أفريقيا في مجلس الأمن.. هل تقطف قمة واشنطن المقعد الدائم؟
لطالما سعى القادة الأفارقة إلى إصلاح مجلس الأمن الدولي، في مطلب يحمل للقارة السمراء أملا في مقعد دائم لها في هذا التكتل الدولي.
دعوات أفريقية لإصلاح المؤسسة الأممية تزايدت وسط اهتمام متجدد من قادتها لمعالجة ما يرونه إقصاء تاريخيا من العضوية الدائمة في هذا المنبر.
وفي تطور كبير اخترق جدار هذا الأمل، أخبر الرئيس الأمريكي جو بايدن، الجمعية العامة للأمم المتحدة، في سبتمبر/أيلول الماضي، أن الولايات المتحدة ستدعم إصلاح مجلس الأمن، مشيرا على وجه التحديد إلى إضافة أعضاء دائمين من أفريقيا.
فهل ستتناول القمة الأمريكية الأفريقية التي تنطلق اليوم الثلاثاء، في واشنطن، إصلاح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة؟
سؤال يجد إجابته في تحليل طالعته "العين الإخبارية" في "معهد الولايات المتحدة للسلام" على موقعه الإلكتروني.
استكمالا للخلاصة التي جاءت في مقدمة التقرير ، يرى المعهد الذي أسسه الكونغرس عام 1984 ويتخذ من واشنطن مقرا له، أن مثل هذا التغيير لن يعترف فقط بالدور المحوري لأفريقيا في إقامة السلام والازدهار العالميين ، بل سيفتح أيضا طرقا جديدة لمواجهة أصعب التحديات التي تواجه المجتمع الدولي.
واعتبر المعهد أن القمة الأمريكية الأفريقية "لحظة مواتية لتسليط الضوء على كيف يمكن للدعم الأمريكي للإصلاح أن يعزز الشراكة بين الولايات المتحدة وأفريقيا".
فالقادة السياسيون والمدنيون والأكاديميون الأفارقة يتطلعون ليروا كيف يخطط بايدن لترجمة هذا الالتزام إلى عمل، وكيف سيغتنمون هذه اللحظة لتعزيز موقفهم المشترك.
زخم على الطاولة
الزخم وراء الدعوات لإصلاح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ، بالإضافة إلى ما يبحث عنه القادة الأفارقة في نظام السلام والأمن الجديد للأمم المتحدة، كان موضع نقاش شارك فيه مؤسس مجموعة "أماني" للأبحاث المتخصصة بشؤون الاتحاد الأفريقي، سولومون ديرسو، وتيم موريثي من معهد العدالة والمصالحة ، وسوزان ستيجانت من معهد الولايات المتحدة للسلام.
وتحت عنوان" لماذا كان إعلان الرئيس بايدن للجمعية العامة للأمم المتحدة مهما؟، تقول ستيجانت إن استراتيجية إدارة بايدن تجاه أفريقيا جنوب الصحراء تعترف بأنه "من المستحيل مواجهة التحديات المحددة اليوم بدون المساهمات والقيادة الأفريقية".
وباختصار- ترى ستيجانت- أن الأفارقة يحتاجون إلى مقعد على الطاولة ، وصوت في تشكيل المناقشات ، وتصويت في اتخاذ القرارات. في إشارة لمجلس الأمن.
وعندما يتعلق الأمر بمسائل السلام والأمن ، فإن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة هو أهم منتدى في العالم.
ومن خلال الإعلان عن دعم الولايات المتحدة لإضافة أعضاء دائمين من أفريقيا إلى مجلس الأمن الدولي ، يتطلع الرئيس بايدن إلى استخدام هذه الاستراتيجية من خلال رفع القيادة الأفريقية في المؤسسات الأكثر أهمية. بحسب الخبيرة نفسها.
أما موريثي، فيشير إلى أنه منذ أن خفت قوة الدفع لتغيير النظام العالمي بعد نهاية الحرب الباردة ، كان الاستعداد لمتابعة إصلاح مجلس الأمن أمرا بعيد المنال.
ومع ذلك، يرى أن إعلان بايدن في الجمعية العامة للأمم المتحدة يشير إلى أن إدارته تضع الأسس للابتعاد عن موقفها السابق وموقف أسلافه.
ديرسو، من جهته يعتبر أن النظام متعدد الأطراف الذي تم تشكيله بموجب ميثاق الأمم المتحدة عانى من أزمة شرعية منذ البداية تقريبا.
فهو يرى أن النظام غربي، سواء في التصميم أو التشغيل، لكن تراجع تأثير الغرب وصعود قوى ناشئة جديدة تركت ديناميكية قوة بعد الحرب العالمية الثانية عفا عليها الزمن وغير متزامنة مع الواقع الحالي.
المقعد الدائم.. "مظالم" العصر
بالنسبة للدول الأفريقية، من وجهة نظر ديرسو، يمثل عدم وجود مقعد دائم واحد في مجلس الأمن أحد أبرز مظالم الظلم التي تعرضت لها القارة من قبل النظام متعدد الأطراف.
