منصات طائفية.. مسمار حوثي جديد في نعش التعليم الأهلي باليمن
يفكّر سليم الحسامي (اسم مستعار) في إرسال ابنه "حسام" لمناطق حكومة اليمن المعترف بها لتلقي التعليم بعد تحويل الحوثي للتعليم الأهلي والحكومي إلى منصة طائفية.
كان سليم قد نقل ابنه من مدرسة الطبري بصنعاء إلى مدرسة أهلية (خاصة) في مديرية التحرير خشية تعرضه للشحن الطائفي المتسم بثقافة الكراهية للآخر الذي يكرسه الحوثيون في عقول الأطفال في المدارس الحكومية.
لكن والد حسام صدم مؤخرا بقرار جديد لمليشيات الحوثي قضى بتنصيب مشرف ثقافي من الحوثيين في كل مدرسة أهلية وهو ما يعني تحويل أكثر من 700 مدرسة أهلية في صنعاء إلى منصات طائفية جديدة لتأصيل الثقافة العدائية في التركيبة النفسية للصغار بهدف خلق جيل طائفي بامتياز.
يقول والد حسام لـ"العين الإخبارية"، إن "تطييف التعليم من قبل الحوثيين ليس أمرا جديدا لكن تنصيب مشرف ثقافي في المدارس الأهلية يؤكد عزم المليشيات على غسل أدمغة الأطفال الصغار بالقوة وعلى حساب آبائهم".
وأشار إلى أنه كان فر بابنه حسام من المدارس الحكومية بعدما دمر الحوثي التعليم فيها وعسكر مناهجها، لكنه واصل ملاحقة الصغار إلى المدارس الأهلية، إشارة لفرض الحوثيين مشرفا ثقافيا على كل مدرسة خاصة.
مسمار جديد
وكان القيادي في مليشيات الحوثي هادي عمار المعين مديرا لمكتب التربية والتعليم في صنعاء وجه مديري المديريات ومشرفيها ومديري مكاتب التربية والتعليم بالمديريات ورؤساء أقسام التعليم الأهلي بالمديريات، بترشيح مسؤول ثقافي مقيم لكل مدرسة أهلية.
وجاء في الوثيقة الحوثية التي طالعتها "العين الإخبارية"، أنه و"بناء على ما تقتضيه المصلحة العامة يتم ترشيح مشرف ثقافي مقيم مؤهل لديه الاستعداد والتفرغ الكامل للقيام بعمله كمشرف مقيم داخل المدرسة الأهلية أوقات الدوام الرسمي وسيكون له راتب شهري من المدرسة".
وبحسب الوثيقة فإن مهام المشرف الثقافي تتمثل بـ" الإشراف على أعمال الأنشطة المختلفة كالإذاعات المدرسية والمسابقات المنهجية والعملية وتفعيل المناسبات الدينية والوطنية وتفعيل اليوم الثقافي وغيرها".
وقال مصدر خاص في مكتب التربية والتعليم بصنعاء لـ"العين الإخبارية"، إن مهام المشرف الثقافي ستشمل "مراقبة المليشيات لمدى التزام المدارس بتنفيذ التوجيهات الحوثية" حيث سيمثل هؤلاء المشرفون قناة التواصل الوحيدة التي تتلقى من خلالها المدارس هذه التوجيهات.
وقال مدير إحدى المدارس الأهلية، طلب عدم ذكر اسمه، إن الحوثيين يسعون لتحويل الطلاب إلى عناصر متعصبة أيديولوجيا وخلق جيل مدمر نفسيا ومتعصب طائفيا".
وأوضح لـ"العين الإخبارية"، أن التوجيهات الحوثية للمدارس الأهلية تعد آخر مسمار في نعش التعليم حيث تتضمن تغير قناعة الطلبة بأفكار الحوثي ومبادئه الطائفية ما يشكّل تهديداً للنسيج المجتمعي ويدفع بالعائلات لنقل أبنائها إلى المدارس في المحافظات المحررة خارج سيطرة الحوثي.
