شاكر بارحمة.. قصة كفيف يمني أصبح سفيرا للسلام
"كنت منطلقًا في حياتي ولهذا تعرضت للكثير من الحوادث".. يلخص الشاب اليمني الكفيف شاكر بارحمة حياته التي قضاها بين شبوة وعدن اليمنيتين.
لم يُبصر شاكر أنوار الحياة بشكل كامل، إذ وُلد مصابًا بمرض العشى الليلي، أو العمى الجزئي الوراثي، لكنه لم يستوعب هذه الحقيقة في صغره، فراح يمارس طفولته مع أقرانه في قريته ومدرسته، وأصيب بسبب ذلك بكسور نتيجة سقوطه من على سطح منزله ذات مرة، أو أثناء اللعب مع الأطفال.
يقول بارحمة لـ "العين الإخبارية": "لم تمنعن إعاقتي من الانطلاق وممارسة كل تفاصيل الحياة بعفوية وشغف".
غير أن ما يتعرض له من حوادث وكسور منعت شاكر من مواصلة الدراسة، حيث ارتأت عائلته الحفاظ على حياته من أن يكمل تعليمه، فانطلق يستلهم دروس الحياة الواقعية، ويتعلم منها.
يضيف: "قد تكون عائلتي حرمتني من التعليم، بسبب عدم وجود تعليم خاص بالمكفوفين في قريتي بمنطقة الروضة في محافظة شبوة، إلا أن هذا المطب الطارئ في حياتي، اضطرني لأنهل من مورد الدنيا، بشكل مباشر".
ويشير بارحمة إلى أن والده كان من أكبر المشجعين له، ودفعه بقوة ليواجه ظروف الحياة، فكان يستمع لرأيه، ويأخذ بمشورته رغم حداثة سنه، كما كان يوكل إليه الكثير من المهام، ولم يشعره بأنه كفيف أو معاق، أو أن هناك شيئًا ينقصنه.
العام 2005 كان الانطلاقة الفارقة في حياة شاكر، حيث انتقل إلى عدن، وهناك التحق بمركز محو الأمية، وانخرط في دورات تأهيلية في معهد النور للمكفوفين، وتمكن من إتقان القراءة بطريقة برايل، على يد أستاذه الكفيف علي مهدي فريد.
عندها فقط، بدأ بارحمة بتنمية ذاته، كما يقول: "طورت ذاتي من خلال اكتساب مهارات في التنمية البشرية واللغة الإنجليزية، والحاسوب، ونشطت في مجال بناء السلام والتماسك المجتمعي، واستفدت من تصاعد النشاط المدني في عدن خلال السنوات الأخيرة".
بعد تفوقه ونشاطاته في مجالات تعزيز تماسك المجتمع، اختير شاكر بارحمة سفيرًا للسلام عام 2018، من قبل منظمات المجتمع المدني في عدن، فكانت بمثابة الانطلاقة الحقيقية في حياته.
حينها، وبفضل هذا اللقب الذي فاز به، اختار شاكر لنفسه طريقًا ورسالة، يشرحها على لسانه بقوله: "تخصصتُ في مجال الدفاع عن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وبناء السلام، وأنشأتُ لغرض ذلك مبادرة (صناع الأمل) بعضوية مغلقة للمعاقين، واستطعت إدخال هذه الفئة إلى عالم التطوع في مجال بناء السلام المجتمعي.
ويفخر شاكر بأنه أول من أخذ بيد أقرانه من المكفوفين والمعاقين إلى عالم التطوع في عدن، ونتيجةً لذلك، أصبح هناك الكثير من المعاقين الناشطين في مجال بناء السلام في عدن.
عمل بارحمة في عدن رئيسًا لقسم ذوي الاحتياجات الخاصة في إحدى المؤسسات المدنية، وترأس عدة لجان متخصصة لمتابعة حقوق ذوي الاحتياجات في المرافق الحكومية، كما تلجأ إليها الكثير من مؤسسات المجتمع المدني؛ لإشراك ذوي الإعاقة ودمجهم مجتمعيًا.
ويؤكد: "كنتُ فاعلاً بشكل كبير في عدن، ومثلتُ المعاقين في عدة لجان وتكتلات مجتمعية، وأدرتُ ونظمتُ عددًا من الدورات للمعاقين وغير المعاقين، وشاركتُ في إدارة دورات للأشخاص السليمين، وألقيت أمام طلبة كليات جامعة عدن قصة كفاحي".
يعتقد شاكر أنه تجاوز مرحلة الإعاقة، ويقول: "لم تكن الإعاقة سببًا في عرقلتي عن الانطلاق، بل عملت بجد واعتبرت الإعاقة نعمة من نعم ربي، فضلني بها على غيري، ومن هذا المنطلق كنت أتحرك وأجتهد في عدن، وكنت أتنقل من عمل إلى آخر، ولم يعيقني شيء".
في مارس/آذار الماضي، كلف شاكر بارحمة مديرًا عامًا لصندوق رعاية وتأهيل المعاقين في محافظة شبوة، وأسس لأول مرة في المحافظة جمعية خاصة للمكفوفين، لتكون ذلك انطلاقة كبرى في حياته.
ويلفت إلى وجود خطط لتأهيل المعاقين في شبوة، وإدماجهم في سوق العمل، حتى يكسب المعاق لقمته بيده، من خلال دورات حرفية ومهنية، بالإضافة إلى فتح مراكز تعليمية خاصة بالمكفوفين وأخرى خاصة بالصم والبكم.
ويبعث شاكر بارحمة برسالةٍ إلى كافة المعاقين، مفادها: "ضرورة ألا ينعزل المعاق بسبب إعاقته، بل يجب أن تكون هذه الإعاقة سببًا في انطلاقته".
ويضيف: "فتّش في داخلك أيها المعاق، ومن المؤكد أنك ستجد شيئًا يفتقر إليه الآخرون، موهبة.. مهارة.. رؤية.. فكرة".
ودعا شاكر بارحمة السلطات الحكومية إلى إسناد مهام المعاقين ورعايتهم إلى كفاءات من نفس الفئة، حتى يديروا شئونهم بأنفسهم؛ فالمعاق أدرى باحتياجات زملائه.
كما ينصح الأسر والعائلات بضرورة منح الأطفال المعاقين الثقة بأنفسهم، ويخلقوا في نفوسهم حب المسئولية، وأن يفخروا بأولادهم المعاقين، فلربما أصبحوا شيئًا عظيمًا يومًا ما.