من "الدان" إلى "الصنعاني".. ألوان اليمن الغنائية تصدح رغم الحرب
رغم حرب مليشيات الحوثي الإرهابية إلا أنها لم تستطع دفن تراث اليمن الفني الذي لا يزال يصدح من بين الركام.
تزخر اليمن بعديد الألوان الغنائية المبهرة وبثروة فنية كبيرة وتراث فني ثري ومتنوع والعديد من المدارس الغنائية المتنوعة والضاربة في عمق التاريخ، وذلك ابتداء من الدان الحضرمي إلى اللون الصنعاني المصنف ضمن قائمة التراث العالمي اللامادي منذ عام 2008 من قبل اليونسكو.
في هذا التقرير تسلط "العين الإخبارية" بالتزامن مع احتفال اليمنيين بيوم الأغنية اليمنية الذي يصادف 1 يوليو/تموز من كل عام، الضوء على الألوان الغنائية في اليمن والتي ظهرت متلمسة لواقع الناس وهمومهم وأشجانهم قبل أن تقفز لتخاطب الوجدان الجمعي والوطني.
ويعتبر التراث الغنائي اليمني من أثرى وأغنى الكنوز التي يفوح عبقها في أرجاء الوطن العربي، وقد استطاع المحافظة على أصالته ولعب دوراً مهماً في انتشار الأغاني التراثية على مستوى الجزيرة العربية.
الدان الحضرمي
في شرق اليمن وجنوبه يزخر المكان بفن غنائي بديع وعريق يعبّر عن حركة المكان وتفاعل الإنسان، إنه الدان الحضرمي وهو لون غنائي أو قالب محكم ومتطور يختلف عن بقية الألوان اليمنية.
وتتمازج الأغنية الحضرمية التي من أشهر روادها أبو بكر سالم، عبدالرب إدريس وعلي بن محمد، بالعديد من الألحان والرقصات المتنوعة والعالمية ومع ذلك تظل طقوس الدان محافظة على الأسلوب الغنائي التقليدي في حضرموت.
ومن "الدان" تصدح أفضل الأغاني الفلكلورية والتي تمثل الطراز الكلاسيكي في الغناء، ومن أهم خصائصها تعدد لهجاتها ومقاماتها الموسيقية وتعود أصولها إلى عدن والتي تمثل كنزاً تراثياً وحضارياً.
الفن الصنعاني
حظي هذا اللون الغنائي اليمني باهتمام كبير من قبل الكثير من الباحثين شرقاً وغرباً نظراً إلى تفرده بالكثير من الخصائص الفنية والموسيقية التي جعلت منه موروثاً موسيقياً عالمياً اعتبرته اليونسكو رائعة من روائع التراث العالمي وصنفته ضمن قائمة التراث الإنساني الشفهي عام 2008.
والأغنية الصنعانية هي لون غنائي مميز وله بصمة خاصة ذلك أنه اقترن بالموشح الحميني والحكمي، وهو يؤدى لغرض الاستماع في جلسات المقيل الخاصة، صحبة آلة العود والإيقاع ويحتوي على تقنيات فنية عالية تتطلب حرفية في الإتقان.
وتعد "الأغنية الصنعانية" من أرقى الأشكال التراثية الموسيقية في اليمن، ولها الكثير من المميزات في أداء مقاماتها والتي تعتمد على الأرباع، وعلى المقامات الشرقية البحتة، حجاز، سيكا والرصد، بيات، نهاوند.
وبالرغم من الامتداد الزمني الطويل للأغنية الصنعانية فإنها لم تأخذ حظها بالانتشار كما هو الحال في مصر، بظهور سيد درويش وأم كلثوم ومحمد عبدالوهاب ورياض السنباطي ومحمد القصبجي وغيرهم على أنقاض الفن الذي كان سائداً في القرن الثامن عشر والتاسع عشر، وفقاً لباحثين.
الفن التهامي
من صنعاء إلى سهل تهامة وساحلها الشجي والتي تتميز بالتلقائية والفطنة والطرب، كلونها الغنائي الذي عرف منذ وقت مبكر وقد وغنى وتغنى أبناؤها بالحقل والسهل والمطر وبلهجتها البديعة وموضوعاتها الملامسة للناس.
ولم تحظ الأغنية التهامية بذلك الظهور الذي حظيت به الأغنية اليمنية بشكل عام ولكن ما تم تقديمه من نماذج استطاعت أن تسجل حضور الأغنية التهامية في المشهد الثقافي والفني كجزء من الأغنية التهامية.
وتتميز الأغنية التهامية بكونها راقصة ورشيقة وجميلة تلهب الحماس وتراقص الوجدان، وتتميز بإيقاعاتها الجميلة والجذابة.
اللون اللحجي
اشتهرت مدينة لحج كغيرها من المناطق اليمنية برتم إيقاعي ولون غنائي متميز وفريد، ولا شك أن هذا التميز لم يأت من فراغ وإنما استمدت موسيقاه وإيقاعاته من الألوان الغنائية اليمنية الموجودة في شتى المناطق اليمنية السهلية والجبلية والصحراوية والساحلية.
في لحج، تصبح ألحان الحقول وأهازيج الأفراح الشعبية أغانيَ رسمية، والأغنية اللحجية هي أغنية القمندان الذي بنى وأسس وجعل الأغنية اللحجية في مصافي الأغاني اليمنية وكانت لها مكانة خاصة في قلوب اليمن.
وتتميز الأغنية اللحجية بـ"التمازج والتفاعل والإضافة والتهجين" وهي ذات شأن وحضور في كل المحافل الداخلية والخارجية وسريعة الانتشار والقبول في كل أرجاء اليمن.
ومن أبرز أغانيها "ليتني يا حبيبي" لفيصل علوي، و"مطر نيسان" و"غزلان في الوادي" لسعودي أحمد صالح، و"حالي يا عنب رازقي" لمهدي درويش، و"ذنوب سيدي ذنوب" لعبدالكريم توفيق.
اللون التعزي
انبثق الفن الغنائي التعزي من فن الملالة الموغل في القدم والذي ارتبطت أغراضه الشعرية بالعلاقة بين الفلاح وحقله وبين المرأة وشوقها لزوجها الغائب، وما زالت الأجيال تتناقل هذا الفن بألحانه المتميزة.
ومن أبرز رواد هذا اللون الغنائي؛ أيوب طارش وعبدالباسط عبسي وعبده إبراهيم الصبري ونجيبة عبدالله كتيار غنائي ارتبط بمدينة تعز وأريافها، فيما يحضر عبدالله عبدالوهاب نعمان "الفضول"، وسلطان الصريمي، وسعيد الشيباني كشعراء غنائيين ارتبط تعريفهم بمحافظة تعز.
رغم الشبه الكبير مع الأغنية الصنعانية، سواء في الإيقاع أو المقامات بشكل خاص، ومع الأغنية اليمنية بشكل عام، إلا أن اللون الغنائي التعزي، خصوصاً الشعبي الأصيل، يعد لونًا متفردًا ذا جمالٍ فاق أقرانه، وتميّز بخصوصيته الجمالية.
وينتمي لهذا اللون الغنائي كلمات ولحن النشيد الوطني اليمني "ردّدي أيتها الدنيا نشيدي"، فضلاً عن أغنيات "أخضر جهيش مليان حلا عديني"، التي غناها الفنان محمد مرشد ناجي، ثم أغنية "هربوا جاء الليل" التي غناها الفنان أحمد بن قاسم، وهما من كلمات الشاعر أحمد غالب الجابري.
الحاجة للتطوير
ورغم الألوان الغنائية اليمنية إلا أنها الأغنية اليمنية ككل تظل بحاجةٍ إلى التطوير العلمي والتقني الذي تقوم على أساسه الأغنية، ويرتبط ذلك بتطوير المؤسسات ومعاهد التأهيل، التي من خلالها تتطور الأغنية اليمنية وتخرج من طابعها التقليدي، وأن تغنى في المهرجانات والعروض الموسيقية على المستوى العربي والعالمي، كما يقول فنانون.
وكانت الحكومة اليمنية خصصت الأول من يوليو/تموز يوماً للأغنية اليمنية وذلك قبل 3 أعوام في مبادرة تعد دعوة للحياة في مواجهة دعوات الحرب والموت التي تشيعها مليشيات الحوثي الإرهابية باستهدافها الفن ورموزه ومنع الغناء في الأعراس والمناسبات وتضييق الخناق على الشعراء والأدباء.
وقال وزير الإعلام والثقافة والسياحة في اليمن معمر الإرياني إن إعلان يوم الأغنية اليمنية خطوة في التصدي للحملة الشرسة التي تشنها مليشيات الحوثي ضد الفن ورواده، ومواجهة مشروعها الإرهابي والمتطرف، وفي إطار تعزيز الهوية اليمنية وحماية التراث والفن اليمني، ومساهمة في رد الاعتبار للأغنية اليمنية الأصيلة التي ألهمت المبدعين اليمنيين والعرب على حد سواء، ونهل منها الجميع وبنوا أمجادهم بفضلها وبفضل مبدعيها الذين سيخلدهم التاريخ.
وأضاف: "وحدت الأغنية اليمنية منذ القدم مشاعر اليمنيين وفجرت فيهم الإبداع وهذبت السلوك وكانت رفيقة الفلاح في الحقل والعامل في المصنع والمرأة في البيت والجندي في ميدان الكفاح، وبينما كانت السياسة تفرق كانت الأغنية تجمع وتوحد، ولا تزال الأغنية محل التقاء الفرقاء وبلسم الجراح".
كما لعبت الأغنية الوطنية التي تمجد الذات اليمنية وتجعلها محل فخر واعتزاز كل يمني دوراً في ترميم الهوية وإعادة الاعتبار للذات اليمنية وتحصين الأجيال وصناعة الوعي الوطني، وكانت بالفعل مصدر الهام لإسناد العمل النضالي، وفقاً للوزير اليمني.