لا يزال هجوم تنظيم "داعش" الإرهابي على سجن "الصناعة" في الحسكة السورية يثير مخاوف محلية ودولية من استعادة التنظيم قدراته وعودة خلاياه النائمة للتحرك.
وهو أمر يترك أيضاً تساؤلات عمّا إذا كان هناك أي تنسيق بين عناصر التنظيم المهاجمين وأولئك المسجّونين، الذين حاولوا الفرار.. فما الذي جرى هناك؟
في توصيف بسيط للمشهد المتجدّد، بدأ التنظيم الإرهابي هجماته بعرباتٍ مفخخة انفجرت قرب الأبواب الرئيسية للسجن، الذي يخضع تماما لسيطرة قوات "سوريا الديمقراطية" -"قسد"- المدعومة من الولايات المتحدة والتحالف الدولي الذي تقوده ضد التنظيم الإرهابي في سوريا والعراق.
ويضمّ السجن آلاف من عناصر التنظيم، الذين ينحدرون من عشرات الدول، وتلا ذلك اشتباكات مسلّحة استمرت لأيام بين "قسد" وعناصر التنظيم قبل أن تتوقف لاحقاً، وفي غضون ذلك حاول المئات من عناصر "داعش" الأجانب الفرار من السجن، لكن محاولاتهم باءت بالفشل نتيجة الطوق الأمني الذي فرضته "قسد" بدعم جوّي من التحالف الدولي على السجن وكامل المناطق المحيطة، وهو ما مكّنها في نهاية المطاف من إعادة فرض سيطرتها على السجن.
ورغم ذلك، لم يُعرف حتى الآن كيف تمكّن عناصر التنظيم المسجونون من التواصل مع أولئك الذين هاجموا السجن، فهم قاموا بعصيان داخل السجن بعدما أحرقوا المهاجع التي يقبعون فيها بالتزامن مع الهجوم على سجن "الصناعة"، لذلك فإن المطلوب حالياً أن تُجري "قسد" تحقيقاتٍ أمنية سريعة للكشف عن مكمن الخلل الحاصل ضمن منطقة إدارتها، وذلك لقطع الطريق أمام أي تواصل بين عناصر التنظيم داخل السجن وخارجه.
لقد شارك في الهجوم على سجن "الصناعة" أكثر من مائة عنصر من تنظيم "داعش" الإرهابي، بحسب ما أوردت وسائل إعلام، ما يؤكد أن خلايا التنظيم في سوريا والعراق لا تزال مستعدة للقيام بهذا النوع من الهجمات بهدف تعزيز قوتها وزيادة مواردها البشرية من جديد، وبالتالي يجب تضافر الجهود لمنع التواصل مع المساجين لوقف أي هجمات مماثلة على سجونٍ أخرى موجودة أيضاً ضمن مناطق "قسد".
وإلى جانب أزمة الاتصالات بين عناصر "داعش" داخل السجن وخارجه، شكّلت أعداد الدواعش المشاركين في الهجوم على السجن، مخاوفَ أمنية خطيرة، حيث يعد هذا الأمر غير مسبوق داخل قوات "سوريا الديمقراطية"، وإلا كيف تحرّك كلّ هؤلاء المسلحين دفعةً واحدة وباتوا على مشارف السجن دون أن تقوم القوات الأمنية بمنعهم من العبور في تلك المناطق أو احتجازهم؟
في الواقع قد يكون الهجوم على سجن "الصناعة" بمثابة حلقة أولى من مسلسل عودة "داعش"، فهو يملك إلى الآن خلايا نائمة في مختلف المناطق السورية، بالإضافة لوجود خلايا له في العراق، وهذا يعني أنه لم يتم القضاء على "داعش" ولم ينتهِ بشكل كامل، بل هو موجود ويستطيع دائماً تهديد الأمن، كما فعل في محافظة الحسكة.
أضف إلى ذلك أن وجود أطراف إقليمية تسعى لزعزعة استقرار سوريا، يسهم في منح "داعش" فرصة جديدة للظهور، وكأنه تتم مساندة التنظيم الإرهابي بطريقة غير مباشرة لكي يعود.. لذلك أمام "قسد" والتحالف الدولي تحدٍّ كبير يكمن في التخلص من الخلايا النائمة للتنظيم في سوريا على الأقل، الأمر الذي سيتطلب وقتاً طويلاً، خاصة أن المشكلة التي تواجهها مناطق "قسد" لا تكمن فقط في السجون، التي تحتجز فيها نحو 12 ألفاً من عناصر تنظيم "داعش" الإرهابي، بل هناك أيضاً آلاف الإرهابيات المقيماتٍ في مخيماتٍ ولم يتخلّين حتى اللحظة عن أفكارهن المتطرّفة، ولهذا بات من الضروري تكثيف الجهود الدولية والأممية للقضاء النهائي على هذه المجموعات "الداعشية" النشطة كي لا تتسبب في عودة "داعش" بقوة، كما حصل قبل سنوات عندما سيطر بين ليلةٍ وضحاها على أجزاء من سوريا والعراق.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة