عمدة فن التلاوة، ومقرئ عزاء الزعيم المصري سعد زغلول، وصاحب صوت فريد في الترتيل والتجويد، إنه القارئ عبدالفتاح محمود الشعشاعي.
ولد الشعشاعي في أسرة قرآنية بقرية تحمل اسم عائلته شعشاع في محافظة المنوفية شمال مصر عام 1890، وورث عن والده حسن التلاوة، وأتم حفظ الكتاب في سن العاشرة.
وكعادة أبناء جيله، انتقل الشعشاعي إلى محافظة طنطا لتلقي العلم في المسجد الأحمدي، وهناك تعلم أصول التجويد، وأظهر تفوقًا ونبوغًا فريدًا، فنصحه المشايخ بالالتحاق بالأزهر الشريف في القاهرة.
الشيخ عبدالفتاح الشعشاعي
شد القارئ الشاب الرحال إلى الجامع الأزهر في القاهرة، وتلقى دروسه على يد الشيخ علي سبيع والشيخ بيومي، وفي القاهرة كوّن فرقة تواشيح دينية، وكان أحد أعضائها الشيخ زكريا أحمد الملحن الشهير.
وحققت فرقة التواشيح الدينية نجاحًا باهرًا وذاع صيت الشعشاعي بين الآلاف، وفي الليلة الكبيرة لمولد الحسين نحو عام 1925 تقدم لمقارعة كبار مقرئي الجيل الذهبي مثل الشيخ محمد رفعت والشيخ علي محمود.
وأطرب الشعشاعي مريدي الحسين في تلك الليلة، التي كان لها الفضل في نقل صوته إلى أرجاء العالم الإسلامي، وصارت له مدرسة في التلاوة، وتتلمذ فيها قراء كثر مثل محمود علي البنا وأبوالعينين شعيشع.
تفكيك فرقة التواشيح
عندما توفي الزعيم المصري سعد زغلول في أغسطس/آب 1927، وقع الاختيار على الشيخ الشعشاعي لقراءة القرآن في مأتم عزائه، كما قرأ في عزاءي رئيسي وزراء مصر عبدالخالق ثروت وعدلي يكن.
وانفصل الشعشاعي عن فرقة التواشيح الدينية عام 1930 لإصابته بمرض فى حنجرته. وفي لفتة إنسانية، قرر تخصيص راتب شهري لرفاق دربه في الفرقة حتى وفاتهم، وكان يعترف دائمًا بفضل رفاقه والآخرين.
وقبل افتتاح الإذاعة المصرية في مايو/ أيار 1934، عرض على الشيخ الشعشاعي القراءة عبر الأثير، لكنه رفض في بادئ الأمر خشية أن تكون من المحرمات، نظرًا لانطلاقها بالتعاون مع شركة ماركوني الإنجليزية.
تحريم الإذاعة والراديو
وكان الشيخ القارئ محمد رفعت أول المعترضين على القراءة للإذاعة، وعندما كثر تحريم المشايخ للإذاعة توجه إلى شيخ الأزهر وقتها الشيخ محمد الظواهري، فأقنعه بأن القراءة في الإذاعة أمر عادي ومحبوب.
وقال شيخ الأزهر للشيخ محمد رفعت إن الراديو وسيلة تصل العلم والمعرفة والقرآن إلى الجميع، وإذا كان هناك عيب فإنه فيما يقدم عبر الراديو وليس في الراديو ذاته، وأن القرآن خير شيء يقدم عن طريق الإذاعة.
اقتنع الشيخ رفعت بفتوى شيخ الأزهر، فوافق على القراءة في حفل افتتاح الإذاعة المصرية بدار الأوبرا المصرية، ومن بعده وافق الشيخ الشعشاعي على تقديم فقرة قرآنية وكان يتقاضى نظيرها 500 جنيه سنويًا.
أول من قرأ بمكبر الصوت
وتشير الروايات التاريخية إلى أن الشيخ الشعشاعي كان أول من قرأ القرآن الكريم عبر مكبرات الصوت في الحرم المكي والمسجد النبوي بالمملكة العربية السعودية، كما تلا آيات الذكر الحكيم في وقفة عرفات 1948.
وتوفي الشيخ الشعشاعي عام 1962 عن عمر ناهز 72 عامًا، وكانت حياته مكرسة بالكامل من أجل القرآن وتلاوته، وترك للمكتبة المصرية والعربية إرثًا زاخرًا من التسجيلات، منه 400 تسجيل بالإذاعة المصرية.
وفي عام 1990، منح الرئيس الراحل محمد حسني مبارك وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى لاسم الشيخ الشعشاعي تقديرًا لدوره في خدمة القرآن وتلاوة آياته، كما حاز العديد من الأوسمة والتكريمات في حياته.