إذا كانت مصادر الشرطة شحيحة فإنها عادة تتحرى عن المجرمين عبر استخدام ما يسمى "أنماط السلوك"، بغية العثور عليهم.
على هذا النحو يمكن أن يساعدنا استخدام هذا النوع من الأساليب في معرفة المكان الذي ينوي الإرهابيون التوسّع فيه.. نعلم أنهم يريدون الانتشار والتمدّد، لكننا لا نعرف بالضبط إلى أين يتجهون.
وتتكون تقنية "أنماط السلوك" من البحث عن التفضيلات والعادات، التي تستخدمها التنظيمات الإرهابية في المناطق الواقعة تحت سيطرتها والبحث عن سيناريوهات مماثلة على بُعد أقل من 1000 كم.
ستساعدنا نتيجة التحليل في تحديد المناطق، التي يرغب الإرهابيون في التوسّع نحوها.
وبالنظر للأنماط المستخدمة من قبل الإرهابيين في مناطق بدول أفريقية، نجد أن التنظيمات الإرهابية تسعى إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي والحصول على دخل منتظم أو سريع.. إنها لا تريد الاعتماد كما في السابق على اختطاف الرهائن، حيث تمرّ فترات زمنية طويلة قبل تحصيل الفديات.
وللحصول على الأسلحة والذخائر، كانت التنظيمات الإرهابية تعتمد في السابق حصرياً على المهربين.. أما اليوم، فإنها تحاول التزوّد بها من "أعدائها" بعد مهاجمة مراكز الشرطة أو الثكنات العسكرية.
ولتجنيد مزيد من العناصر، تلجأ التنظيمات الإرهابية إلى أصحاب الفكر والخطاب المتطرّف، وإذا أمكن تداهم السجون لتحرير الإرهابيين المعتقلين.
لدى الإرهابيين أيضا تفضيلات عرقية، فبعض العرقيات تستخدم التنظيمات الإرهابية كوسيلة للاحتجاج على ما يعتبرونه ظلماً وإجحافاً بحقهم في بلدانهم.
ومن بين اهتمامات الإرهابيين أيضاً احتلال مواقع التعدين.. إذ يفضلون في هذا تحديدا مناجم الذهب، حيث يمكنهم فرض إتاوات على المنقبين لحمايتهم، إذ يدفعون مقابلاً عما يتم استخراجه أو مجرد ضريبة للسماح للعمال بمزاولة نشاط التنقيب.
وتعد السيطرة على طرق العبور "كانياداس" أمراً ضرورياً بالنسبة للإرهابيين.. ففي حالة غرب أفريقيا مثلا، تخضع هذه الطرق لسيطرة مجموعة "بيول" العرقية، التي انضم أفرادها بكثافة للتنظيمات الإرهابية.
جزئية أخرى من بين تفضيلات الإرهابيين، وهي تثبيت وجودهم قرب مناطق استخراج المحروقات، حيث تعبُر خطوط أنابيب نقل النفط أو الغاز.. وأيضا في الغالب يختارون المواقع القريبة جداً من العواصم أو المدن الكبرى.
ومن بين تفضيلاتهم الجغرافية المناطق الغابوية الكثيفة أو المشجرة، على ألّا تكون بعيدة جداً عن مواقعهم.
انطلاقاً من كل هذه المعطيات، نجد مناطق شبيهة بالمواقع التي يحتلها الإرهابيون حالياً في القارة الأفريقية.. إذ تتوفر في شمال بنين مثلا جميع الظروف لتكون منطقة مثيرة لاهتمام الإرهابيين للاستقرار فيها، وعلى وجه الخصوص، الحدود مع نيجيريا والنيجر، والتي تحتلها حالياً جماعة "أنصارو"، التابعة لتنظيم "القاعدة" الإرهابي على الجانب النيجيري.
ومن المحتمل أن يكون كل شمال توجو على حدودها مع بوركينا فاسو موضعَ اهتمام الإرهابيين، كما تتوفر في شمال غانا وكوت ديفوار ظروف مشابهة جداً يفضلها الإرهابيون.
أيضا غينيا كوناكري، التي ينتمي 35٪ من سكانها لعرقية البيول، تُعتبر مكاناً مثالياً للتمدد الإرهابي. ففي شمال البلاد، على طول الحدود مع مالي وكوت ديفوار، توجد منطقة تعدين.. كما تزخر بمناطق مشجرة على طول الحدود مع مالي.. وللمفارقة، لا تصلنا أي أنباء عن حدوث عمليات إرهابية في غينيا كوناكري، وإن كانت توجد بها خلايا نائمة.
ولا تعني نيّات التوسّع أن ذلك سيحدث بشكل فوري.. بل إن لحظة المحاولة ستكون مدروسة للغاية، وسوف يُقدِم الإرهابيون على ذلك عندما يكون لديهم العدد الكافي من المجندين والقادة المؤهلين للتمدد في مناطق جديدة، ولن يتخذوا خطوة التوسع والانتقال إلى مكان جديد إذا كانوا يتوقعون أن عليهم الانسحاب منه سريعا.. لذلك، يجب إيلاء عناية خاصة لدعاية التجنيد، التي عادةً ما يتم بثها من قبل التنظيمات الإرهابية قبل بدء التوسّع بفترة طويلة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة