تقنين الشريعة، وإلزام القضاة بها، يحقق جذباً للاستثمارات من الخارج, ومن أهم خطوات التنمية.
يجب أن نعترف بأن هناك كثيراً من المستجدات طرأت على حياة الناس اليوم، لم يعد الفقه القديم الموروث من فقهاء الأمس قادراً على مواكبتها. وأفضل مثال على ما أقول، وليس لها دليل ثابت وقطعي من الكتاب والسنة قضية التكافؤ في النسب، فما زالت هذه القضية مرتبطة ارتباطاً كاملاً باجتهاد القاضي الذي ينظر في القضية، فإن أراد اختار من أقوال الفقهاء ما يبرّر رفضها، وإن أراد العكس.
أي مستثمر يرغب في الاستثمار في المملكة سيسأل أول ما يسأل عن الأنظمة والقوانين التي من شأنها توفير العدالة والأمان لاستثماراته، لذلك فإن تقنين الشريعة، وإلزام القضاة بها، سيحقق جذباً للاستثمارات من الخارج
كذلك قضية رد الرجل المتقدِّم لخطبة المرأة لأنه يعزف العود مثلاً كما حصل مع معضولة عنيزة، رغم أن جميع الفقهاء والأصوليين يقرون أن مسألة تحليل أو تحريم الأغاني والمعازف قضية يكتنفها اختلاف معتبر بين فقهاء المذاهب، ولا يمكن إنكار ذلك. وهناك كثير من المسائل المالية والتجارية، ومسائل العقود هي أيضاً محل تحريم أو إباحة.
ومهما كتبنا وأثرنا مثل هذه القضايا فلا قيمة لها، انطلاقاً من أن حكم الحاكم -(القاضي) - يرفع الخلاف، ويصبح ما حكم به واجب النفاذ حسب أقوال فقهاء الأصول. ومن الظلم أن تبقى قضايا الناس معلّقة حسب اجتهاد القاضي ومواقفه ورؤيته، فإذا كان متشدداً اتخذ أحكاماً متشددة، وإن كان قاضياً متسامحاً، ذا أفق واسع، أو أنه نظر في القضية من زاوية أخرى، فإن الحكم الإباحة. مثل هذا التباين بين القضاة يجب أن يوجد له حل، وخصوصاً أننا نعيش ضمن رؤية 2030 التي تعتمد على استقطاب المستثمر للمشاركة في تلك الخطة التنموية الطموحة.
لكل هذه الأسباب مجتمعة لا بد من العمل وبشكل عاجل، على تقنين الشريعة، وتنظيم شؤون القضاء بما يكفل تحقيق الشريعة لمقاصدها العليا؛ قد يقول قائل: إن قضاتنا الحاليين ليسوا مؤهلين للحكم انطلاقاً من القوانين المستقاة من الشريعة، حيث إن القانون لم يكن من ضمن ما درسوه في تعليمهم الشرعي، وبالتالي قد يحدث فوضى في المحاكم نحن في غنى عنها. مثل هذا الجانب يمكن لنا السيطرة عليه في البداية من خلال إلزام القضاة بالتعامل مع الشريعة المقنّنة بدورات تأهيل لهم، وخلال مرحلة انتقالية لمدة سنتين أو ثلاث، نقوم باستقدام مستشارين قانونيين من الخارج، كجامعة الأزهر والزيتونة مثلاً، يكون عملهم استشارياً لدى القضاة، وأمر كهذا لن يستمر دائماً، وإنما فقط في المرحلة الانتقالية بعد إصدار القوانين الشرعية، وبمجرد أن القضاة يعتادون على التعامل مع القوانين المستقاة من الشريعة، وكيفية الحكم بها، نتخلّص من هؤلاء المستشارين.
ونحن لا يمكن لنا جذب الاستثمارات من الخارج حتى يكون لدينا قضاء يعتمد على قوانين مستقاة من الشريعة الغراء، فأي مستثمر يرغب في الاستثمار في المملكة سيسأل أول ما يسأل عن الأنظمة والقوانين التي من شأنها توفير العدالة والأمان لاستثماراته.
لذلك فإن تقنين الشريعة، وإلزام القضاة بها، سيحقق جذباً للاستثمارات من الخارج, بل أرى أنه من أهم الخطوات التي نحتاجها في خططنا التنموية.
نقلا عن "الجزيرة السعودية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة