"دراعية الصحراء" رسالة مغربية مطرزة توشح الدبلوماسية الأمريكية
في بادرة دالة أهدى المغرب الزي التقليدي الصحراوي لوفد أمريكي برئاسة ديفيد شينكر مساعد وزير الخارجية خلال زيارته لجنوب البلاد.
على منصة خلفيتها علما المغرب وأمريكا المُلتصقان، وفي جنباتها أعلام أخرى للبلدين، وفي أرض اعترفت الولايات المتحدة بمغربيتها، وانضمت إلى المؤيدين للسيادة المغربية عليها. وداخل بناية ستحتضن قريباً تمثيلية دبلوماسية أمريكية، وقف كل من ديفيد شينكر وديفيد فيشر والدبلوماسيين الأمريكيين، أمام أنظار العالم باللباس التقليدي لأهل الصحراء المغربية.
الخطوة حملت العديد من الدلالات والمعاني الإيجابية، كما واكبها احتفاء مغربي واسع، خاصة أنها تأتي في سياق خُطوات أمريكية مُتسارعة لدعم الموقف المغربي بشأن الصحراء، وأيضاً الحل المتمثل في الحُكم الذاتي للأقاليم الجنوبية تحت السيادة المغربية.
وقد أثارت هذه الخُطوة ردود فعل واسعة في صفوف نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي في المملكة المغربية، إذ تداول المغاربة الصورة مرفوقة بتعاليق تحتفي بما اعتبروه "نصراً ثقافياً" ينضاف إلى الانتصارات الدبلوماسية للمملكة المغربية بشأن قضيتها الأولى.
هدية غالية
وتحمل هذه الزيارة مُنذ أول ساعاتها رسائل كثيرة ومعاني كبيرة جداً، بحسب الخبير في العلاقات الدولية، حسن بلوان، مشيرا إلى أنها أول زيارة لمسؤول أمريكي للمنطقة، سواء في تاريخ النزاع المُفتعل، أو منذ الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء.
وأوضح بلوان، في تصريح لـ"العين الإخبارية"، أن الهدية في الثقافة المغربية تُمنح للأحباب، وتُعبر عن حفاوة الاستقبال، وفرح أهل الدار بالضيف الذي حل لديهم، وبالقدر الذي تكون القيمة الرمزية لهذه الهدية كبيرة، تكون قيمة الزائر أو الضيف.
وبالنظر إلى القيمة الكبيرة التي تكتسيها الدراعة أو الدراعية الصحراوية في الموروث الثقافي الحساني، فهي لباس الرجل الرسمي والدائم، ولا تُفارقه أياً كانت الظروف والمناسبات، وبالتالي فهي تُعتبر ذات قيمة عالية جداً في الأوساط المغربية بشكل عام، والصحراوية بشكل خاص، يُبين بلوان.
وبالنظر إلى المكانة والقيمة الكبيرتين لهذا اللباس، فإن إهداءه لكل ديفيد شينكر، مُساعد وزير الخارجية الأمريكي، وديفيد فيشر، السفير الأمريكي لدى الرباط، فإن هذا يعكس المكانة الكبيرة التي يضع فيها المغاربة زيارة هذا الوفد الأمريكي الرفيع، وأيضاً موضوع جولتهما في المملكة.
ولفت إلى أن كون مساعد وزير الخارجية الأمريكي أرفع مسؤول أمريكي يزور الأقاليم الصحراوية المغربية وهو ترجمة حقيقية لقرار الاعتراف بالسيادة المغربية، مُغلقاً: "لعل حفاوة الاستقبال وتفاعل المسؤولين الأمريكيين مع ثقافة وخصوصيات الأقاليم الجنوبية، وارتداء الدراعية (اللباس التقليدي الصحراوي) يحمل مجموعة من الرموز والإشارات تصب كلها في خانة التناغم التام في العلاقات المغربية الأمريكية وتوافق الرؤى في مجموعة من القضايا الإقليمية والدولية بدءاً بقضية الصحراء المغربية والأمن في منطقة الساحل والملف الليبي".
زيارة تاريخية
وأكد بلوان أن هذه الزيارة تأتي للتأكيد على أن الولايات المتحدة ماضية في تفعيل قرارها الأخير بسيادة المغرب على صحرائه، والانخراط الجدي في مسلسل الطي النهائي لهذا الملف المفتعل.
وزاد أن طبيعة هذه الزيارة الأمريكية لمدينة العيون ثم الداخلة تحمل مجموعة من المعاني والإشارات والرموز من حيث السياق والتوقيت والشكل، فزيارة ديفيد شينكر للمغرب جاءت بعد زيارة مماثلة قام بها الى الجزائر حيث دافع هناك -وأمام المسؤولين الجزائريين- عن القرار الأمريكي بسيادة المغرب على صحرائه، معتبرا هذا القرار خطوة شجاعة من أجل السلم والاستقرار.
كما تأتي هذه الزيارة أيام قبل انتهاء ولاية الإدارة الأمريكية الحالية، مما يفيد بأن الاتفاق المغربي الأمريكي يرتبط بمؤسسات وأجهزة الدولة الرسمية، كما يؤكد أن الولايات المتحدة الأمريكية ماضية في تفعيل بنود الاتفاق بفتح قنصلية بمدينة الداخلة وفتح أبواب الاستثمار الأمريكي في أفريقيا عبر البوابة المغربية، بحسب بلوان.
ثقافة راسخة
وتُعتبر الدراعية أو الدراعة الصحراوية، اللباس الرسمي لرجال الصحراء، وهي عبارة عن ثوب واسع يرتديه رجال الصحراء، ولا يتخلون عنه أيا كانت المُناسبات، إذ يتشبث به الرجال مهما كانت مناصبهم ومكاناتهم الاجتماعية، بل يزيد تشبث ابن الصحراء بلباسه التقليدي كُلما حل في محفل أو لقاء رفيع المستوى.
ولم تنجح الموضات والتصاميم الحديثة في استهواء أبناء الصحراء، إذ ظل هؤلاء متشبثين بزيهم التقليدي، في منازلهم، وشوارع مدن الأقاليم الجنوبية للمملكة، وحتى في الإدارات والمؤتمرات، بل إن كثيرين يلبسونها فوق البذل الرسمية إذا تعذر عليهم لبس الطقم بشكل كامل.
والدراعة هي عبارة عن ثوب فضفاض له فتحتان واسعتان على الجنبين، خُيّط من أسفل طرفيه وله جيب على الصدر، وهي عادة ما تكون بأحد اللونين الأبيض أو الأزرق.
وظل شكل الدراعة صادماً في وجه التغيرات المُجتمعية، وفي حالة طالها تحديث، فإنه لا يتجاوز الأشكال المرسومة على صدرها، ليظل الشكل والتصميم، واللونان الأزرق السماوي والأبيض، ثابتين لا يتغيران.
وفي الوقت الذي يُكلف طقم دراعة واحد نحو 10 أمتار من الثوب على الأقل، فإن تكلفتها المالية تبدأ من 100 دولار، وقد تصل إلى ألفي دولار، بحسب نوعية الخيط والنسيج المُستعملين في خياطتها، وأيضاً مُدة الخياطة التي قد تصل إلى 15 يومياً أو أكثر، نظراً للوقت الذي تأخذه عملية التطريز اليدوية
aXA6IDE4LjIxNy4yMDguMjIwIA== جزيرة ام اند امز