إجراءات السعودية ضد لبنان.. حزم مطلوب بعد صبر طويل
حزمة إجراءات سعودية رادعة ضد لبنان، تعكس نفاد صبرها على المواقف المستهجنة والأخطاء المتراكمة والإساءات المتواصلة من مسؤولين لبنانيين.
صبر الرياض الذي طال، حرصا على لبنان وشعبه وعلى العلاقات التي تربط البلدين، أساءت السلطات اللبنانية تفسيره مرارا، فكانت النتيجة تمادي مسؤوليه الموالين لحزب الله الإرهابي- ذراع إيران في لبنان- والمقربين منه في الإساءة للمملكة، فضلا عن ارتهان الدولة كلها للحزب الذي يعد دولة داخل الدولة.
سياسات حولت تبعية لبنان للمحور الإيراني المعادي للسعودية والعرب، وجعلته يبتعد كثيرا عن حاضنته العربية والخليجية، ويرهن إرادة الدولة وسيادتها وسياستها الخارجية بأيدي حزب الله الإرهابي.
أحدث الإساءات صدرت من وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي، عبر تصريحات أساء فيها لجهود السعودية والإمارات في دعم الشرعية باليمن ودافع عن مليشيات الحوثي الإرهابية.
وفي أعقاب تلك التصريحات، استدعت كل من السعودية والإمارات والكويت والبحرين سفراء لبنان وسلمتهم مذكرات احتجاج تتضمن رفضها واستنكارها التصريحات المسيئة لوزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي.
إجراءات قابلتها الحكومة والرئاسة اللبنانية بدفاع مستميت عن قرداحي تحت مبررات أن تلك التصريحات أدلى بها قبيل تنصيبه بشهر، وأنها لا تمثل موقف الحكومة.
تناغم موقف الحكومة والرئاسة مع بيان "حزب الله" الذي أشاد فيه بتصريحات قرداحي ومواقفه، وشن فيه هجوماً على الدول العربية وهاجم السياسيين اللبنانيين الذين اعترضوا على كلام قرداحي ووصفهم بالمأجورين وضعاف النفوس.
وبعد 48 ساعة من احتجاج المملكة، وعدم اتخاذ لبنان خطوات عملية تتناسب مع حجم الإساءة التي تعرضت لها المملكة، كان لا بد للرياض أن تصعد إجراءاتها الرافضة لتلك السياسات والإساءات، وترسل رسالة واضحة للسلطات اللبنانية بأنه قد نفذ رصيدكم لدينا من الصبر، وحان وقت الحزم.
5 إجراءات رادعة
وأعلنت السعودية، أمس الجمعة، استدعاء سفيرها في لبنان للتشاور ومغادرة سفير لبنان لدى المملكة خلال الـ48 ساعة القادمة، ووقف جميع الواردات اللبنانية إلى المملكة.
وإضافة لتلك الإجراءات الثلاثة، أعادت التأكيد على ما سبق أن صدر بخصوص منع سفر المواطنين إلى لبنان.
أيضا لوحت بمزيد من التصعيد، مشيرة إلى أنه "سيتم اتخاذ عدد من الإجراءات الأخرى" لحماية أمن المملكة وشعبها.
4 أسباب.. منها "حزب الله"
ومن باب الشفافية وحرصا على كشف الحقيقة أمام الرأي العام العربي والدولي، ومن باب جعل الباب مواربا لإعادة العلاقات حال قيام لبنان بتصويب سياساته، جاء بيان الخارجية السعودية مفسرا لتلك الإجراءات.
البيان شرح أسباب تلك الخطوات وأرجع ذلك لعدد من الأسباب، كلها ترتبط بشكل مباشر أو غير مباشر بحزب الله الإرهابي وسيطرته على صناعة القرارات والسياسات في لبنان.
- السبب المباشر هو التصريحات المسيئة للمملكة الصادرة من قبل وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي التي تضمنت افتراءات وقلبا للحقائق وتزييفها.
- تواصل الإساءات، حيث إن تلك التصريحات تمثل حلقة جديدة من المواقف المستهجنة والمرفوضة الصادرة عن مسؤولين لبنانيين تجاه المملكة وسياساتها فضلاً عمّا.