إذ أن غالبية جدول أعمال مجلس الأمن الدولي تتعلق بأفريقيا ، لكن الأفارقة المتأثرين مباشرة بقرارات الهيئة ليس لديهم رأي يذكر في النتائج.
بالإضافة إلى ذلك ، لا يتم تطبيق قواعد النظام متعدد الأطراف بشكل متسق. فالأحداث في العراق وليبيا وأوكرانيا كشفت الآن عن حدود مجلس الأمن عندما يتعلق الأمر بمنع وتجنب الحروب التي يشارك فيها أعضاء دائمون يتمتعون بحق النقض. بحسب المتحدث ذاته.
حالٌ ينشد التغيير
وتعتبر الدعوات لإصلاح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ليست جديدة بالنسبة لأفريقيا، فدولها تبنت بالفعل موقفا مشتركا بشأن هذه القضية من خلال الاتحاد الأفريقي، الذي لديه أيضا لجنة وزارية طويلة الأمد حول موضوع إصلاح المؤسسة الأممية.
وفي هذه الجزئية يلفت مؤسس مجموعة "أماني" للأبحاث المتخصصة بشؤون الاتحاد الأفريقي، إلى أن الدورة الأخيرة من اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي اعتبرها مختلفة عن سابقاتها لاسيما "في ظل الحرب الأوكرانية والتشرذم والانقسام الذي ظهر في أعقابها".
وهي نقطة أشار لها الرئيس النيجيري، محمد بخاري في كلمته أمام الجمعية العامة، قائلا إن التحديات التي أثارتها الحرب في أوكرانيا وغيرها من الأزمات الأخيرة تبرر دعوات لجعل مجلس الأمن أكثر تمثيلا وقدرة على تلبية المطالب الحالية.
قلقٌ أفريقي توقف عنده تيم موريثي، مشيرا إلى أن أفريقيا حاولت التعبير عن قلقها بشأن الحاجة إلى التغيير داخل نظام الأمم المتحدة الحالي لأكثر من 17 عاما، مذكرا بالإعلان الصادر عن الاتحاد الأفريقي عام 2005 والذي اتخذت من خلاله دول القارة بشكل جماعي موقفا مشتركا بشأن إصلاح مجلس الأمن.
وكذلك الإجماع الذي جاء في إعلان "إزولويني" الصادر عام 2005، ، حول التمثيل الكامل لأفريقيا في مجلس الأمن، بمقعدين دائمين مع حق النقض ، بالإضافة إلى خمسة مقاعد غير دائمة.
في الآلية يكمن الإصلاح
دعوة بايدن بشأن الحاجة إلى إصلاح مجلس الأمن الدولي من خلال عملية شاملة تلبي مطالب الدول الأفريقية، تشير إلى أن هذه القضية يجب أن تظهر بشكل بارز في قمة قادة الولايات المتحدة وأفريقيا. بحسب تيم موريثي من معهد العدالة والمصالحة.
وهنا، ينوه الخبير إلى إدراك مؤسسي الأمم المتحدة بأن هذه اللحظة ستأتي، ووضعوا لها آلية عملية تتضمنها المادة 109 من ميثاق المنظمة الدولية والمعروفة باسم "المؤتمر العام لمراجعة ميثاق الأمم المتحدة".
ووفقا لهذه الآلية ، يمكن عقد مؤتمر مراجعة الميثاق بموافقة ثلثي الجمعية العامة وأي تسعة أعضاء في مجلس الأمن.
بالإضافة إلى ذلك ، لا يسمح للأعضاء الدائمين باستخدام حق النقض ضد مثل هذا الاقتراح.
ولذلك، يقول موريثي إنه إذا كان بايدن ملتزما بالفعل بمتابعة دعوته، فإن عقد مؤتمر مراجعة الميثاق هو وسيلة عملية للمضي قدما لمعالجة مخاوف أفريقيا.
فمثل هذا المؤتمر يمكن أن يتبنى توصية لتغيير ميثاق الأمم المتحدة بشكل جوهري ، بما في ذلك دور مجلس الأمن الدولي ، وإدخال أحكام جديدة، أو بدلا من ذلك ، يمكنها صياغة الخطوط العريضة لمعاهدة عالمية جديدة تماما لمؤسسة مصممة لواقع القرن الحادي والعشرين.
وتكمن أهمية الإصلاح في الجمعية العامة للأمم المتحدة، بنظر موريثي، في أنها مؤشر على أن الهيئة مهيأة للعب دور محوري، بحيث إذا تمكنت البلدان الأفريقية من العمل جنبا إلى جنب مع البلدان الأخرى ذات التفكير المماثل في قيادة جدول الأعمال هذا ، فيمكن الاستفادة من هذه الفرصة المتجددة بشكل فعال لدفع التغيير الحقيقي.
أما ديرسو، فيعود ليذكر بأن التمثيل الدائم وحق النقض هو التركيز الأساسي لمصالح أفريقيا في إصلاح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.