سيناريو الرعب.. ماذا يحدث لو فشلت البنوك المركزية في كبح التضخم؟
تواجه البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم سيناريو صعبا وقد يكون مقلقا ومرعبا، إذا لم تفلح في مواجهة مخاطر ارتفاع التضخم.
ولا تزال مخاطر ارتفاع التضخم عن المستوى المتوقع كبيرة، وقد يلزم تشديد السياسة المالية بدرجة أكثر حدة إذا تحققت هذه المخاطر.
احتمال كبير بارتفاع التضخم
حجم الطفرة التي شهدها التضخم كان مفاجئا للبنوك المركزية والأسواق، ولا يزال التضخم محفوفا بقدر كبير من عدم اليقين. فمن الممكن أن ينخفض بسرعة أكبر مما تستشرف البنوك المركزية، وخاصة إذا تراجعت انقطاعات سلاسل الإمداد وأدى تشديد السياسات عالميا إلى سرعة انخفاض أسعار الطاقة والسلع.
ومع ذلك، يبدو أن ميزان المخاطر يميل بقوة صوب ارتفاع التضخم عن المستويات المتوقعة. وهناك احتمال كبير بأن يترسخ التضخم المرتفع، وأن تنفلت التوقعات التضخمية عن الركيزة المستهدفة.
كما يبدو أن معدلات التضخم في قطاع الخدمات – كل الخدمات بدءا من إيجارات المساكن إلى الخدمات الشخصية – آخذة في الارتفاع عن مستوياتها المرتفعة من الأصل، ومن غير المرجح أن تتراجع بسرعة.
وقد تتعزز هذه الضغوط بتأثير نمو الأجور الإسمية. ففي البلدان ذات أسواق العمل القوية، يمكن أن تبدأ الأجور الإسمية في الارتفاع بسرعة تتجاوز الوتيرة المعقولة التي يمكن أن تستوعبها الشركات، مع انتقال الزيادة المصاحبة في تكاليف وحدة العمل إلى الأسعار.
ومن شأن هذه "الجولة الثانية من الآثار" أن تتجسد في صورة تضخم أكثر استمرارية وتوقعات تضخمية متصاعدة.
كما أن زيادة احتدام التوترات الجغرافية-السياسية تدفع إلى طفرة جديدة في أسعار الطاقة أو تفاقم الانقطاعات القائمة وهو ما يمكن أن يتسبب أيضا في إطالة أمد التضخم المرتفع.
دراسة مرعبة
ذكرت دراسة مقدمة لصناع السياسات في ندوة "جاكسون هول" بالولايات المتحدة أن البنوك المركزية ستفشل في الحد من التضخم وربما تدفع الأسعار للارتفاع ما لم تبدأ الحكومات في لعب دورها بتحسين سياساتها المالية المتعلقة بميزانياتها.
وفتحت الحكومات في جميع أنحاء العالم خزائنها خلال جائحة كوفيد-19 لدعم الاقتصادات، لكن هذه الجهود ساعدت في دفع معدلات التضخم للارتفاع إلى أعلى مستوياتها منذ ما يقرب من نصف قرن، مما زاد من خطر ترسخ زيادة الأسعار بوتيرة سريعة.
وترفع البنوك المركزية الآن أسعار الفائدة، لكن دراسة جديدة، جرى تقديمها اليوم السبت في ندوة جاكسون هول الاقتصادية لمجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) في مدينة كانساس، رأت أن سمعة البنوك المركزية في مكافحة التضخم ليست حاسمة في مثل هذا السيناريو.
صدمات متتالية
وفقا لصندوق النقد الدولي، منذ أشهر قليلة فقط توقعت البنوك المركزية في الاقتصادات الرئيسية أنها قد تشدد السياسة النقدية بخطوات تتوخى التدرج الشديد.
وبدأ التضخم مدفوعا بمزيج غير معتاد من صدمات العرض التي اقترنت بالجائحة ومؤخرا بحرب أوكرانيا، وكان من المتوقع أن ينخفض سريعا بمجرد تراجع هذه الضغوط.