وأشار إلى أن المليشيات من خلال الأنشطة الثقافية في المدارس تحث الطلبة على نصرتها بالمال والرجال وحشد الشباب والأطفال للالتحاق بالقتال فضلا عن توظيف الإذاعة المدرسية في تعزيز هذا التوجه وغرس الولاء المطلق للحوثي في نفوس الطلاب والطالبات.
ويرى خبراء نفسيون أن الشحن الطائفي الحوثي يجعل الطلاب الصغار أكثر عدوانية في تعاملهم مع بعضهم ومع المجتمع كما يؤثر بشكل كبير على تحصيلهم التعليمي.
أداة حرب
أثار قرار مليشيات الحوثي الأخير موجة تنديد حقوقية ورسمية، حيث اعتبرت الحكومة اليمنية فرض المليشيات "مشرفين على المدارس الأهلية محاولة لإحكام سيطرتها على العملية التعليمية وتوظيفها أداة في الحرب".
وقال وزير الإعلام والثقافة والسياحة في الحكومة اليمنية معمر الإرياني، إن فرض مليشيات الحوثي مشرفين تابعين لها على المدارس الأهلية في المناطق الخاضعة بالقوة لسيطرتها، خطوة تصعيدية تندرج ضمن مساعيها لإحكام السيطرة على العملية التعليمية بشكل كامل.
وأوضح المسؤول اليمني أن مليشيات الحوثي الإرهابية عمدت منذ انقلابها على الدولة إلى استغلال العملية التعليمية والمدارس والمناهج الدراسية، وتوظيفها أداة في الحرب، في تهديد خطير للنسيج الاجتماعي والسلم الأهلي، وقيم التنوع والتعدد والتعايش بين اليمنيين.
ولفت إلى ما تقوم به مليشيات الحوثي من غسل لعقول مئات الآلاف من الطلبة والطالبات، وتفخيخها بالأفكار الظلامية المتطرفة الدخيلة على بلدنا ومجتمعنا والمستوردة من إيران، وتحويلها إلى أوكار لاستدراج وتجنيد وتدريب الأطفال ومعامل لتفريخ الإرهابيين.
وطالب المسؤول اليمني المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومنظمات وهيئات حقوق الإنسان بممارسة ضغوط حقيقية على قيادات المليشيا الحوثية لتحييد العملية التعليمية عن الصراع، والتوقف عن ممارساتها التدميرية التي تقوض دعوات وجهود التهدئة وتعمل على نسف فرص إحلال السلام في اليمن.
من جهتهم، قال خبراء يمنيون إن القرار الحوثي القاضي باستحداث مهمة مشرف ثقافي مقيم في كل مدرسة أهلية، يستهدف السيطرة على المدارس الأهلية الخاصة وتوجيهها نحو أيديولوجيا المليشيات، وذلك بعد أن أحكمت المليشيات سيطرتها على المدارس الحكومية.
وقال الخبير في شؤون الجماعات الإرهابية سعيد بكران إن تنصيب المليشيات الحوثية مشرفا ثقافيا في المدارس الأهلية يسعى إلى "توجيهها نحو أيديولوجيا المليشيات والتي كانت قد أحكمت سيطرتها على قطاع التعليم الحكومي وأنشأت مناهج تتواءم مع فكرها وتوجهاتها العقائدية والطائفية".
وتشير تقارير محلية ودولية إلى أن أنشطة المليشيات الحوثية الطائفية في المدارس تتضمن "دعوات للتعصب وحمل السلاح، ودفع الطلاب إلى جبهات القتال، فضلا عن إساءات لرموز وقناعات عقيدة الطلبة ممن لا يتبعون مذهبها الديني".
aXA6IDMuMTM5LjY3LjIyOCA= جزيرة ام اند امز