- عدم اتخاذ لبنان الإجراءات التي طالبت بها المملكة لوقف تصدير آفة المخدرات من لبنان من خلال الصادرات اللبنانية للمملكة، لا سيما في ظل سيطرة حزب الله الإرهابي على كافة المنافذ، وكذلك عدم اتخاذ العقوبات بحق المتورطين في تلك الجرائم التي تستهدف أبناء شعب المملكة العربية السعودية، وعدم التعاون في تسليم المطلوبين للمملكة بما يخالف اتفاقية الرياض للتعاون القضائي.
- قيام حزب الله بتوفير الدعم والتدريب لميليشيا الحوثي الإرهابية.
إساءات متواصلة
بيان يوضح بشكل مباشر أن صبر الرياض قد طال إزاء الإساءات المتواصلة والمواقف المرفوضة، فعلى صعيد الإساءات، لم تكن إساءات قرداحي الأولى، ففي يونيو/ حزيران 2019، سبق أن قام وزير الخارجية اللبناني آنذاك جبران باسيل، صهر الرئيس اللبناني ميشال عون بإطلاق تصريحات مسيئة للمملكة، زاعما وجود عمالة سعودية في لبنان.
وفي مايو/أيار 2021، قام شربل وهبة وزير الخارجية في حكومة حسان دياب السابقة بتوجيه إساءات للمملكة ودول الخليج.
وكان شربل دخل في مشادة كلامية مع المحلل السياسي السعودي سلمان الأنصاري أثناء استضافتهما في لقاء على قناة "الحرة" الأمريكية، حيث وجه وهبة إساءات للسعودية، ووصف ضيفه بأنه من "أهل البدو".
وجاءت التصريحات المسيئة في معرض دفاع مستميت من وهبة عن حزب الله الإرهابي.
وفجرت تصريحات وهبة آنذاك، موجة من الرفض والاستنكار شملت مختلف الفرقاء وسط إجماع على رفض الإساءة لدول الخليج والسعودية، قبل أن يقدم وهبة طلب إعفائه من مسؤولياته لكل من الرئيس ميشال عون ورئيس حكومة تصريف الأعمال السابقة دياب.
مواقف مرفوضة
فعلى صعيد المواقف المرفوضة، منذ 2015 خرج حزب الله عن مبدأ النأي بالنفس، ولم يتورع عن إرسال سلاح وخبراء ومقاتلين للقتال جانب الحوثيين ضد الشرعية اليمنية.
وفي يناير 2016، رفضت الخارجية اللبنانية إدانة الاعتداء الإيراني على السفارة السعودية في طهران .
وفي سبتمبر/ أيلول 2019 رفض لبنان إدانة هجمات إرهابية على منشآت تابعة لأرامكو.
إرهاب حزب الله
مواقف تؤكد سيطرة حزب الله على القرار اللبناني، سيطرة كانت نتيجتها انتقال الحزب إلى "إرهاب المخدرات"، عبر إصراره على إغراق المنطقة بالمواد الممنوعة.
ولا يقل "إرهاب المخدرات" الذي تنتهجه مليشيات حزب الله اللبناني عن "الإرهاب المسلح" الذي تجيده برعاية إيرانية وتحاول دول العالم والمنظمات الدولية الوقوف له بالمرصاد.
لا يكاد يمر شهر حتى تحبط السلطات السعودية محاولة جديدة لحزب الله لتهريب المواد المخدرة إلى السعودية، بعضها عبر محطات دولية قبل إيصالها إلى المملكة؛ بهدف تشتيت الأنظار، بعد الإحباط المتكرر للشحنات القادمة مباشرة من لبنان.
ففي سبتمبر/ أيلول الماضي، كشفت السعودية عن إحباط دخول 451807 أقراص من مادة الأمفيتامين المخدرة، وتتولاها شبكة متصلة بتنظيم «حزب الله» اللبناني لتهريب كمية ضخمة من المواد المحظورة.
العملية الأمنية الناجحة جاءت بعد متابعة دقيقة من وزارة الداخلية السعودية وبالتعاون مع السلطات النيجيرية، التي عملت مع السعودية على متابعة مسار المواد المخدرة وضبطها، ومنعت محاولة التهريب عن طريق البحر، بعد إخفاء المخدرات داخل معدات ميكانيكية قادمة من نيجيريا باتجاه دولة أخرى قبل إرسالها في النهاية إلى السعودية.
وفي يونيو/حزيران الماضي، أعلنت الداخلية السعودية، إحباط محاولة تهريب 14.4 مليون قرص مخدر في شحنة ألواح حديدية قادمة من لبنان.
وحظرت السعودية في أبريل/نيسان الماضي واردات المنتجات الزراعية اللبنانية، بعد أن تزايدت محاولات تهريب المخدرات من لبنان عبر شحنات الرمان والفواكه.
