبد"، وإسرائيل بأنها "حليف محتمل" وليست عدوا، وقطر بأنها "شقيق" تم تجاوز الخلاف معها، وأن مجلس التعاون الخليجي هو "دولة واحدة".
ولكنه وضع ضوابط ومحددات للتعايش مع إيران، والتعاون مع إسرائيل، كما كشف عن اتفاق دول مجلس التعاون على ثوابت للعلاقات تقوم في مجملها على "ألَّا تقوم أي دولة بأي تصرف سياسي، أمني، اقتصادي من شأنه أن يُلحق الضرر بدول مجلس التعاون الخليجي الأخرى".
ووضع الأمير محمد بن سلمان أيضا النقاط على الحروف فيما يتعلق بنقاط هامة في سياسات المملكة الخارجية، خصوصا العلاقة مع الولايات المتحدة في ظل إدارة الرئيس جو بايدن.
وشدد على أنه "ليس لأحد الحق في التدخل في شؤن بلاده الداخلية"، مشيرا إلى أن بلاده لديها علاقات ومصالح سياسية واقتصادية وأمنية ودفاعية مع أمريكا تستهدف تعزيزها، لكنه بين أيضا أن هناك "فرصة كبيرة لخفضها في عدة مجالات"، مشيرا إلى أن الأمر يعود لواشنطن "سواء كنتَ تريد الفوز بالسعودية أو الخسارة".
وفيما يتعلق بسياسة بلاده الداخلية، أكد أن نظام حكم "الملكية المطلقة"، هو الأنسب لبلاده، نافيا احتمال تغييرها بملكية دستورية.
وأكد أن جميع أفراد الأسرة المالكة جزء من الشعب والجميع سواسية أمام القانون، مشيرا إلى أنه "ليس لأي فرد من الأسرة المالكة حق خاص ليمارسه ضد الشعب، وإذا تخطى حدًّا فسيُعاقب مثل أي شخص في السعودية".
وكشف أن الاعتقالات التي جرت في فندق ريتز كارلتون لشخصيات اقتصادية وسياسية عام 2017، كانت في إطار الحرب على الفساد، وثبتت براءة بعضهم والتسوية مع البعض الآخر، وإحالة آخرين للنيابة، لكنها في مجملها حققت هدفها، والجميع يدرك حاليا أنه "لو سرق أحدهم 100 دولار فسيدفع الثمن".
وأشار ولي العهد السعودي إلى أن هناك من سعى لإفشال مشروع رؤية 2030، ولكنه أكد في رسالة قوية أنهم "لن يستطيعوا المساس به، ولن يفشل أبدًا".
وأكد أن الإصلاحات التي تشهدها المملكة خاصة فيما يتعلق بقضايا المرأة ليست من أجل استرضاء أحد وإنما لصالح أهل المملكة، نافيا تأثيرها على "الهوية السعودية الإسلامية"، مؤكدا أن ما يجرى حاليا هو العودة إلى "الإسلام النقي".
ونفى صلة الوهابية بالتطرف، محملا جماعة الإخوان المسلمين المسؤولية عن الدور الكبير والضخم في خلق التطرف.
وأكد أن تلك السياسات في مجملها ساهمت في أن تصبح "السعودية واحدة من أسرع البلدان نموًّا في العالم، وستُصبح قريبًا جدًّا البلد الأسرع نموًّا في العالم".
الإخوان سبب التطرف
فيما يتعلق بسياسات بلاده الداخلية، نفى ولي العهد السعودي أن تضعف الإصلاحات الجارية هوية السعودية الإسلامية، مشددا على تمسك بلاده بهويتها قائلا: "إن دولتنا قائمة على الإسلام، وعلى الثقافة القبلية، وثقافة المنطقة، وثقافة البلدة، والثقافة العربية، والثقافة السعودية، وعلى معتقداتها، وهذه هي روحنا، وإذا تخلصنا منها، فإن هذا الأمر يعني أن البلد سينهار".
وأكد أن ما تشهده السعودية من إصلاحات تستهدف وضع البلاد "على المسار الصحيح" عبر الرجوع ""إلى تعاليم الإسلام الحقيقية... إلى الإسلام النقي".
وحمل جماعة الإخوان المسلمين المسؤولية عن خلق التطرف، وقال بأنها "تلعب دورا كبيرا وضخما في خلق كل هذا التطرف، وبعضهم يعد كجسر يودي بك إلى التطرف (...) فعلى سبيل المثال: أسامة بن لادن والظواهري كانا من الإخوان المسلمين، وقائد تنظيم داعش كان من الإخوان المسلمين، ولذلك تعد جماعة الإخوان المسلمين وسيلة وعنصرا قويا في صنع التطرف على مدى العقود الماضية".
ونفى ولي العهد السعودي صلة الوهابية بالإسهام في صناعة التطرف قائلا: "واثق لو أن الشيخ محمد بن عبدالوهاب، والشيخ عبدالعزيز بن باز، ومشايخ آخرين موجودين الآن، فسيكونون من أول الناس المحاربين لهذه الجماعات المتطرفة الإرهابية".
وبين أن "الشيخ محمد بن عبدالوهاب ليس السعودية، فالسعودية لديها المذهب السنّي والشيعي، وفي المذهب السنّي توجد أربعة مذاهب، ولدى الشيعة مذاهب مختلفة كذلك، ويتم تمثيلها في عدد من الهيئات الشرعية".
وقال إن "الشيخ محمد بن عبدالوهاب، هو كسائر الدعاة وليس رسولًا، بل كان داعية فقط، ومن ضمن العديد ممن عملوا من السياسيين والعسكريين في الدولة السعودية الأولى، وكانت المشكلة في الجزيرة العربية آنذاك أن الناس الذين كانوا قادرين على القراءة أو الكتابة هم فقط طلاب محمد بن عبدالوهاب، وتمت كتابة التاريخ بمنظورهم، وإساءة استخدام ذلك من متطرفين عديدين".
محاربة التطرف.. مشروع جديد
وفي هذا الصدد يكمل: "المتطرفون اختطفوا الدين الإسلامي وحرفوه، بحسب مصالحهم".
ولفت في هذا الصدد إلى قيام "تنظيمي القاعدة وداعش باستخدام الأحاديث النبوية الضعيفة جدًّا، والتي لم تثبت صحتها، لإثبات وجهة نظرهم".
وكشف في هذا الصدد عن مشروع جديد للمملكة لمحاربة التطرف عبر "تثقيف العالم الإسلامي حول طريقة استخدام الحديث النبوي"، وبين أن "هذا سيُحدث فارقًا كبيرًا".
وقال "نحن في المراحل النهائية، وأعتقد أنه يُمكننا إخراجها ربما بعد عامين من اليوم، إنه مُجرد توثيق للحديث بالطريقة الصحيحة."
نظام الحكم
الحوار الذي اتسم بالشفافية، تعرض أيضا للحديث عن نظام الحكم في المملكة وإمكانية تغييره، إلا أن ولي العهد السعودي أكد ردا على هذا السؤال أن "الملكية المطلقة" هو نظام الحكم الأنسب للمملكة، قائلا "لا أستطيع تغيير السعودية من ملكية إلى نظام مختلف، وذلك لأن الأمر مرتبط بملكية قائمة منذ ثلاث مئة سنة"، نافيا احتمال تغييرها إلى "ملكية دستورية".
وأردف: "لن تنجح الملكية الدستورية، فقد تم تأسيس السعودية على الملكية المطلقة".
