يمكن القول إن فن التلاوة في مصر ظهر على يد القارئ أحمد ندا، فهو مؤسس دولة التلاوة وشيخ قراء الرعيل الأول ومعلم الشيخ محمد رفعت.
وبخلطة نادرة، اجتمعت مواصفات القارئ الفذ في شخص الشيخ أحمد ندا، ويمكن إيجازها في الصوت الجميل، والإلمام بأحكام التلاوة، ومراعاة علم النغم والمقامات.
وفي حياته، لم يجد الشيخ أحمد ندا منافسًا له في عالم التلاوة، والواقع أنه كان في منافسة مع نفسه، بفضل تفوقه الكاسح وظهوره على جميع أقرانه، وكان خير نموذج لشخصية قارئ القرآن.
القارئ الشيخ أحمد ندا
ولد الشيخ أحمد أحمد عبدالسلام أحمد، وشهرته أحمد ندا، في منطقة العباسية بالقاهرة نحو عام 1865، ويقال إن والده كان مؤذنا في مسجد السيدة زينب، وأتم حفظ القرآن الكريم في سن مبكرة.
وحين دخل عالم التلاوة، كان أشهر قراء عصره: الشيخ محمود القيسوني والشيخ حسن الصواف والشيخ حنفي برعي، وكان الأول مؤذن القصر، وسرعان ما تفوق القارئ الشاب على ثلاثتهم وأصبح أكثرهم صيتًا.
وفي وقت قصير، أصبح القارئ أحمد ندا نجمًا في المجتمع المصري، وصارت له مكانته في دوائر الساسة والزعماء، وكان شديد الحرص والاهتمام بمظهره وسلوكياته، وكذلك لأحكام التلاوة والاقتداء بخلق القرآن.
مؤسس دولة التلاوة
ومع تزايد الإقبال عليه في حلقات الذكر وأمسيات التلاوة التي أقامها الأعيان وكبار رجال الدولة، تمكن "ندا" من بناء قصره قرب مسجد السيدة زينب، ليتحول سريعًا إلى منارة للعلم والدين وملتقى لأهل الدين والفن.
ويقول الكاتب شكري القاضي في كتابه "عباقرة التلاوة في القرن العشرين": "أجمع كل المعاصرين للشيخ أحمد ندا من كتاب وصحفيين وأدباء وشعراء على قامة الشيخ ندا وعظيم دوره في تأسيس دولة التلاوة".
وقال عنه الكاتب المصري عبدالعزيز البشري: "صوت أحمد ندا كان سيد الأصوات وأقواها، وإنه ليكون في أعلى طبقات الصوت حتى ليخيل إليك أن شرايين رأسه ستنفجر، فإذا به يحوم حول طبقة أعلى يلتمس إليها الوسائل وينصب لها الشباك والحبائل حتى يتمكن منها ويرسل بها إلى عنان السماء".
حنطور و6 خيول
بينما قال عنه الصحفي الراحل حافظ محمود: "كانت نافذتنا في بيتنا القديم تطل على مسجد السيدة زينب، وكان صوت القارئ الشيخ أحمد ندا يصلني على بعد نحو 90 مترًا تقريبًا رغم عدم وجود مكبرات صوت حينها، وكان الشيخ يقرأ فيجوّد وكأنه يخطب، وكانت تمتزج في صوته القوة والحلاوة معا".
ورغم تمكّنه من التلاوة، لم يفكر الشيخ في احترافها سوى في بدايات القرن العشرين، ويقول الكاتب شكري القاضي: "خلال سنوات تعد على أصابع اليد الواحدة أصبح أحد أبرز النجوم الزاهرة في المجتمع، وكان كبار القوم وعليته يحرصون على دعوته ويغدقون عليه من المال الوفير والجنيهات الذهبية".
ويصور "القاضي" حياة الأبهة والفخامة التي عاشها الشيخ أحمد ندا في حي السيدة زينب بالقاهرة، فيقول إنه امتطى حنطور تجره 6 خيول، وأصبح ملء السمع والبصر، وكان ينتظره جمهور المستمعين بفارغ الصبر في أي مكان يذهب إليه، ويتوافد آلاف المصلين على مسجد السيدة زينب وما حوله للاستماع إلى تلاوته.
جنازة شعبية ورسمية
وتوفي الشيخ أحمد قبل عام 1935 عن عمر ناهز 70 عامًا، وشيع جثمانه في جنازة رسمية وشعبية، تقدمها كبار رجال الدولة وبعض المبعوثين من الدول الإسلامية وشارك فيها عشرات الآلاف من مريديه ومحبيه، وجاءت وفاته قبل افتتاح الإذاعة المصرية، ولم يسعفه الوقت لتسجيل قراءاته في الراديو.
ووفقًا للكاتب شكري القاضي، أنجب القارئ الشيخ أحمد ندا 5 أبناء، ثلاثة ذكور هم: أحمد، محمد ومحمود، وابنتان هما: سكينة وزينب، وتوفوا جميعهم، ومن أحفاده المطربة فوقية محمود أحمد الشهيرة بـ"شريفة فاضل" وتوفيت هذا العام، ورجل الأعمال جلال محمود أحمد، والمطربة المعتزلة ثناء ندا.