وقالت السعودية في وقت سابق، إن الجهات المعنية لاحظت تزايد استهداف المملكة من مهربي المخدرات في لبنان، وأضافت أن "على سلطات لبنان تقديم ضمانات موثقة لاتخاذ إجراءات لوقف تهريب المخدرات الممنهج".
ولكن على أرض الواقع لم تتخذ السلطات اللبنانية الإجراءات التي طالبت بها المملكة لوقف تصدير آفة المخدرات من لبنان من خلال الصادرات اللبنانية للمملكة، لا سيما في ظل سيطرة حزب الله الإرهابي على كافة المنافذ، وكذلك عدم اتخاذ العقوبات بحق المتورطين في تلك الجرائم التي تستهدف أبناء شعب المملكة العربية السعودية، وعدم التعاون في تسليم المطلوبين للمملكة بما يخالف اتفاقية الرياض للتعاون القضائي.
أيضا واصل حزب الله الإرهابي دعم ميلشيات الحوثي الإرهابية عبر إمداده بالأسلحة والخبراء دون أن تحرك السلطات اللبنانية ساكنا لوقف ذلك الإرهاب.
مواقف سامية
وفي موقف يجسد سمو سياسة المملكة، آثرت السعودية إرساله سالة واضحة بشأن عدم تحميل الجالية اللبنانية لديها مسؤولية فشل وتخاذل حكومتها.
وأكدت حكومة المملكة حرصها على المواطنين اللبنانيين المقيمين في المملكة الذين تعتبرهم جزءاً من النسيج واللحمة التي تجمع بين الشعب السعودي وأشقائه العرب المقيمين في المملكة.
وقالت إنها لا تعتبر أن ما يصدر عن السلطات اللبنانية معبراً عن مواقف الجالية اللبنانية المقيمة في المملكة والعزيزة على الشعب السعودي.
غضب واستنكار
وأثارت تصريحات قرداحي في برنامج "برلمان شعب" التابع لمنصات قناة "الجزيرة" الإلكترونية قبيل شهر من توليه منصبه غضبا محليا وخليجيا عندما دافع عن مليشيات الحوثي الانقلابية، وأدلى بتصريحات أساءت لجهود الإمارات والسعودية في اليمن.
ودافع الوزير والإعلامي اللبناني في الحلقة المذكورة عن إرهاب مليشيات الحوثي، معتبرا اعتداءاتهم على اليمنيّين والسعودية "دفاعا عن النفس".
وأثارت التصريحات التي تبرأت منها الحكومة اللبنانية، الكثير من ردود الفعل المستهجنة بلبنان نفسه، وباليمن، ودول الخليج والمنطقة العربية.
ورغم بيان أصدره قرداحي، مساء الثلاثاء، قال فيه إنه لا يقصد الإساءة للسعودية والإمارات، وأن حديثه يعود لما قبل تعيينه وزيرا في الحكومة اللبنانية، متهما بعض الجهات بالوقوف وراء حملة ضده، في إشارة إلى شبكة الجزيرة، إلا أن ذلك لم يخفف من وطأة التصريحات.
وللتأكيد على الخطأ الذي وقع فيه قرداحي، ثمة أرقام وإحصائيات تؤكد الدعم الذي قدمته السعودية والإمارات لليمن خلال سنوات الحرب.
ففي فبراير/شباط الماضي، كشف مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال، أنه قدم ما يزيد على 17 مليار دولار لليمن منذ تأسيس المركز في بداية الأزمة اليمنية قبل نحو سبع سنوات.
ولم تتخلف دولة الإمارات العربية المتحدة عن الركب الإنساني والإغاثي في اليمن، من خلال مساعداتها التي بلغ حجمها مليارات الدولارات، ولا تزال مستمرة.
وقدمت دولة الإمارات لليمن منذ عام 2015، مساعدات تجاوزت الـ6 مليارات دولار أمريكي، بحسب وزيرة الدولة لشؤون التعاون الدولي بالحكومة الإماراتية، ريم بنت إبراهيم الهاشمي.
وتركزت هذه المساعدات بشكل رئيسي على دعم الوضع الإنساني، بالإضافة إلى تقديم الخدمات العامة لضمان استمرارية التعليم في المدارس والبرامج الطبية والخدمات الحيوية كالطاقة والنقل.
aXA6IDE4LjExOS4xNDMuNDUg
جزيرة ام اند امز