لكنه بين أن "السعودية كملكية مطلقة، لا تعني أن الملك يمكنه أن يستيقظ غدًا ويفعل ما يحلو له، فهناك أمر أساسي يقود الطريقة الشرعية لإدارة شؤون البلاد، وهو النظام الأساسي للحكم، الذي ينص بوضوح أن هناك ثلاث سلطات: الأولى السلطة التنفيذية، التي يقودها الملك كرئيس لمجلس الوزراء، أما السلطتان الأخريان القضائية والتنظيمية، فلا يقودهما ولكن يقوم بتعيينهما".
وأكد على أن الأسرة الحاكمة في المملكة "ليس لديها مفهوم الدماء الملكية، وطريقتنا كأسرة مالكة هي خدمة الشعب والحفاظ على وحدته".
وأردف: "نحن جزء من الشعب، فعلى سبيل المثال، والدتي ليست من الأسرة المالكة، بل من أسرة قبلية، من قبيلة العجمان من قبائل يام، وعددهم ما يقارب مليون نسمة في السعودية، وإذا نظرتم إلى الأسرة المالكة، ستجدون أننا نتزوج بعامة الناس، وأننا جزء منهم".
وأكد على أن أفراد الأسرة الحاكمة يخضعون للقانون مثلهم مثل أفراد الشعب قائلا: "نحن جزء من الشعب، وليس لأي فرد من الأسرة المالكة حق خاص ليمارسه ضد الشعب، وإذا تخطى حدًّا فسيُعاقب مثل أي شخص في السعودية".
المؤامرة على رؤية 2030
ونفى الأمير محمد بن سلمان مجددا صلته بمقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، وبين: "إن ما حدث يُعد أمرًا مؤلمًا، ونتمنى ألَّا يحدث لمواطن سعودي أو لأي مواطن في العالم بأسره"، وبين أن من قاموا بذلك يقضون عقوبتهم الآن.
وكشف أن الحملة التي استهدفته على إثر تلك الحادثة كانت تستهدف إفشال رؤية 2030 التي يقود تنفيذها.
وقال في هذا الصدد: "هناك العديد من الناس الذين يريدون أن يتأكدوا من أن مشروعي، مشروع السعودية اليوم رؤية 2030 يفشل".
وبين أن "هناك صلة بين مجموعات في الغرب، ومجموعات في الشرق الأوسط، الذين لديهم مصالح في أن يرونا نفشل".
وفي رسالة قوية، قال: "ولكنهم لن يستطيعوا المساس به، ولن يفشل أبدًا، ولا يوجد شخص على هذا الكوكب يمتلك القوة لإفشاله".
العلاقات مع أمريكا
وفيما يتعلق بالعلاقة مع أمريكا في ظل إدارة جو بايدن، قال ولي العهد السعودي: "نحن لدينا علاقة طويلة وتاريخية مع أمريكا، وبالنسبة لنا في السعودية هدفنا هو الحفاظ عليها وتعزيزها".
ولكنه بين أنه "ليس لأحد الحق في التدخل في شؤوننا الداخلية"، وشدد على أن "ممارسة الضغوط لم تجد نفعًا على مدى التاريخ، ولن تجدي نفعًا".
وفي رده على سؤال ما إذا كانت بلاده تسعى لتعزيز علاقاتها الاقتصادية بالصين بدل أمريكا، قال في إجابة لم تخل من توجيه رسائل في أكثر من اتجاه: "السعودية واحدة من أسرع البلدان نموًّا في العالم، وستُصبح قريبًا جدًّا البلد الأسرع نموًّا في العالم. لدينا اثنان من أكبر عشرة صناديق في العالم".
وتابع: "المملكة تمتلك واحدة من أكبر الاحتياطيات بالعملة الأجنبية في العالم، والسعودية لديها القدرة على تلبية 12% من الطلب على البترول في العالم (...) وإجمالي الاستثمارات السعودية في أمريكا هو 800 مليار دولار، وفي الصين، حتى هذا الوقت، استثمرنا أقل من 100 مليار دولار، ولكن يبدو أنها تنمو هناك بسرعة كبيرة، كما أن لدى الشركات الأمريكية تركيزا كبيرا على المملكة العربية السعودية، إذ لدينا أكثر من 300 ألف أمريكي في السعودية، وبعضهم يحملون كِلتا الجنسيتين، ويقيمون فيها، والعدد يزداد كل يوم".
