«سكاف».. مشروع مقاتلة أوروبية يتحول إلى صراع فرنسي-ألماني على قيادة السماء

منذ إطلاق مشروع "سكاف" (SCAF)، أو "نظام القتال الجوي المستقبلي"، كان ينظر إليه باعتباره الركيزة الأساسية لبناء استقلالية دفاعية أوروبية أمام التحولات الجيوسياسية المتسارعة.
إلا أن هذا المشروع، الذي تتجاوز كلفته التقديرية 100 مليار يورو، بات اليوم عالقا بين المصالح الوطنية الفرنسية والألمانية، حيث تتهم برلين باريس بالسعي إلى السيطرة الكاملة على قيادته.
وبينما يفترض أن يشكل "سكاف" جسراً للتكامل الدفاعي الأوروبي، تكشف الأزمة الراهنة هشاشة التعاون الصناعي عندما تتقدم الحسابات السياسية والاقتصادية على الرؤية الاستراتيجية المشتركة.
من جانبه، قال إيلوي لوران، الاقتصادي الفرنسي والباحث في معهد الدراسات السياسية بباريس لـ"العين الإخبارية" إن الخلافات الحالية حول مشروع "سكاف" لا يمكن النظر إليها كمسألة تقنية فحسب، بل كترجمة مباشرة للتوازنات الاقتصادية والسياسية بين باريس وبرلين.
وأوضح أن المشروع، بكلفته الضخمة التي تتجاوز 100 مليار يورو، ليس مجرد تعاون صناعي، بل استثمار استراتيجي يحدد مستقبل أوروبا الدفاعي لعقود مقبلة.
وأشار لوران إلى أنه من الناحية الاقتصادية، فإن محاولة فرنسا الحصول على "قيادة شبه مطلقة" بنسبة 80% في المشروع تعكس إدراكها لأهمية التكنولوجيا العسكرية كمحرك للاقتصاد الوطني، موضحاً أن امتلاك القيادة يعني الاستحواذ على الابتكارات، وبراءات الاختراع، والتحكم بسلاسل القيمة، وهو ما يمنح فرنسا قوة تفاوضية في الصناعات الدفاعية العالمية، فضلاً عن عوائد مالية وصناعية طويلة الأمد.
ورأى الخبير الاقتصادي الفرنسي أنه "بالنسبة لألمانيا، فإن تهميش مشاركتها يثير مخاوف مزدوجة: أولاً، تراجع حصتها الصناعية داخل المشروع، وثانياً انعكاس ذلك على توازن القوى الأوروبي، خاصة أن برلين تعتمد بشكل أكبر على صناعاتها الميكانيكية والتكنولوجية لتأمين مكانتها في السوق العالمية، معتبراً أن أي "تنازل مفرط" لفرنسا قد يُنظر إليه داخلياً كإضعاف للسيادة الاقتصادية الألمانية.
وأوضح الخبير الاقتصادي أنه على المدى البعيد، فإن نجاح "سكاف" يعتمد على التوازن بين الطموح الفرنسي والواقعية الألمانية. فإذا تحولت المنافسة إلى صراع، فإن الخاسر الأكبر لن يكون باريس أو برلين وحدهما، بل فكرة الدفاع الأوروبي المشترك برمتها.
وأكد لوران أن المطلوب اليوم ليس فقط اتفاقاً حول نسب المشاركة، بل وضع آلية شفافة لتقاسم الفوائد الصناعية والتكنولوجية، بما يضمن استدامة المشروع واستقراره، ويحول دون تحوله إلى "مسرح آخر للصراعات الأوروبية الداخلية".
وأفادت وزارة الدفاع الألمانية أن الصناعة الفرنسية تعيق التقدم في مشروع الطائرة القتالية المستقبلية (سكاف) من خلال مطالبتها بتولي القيادة.
وحذرت الوزارة في الوثيقة، المرسلة الجمعة الماضي إلى لجنة الميزانية في البرلمان الألماني، من العواقب الوخيمة التي قد تترتب على تقديم تنازلات للصناعة الفرنسية، سواء على مستوى قدرات الطائرة أو على مستوى مشاركة الصناعة الألمانية.
وأوضحت الوزارة أن خيارات للوصول إلى حل سيتم إعدادها بحلول نهاية العام، قبل اتخاذ قرار بشأن الخطوات التالية، غير أن هذا الجدول الزمني يتناقض مع ما أُعلن الشهر الماضي، حين أعلن المستشار الألماني فريدريش ميرتس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن نيتهما إيجاد حلّ بحلول نهاية أغسطس/آب. حتى الآن، لم يصدر أي تعليق من وزارة الدفاع الفرنسية أو من قصر الإليزيه.
ولم يذكر التقرير الألماني أي شركة بالاسم، لكن مصادر في الصناعة وجهت أصابع الاتهام إلى داسو للطيران.
ويذكر أن مشروع "سكاف"، الذي يُقدَّر أن تتجاوز تكلفته 100 مليار يورو، يعاني من تأخيرات متكررة بسبب الخلافات حول تقاسم المهام وحقوق الملكية الفكرية بين فرنسا وألمانيا، وكذلك بين شركاتهما الوطنية.
ويشارك في المشروع كل من داسو للطيران عن الجانب الفرنسي، وإيرباص ممثلةً عن ألمانيا، بالإضافة إلى إندرا الإسبانية. ويهدف المشروع إلى استبدال مقاتلات رافال الفرنسية ويوروفايتر الألمانية والإسبانية ابتداءً من عام 2040 بطائرة قتالية من الجيل الخامس.
وكشفت مصادر دفاعية الشهر الماضي أن فرنسا أبلغت ألمانيا بأنها ترغب في الحصول على حصة تصل إلى نحو 80% من المشروع.
ومن المنتظر أن يستقبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نظيره الألماني فريدريش ميرتس الخميس في مقره الصيفي بقلعة بريجانسون في منطقة فار، على أن تُستكمل المباحثات الجمعة بمشاركة وزراء من الجانبين في مدينة تولون.
وقال ممثل عن الرئاسة الفرنسية للصحفيين الإثنين إن "الخلافات البسيطة" القائمة بشأن مشروع "سكاف" ستُطرح خلال المحادثات، مضيفاً أن هناك إرادة قوية من كلا الطرفين لإنجاح المشروع.