والآن، في ضوء تصاعد التضخم إلى مستويات لم يصل إليها منذ عدة عقود وامتداده إلى خدمات الإسكان وغيرها، تدرك البنوك المركزية ضرورة التحرك بسرعة أكبر لتجنب انفلات التوقعات التضخمية وإلحاق الضرر بمصداقيتها.
وينبغي أن ينتبه صناع السياسات لدروس الماضي وأن يكونوا حازمين في سعيهم لتجنب إجراء تعديلات قد تكون أكثر إيلاما وإرباكا في المستقبل.
وقد أجرى بالفعل كل من الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وبنك كندا المركزي وبنك إنجلترا المركزي زيادة كبيرة في أسعار الفائدة وأشار إلى أنه يتوقع إجراء زيادات أكبر هذا العام.
وأجرى البنك المركزي الأوروبي زيادة في أسعار الفائدة مؤخرا لأول مرة منذ أكثر من عشر سنوات.
الفشل = نتيجة كارثية
قال فرانشيسكو بيانكي من جامعة جونز هوبكنز وليوناردو ميلوسي من فرع المركزي الأمريكي في شيكاجو "إذا لم يكن التشديد النقدي مدعوما بتوقع التعديلات المالية المناسبة، فإن تدهور الاختلالات المالية سيؤدي إلى زيادة الضغوط التضخمية".
وذكرت الدراسة أن "نتيجة لذلك، ستنشأ حلقة مفرغة من ارتفاع أسعار الفائدة الاسمية وارتفاع التضخم والركود الاقتصادي وزيادة الديون... في هذا الوضع غير الصحي، من شأن التشديد النقدي في الواقع أن يؤدي إلى ارتفاع التضخم وإلى حدوث ركود تضخمي ضار بالمالية العامة".
السيطرة على التضخم
وقال معدا الدراسة إنه للسيطرة على التضخم، يجب أن تعمل السياسة المالية جنبا إلى جنب مع السياسة النقدية وطمأنة الناس بأنه بدلا من التخلص من الديون، فإن الحكومة ستزيد الضرائب أو تخفض النفقات.
وقد يثبت أن تكاليف تخفيض التضخم أعلى بكثير إذا تحققت مخاطر ارتفاعه عن المستوى المتوقع وأصبح تضخما عميق الجذور.
وفي تلك الحالة، ستضطر البنوك المركزية إلى اتخاذ موقف أكثر حزما وإجراء تشديد أقوى لتهدئة فورة الاقتصاد، ومن المرجح أن ترتفع البطالة إلى حد كبير.
وفي ظل دلائل ضعف السيولة بالفعل، فإن تعجيل وتيرة تشديد السياسة قد يؤدي إلى انخفاض حاد آخر في أسعار الأصول ذات المخاطر – مما يؤثر على الأسهم والائتمان وأصول الأسواق الصاعدة. والاحتمال كبير بأن يكون تشديد الأوضاع المالية غير منظم، مما يختبر صلابة النظام المالي ويفرض ضغوطا كبيرة على الأسواق الصاعدة.
وقد يضعف التأييد العام لتشديد السياسة النقدية، وهو تأييد قوي حاليا في ظل التضخم الذي بلغ مستويات مرتفعة لم يصل إليها لعدة عقود سابقة، بسبب تزايد التكاليف الاقتصادية وتلك المرتبطة بالعمل.
ومع ذلك، فإن استعادة استقرار الأسعار تكتسب أهمية بالغة وهي شرط ضروري لاستمرار النمو الاقتصادي.
دروس الماضي
ومن الدروس الأساسية المستقاة من فترة ارتفاع التضخم في ستينات وسبعينات القرن الماضي أن التحرك ببطء شديد لكبح التضخم يؤدي إلى تشديد السياسة بتكلفة أكبر بكثير من أجل إعادة توقعات التضخم إلى ركيزتها المستهدفة، واستعادة مصداقية السياسة النقدية.
وسيكون من المهم للبنوك المركزية أن تحرص على إبقاء هذه التجربة نصب أعينها وهي تتحسس طريقها الصعب في الفترة القادمة.
aXA6IDMuMTQ1Ljg5Ljg5IA== جزيرة ام اند امز