وأردف: " لذا فالمصالح واضحة، والأمر يعود لكم سواء كنتَ تريد الفوز بالسعودية أو الخسارة".
السياسة الخارجية.. رسائل إيجابية
ووجه الأمير محمد بن سلمان رسائل إيجابية بالجملة فيما يتعلق بسياسة بلاده الخارجية، ولا سيما العلاقات مع قطر ودول مجلس التعاون الخليجي وإيان وإسرائيل.
وفيما يتعلق بالخلاف مع قطر، قال ولي العهد السعودي إنه كان "شجار بين أفراد العائلة.. شجار بين الأشقاء"، وبين أنه تم تجاوزه.
وأكد أن "هدفنا وتركيزنا منصب على كيفية بناء مستقبل رائع، فهم قريبون منا جدًّا الآن، وأصبحنا أفضل من أي وقت آخر على مر التاريخ".
وشد على أن "دول مجلس التعاون الخليجي مثل دولة واحدة"، وبين أن "هناك بضعة اختلافات، لكن دورنا يتمثل في تعزيز المصالح، وحل الاختلافات".
وفيما يتعلق بالعلاقات مع إيران، قال "إنهم جيراننا، وسيبقون جيراننا للأبد، ليس بإمكاننا التخلص منهم، وليس بإمكانهم التخلص منا، لذا فإنه من الأفضل أن نحل الأمور، وأن نبحث عن سُبل لنتمكن من التعايش".
وكشف في هذا الصدد عن مناقشات جارية بين البلدين للوصول لسبل التعايش، معربا عن أمله الوصول "لموقف يكون جيدًا لكلا البلدين، ويشكل مستقبلًا مشرقًا للسعودية وإيران".
وفي رده على سؤال عن إمكانية إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، قال في إجابة هي الأولى من نوعها لثاني أعلى مسوؤل بالمملكة: "إننا لا ننظر لإسرائيل كعدو، بل ننظر لهم كحليف محتمل في العديد من المصالح التي يمكن أن نسعى لتحقيقها معًا".
لكنه رهن ذلك بتحقيق اشتراطات قائلا "يجب أن تحل بعض القضايا قبل الوصول إلى ذلك".
وأعرب عن أمله أن تُحل المشكلة بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
طموحات
وأكد ولي العهد السعودي أن نظام الحكم في المملكة ومشاريع رؤية 2030 والسياسات التي تتبناه بلاده والإصلاحات التي تنفذها ساهمت جميعا في قوة المملكة، وأن تكون من "أسرع البلدان نموًّا في العالم".
وبين أنه حاليا "السعودية دولة في مجموعة العشرين، حيث تمتلك 12% من احتياجات البترول، وثاني أكبر احتياطيات نفطية مثبتة في العالم، ولديها اثنان من أكبر الصناديق السيادية في العالم".
وفصل قائلا "السعودية عضو في مجموعة العشرين، بإمكانك رؤية ترتيبنا قبل 5 سنوات، كنَّا قريبين من المرتبة 20، أما اليوم فنحن على وشك الوصول إلى المرتبة 17 بين دول مجموعة العشرين، ونطمح للوصول إلى مرتبة أعلى من المرتبة 15 بحلول 2030 في عام 2021، فعلى سبيل المثال، كان هدفنا هو نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5.9%، ونعتقد أننا حققنا نسبة 5.6% في عام 2021، وهذا بالتأكيد يضعنا من بين أسرع الدول نموًّا في العالم، وفي العام المقبل، سينمو الاقتصاد بأكمله بنسبة تقارب 7%".