بالصور.. شيخ الأزهر يطلق رسائل "صريحة" عن جمود الفتوى ومهابة الاجتهاد
الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر ورئيس مجلس حكماء المسلمين، يطلق مجموعة من الرسائل الصريحة بالمؤتمر العالمي للإفتاء.. ماذا قال؟
وجه الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر ورئيس مجلس حكماء المسلمين، مجموعة من الرسائل خلال كلمته بمؤتمر دار الإفتاء المصرية "التكوين العلمي والتأهيل الإفتائي لأئمة المساجد للأقليات المسلمة"، والذي انطلق بالقاهرة، الإثنين، دار مجملها عن الضرر الذي تسبب به جمود الفتوى ومهابة العلماء والمشايخ من الاجتهاد، والذي قال، إنه "ألحق العنت والضرر بجماهير الأمة".
وأعرب شيخ الأزهر، في بداية كلمته، عن تمنياته أن يحقق المؤتمر ما يَنتظرُه المسلمون، الذين يُعلِّقون آمالًا كبرى على أهلِ الفتوى ودُورِ الإفتاءِ؛ في التخفيفِ من هذا الانفصامِ الذي بدأ يتَّسعُ ويزداد اتِّساعًا يومًا بعد يومٍ، بين حياتهم المُعاصِرةِ وحاجاتها وضروراتها من جهةٍ، وبين هذا التِّيهِ من الفقهِ العَبَثيِّ.
وأضاف الإمام الأكبر، في خطابه الذي اتسم بالمصارحة والواقعية، بأن ما أسماه بالفقهُ العبثيُّ وجد كتائبَ موازيةً من المُفتينَ؛ قال "إنهم نَجَحوا في أن يتغلَّبوا على كثيرٍ من دُورِ الإفتاءِ في عالَمِنا العربيِّ، وأكادُ أقولُ: على كلِّ مَجامِعِ الفقهِ والتشريعِ، وأوَّلُها مَجمَعُ البحوثِ الإسلاميةِ هنا في الأزهر"ِ.
وموضحًا سبب نجاح تلك الكتائب، قال شيخ الأزهر: "لم يكن هذا النجاحُ أو هذه الغَلبةُ بسببٍ من عقلانيَّةِ هذا الفقهِ أو يُسرِه، أو قُدرتِه على جعلِ الحياةِ أيسرَ ممَّا هي عليه، وإنَّما بلغَ هذا النجاحُ ما بلغَ بالقدرةِ على التحرك والنزولِ إلى الناسِ بدُعاةٍ وداعياتٍ، ودُخولِ البيوتِ في القُرى والكُفُورِ، عِلاوةً على اعتلاءِ بعض المنابرِ، والتحدُّثِ إلى الناسِ بما يُريدون، في الوقتِ الذي ظلَّت فيه فتاوى دُورِ الإفتاءِ، وفتاوى المَجامِعِ ولجانِ البحوثِ الفقهيةِ، فتاوى فرديَّةً راكدة، قاصرةً على المُستفتي، أو حبيسةَ مُجلَّداتٍ عِلميَّةٍ لا يفيد منها ملايين الجماهير مِن المسلمين، أو رَهْنَ مؤتمراتٍ يُحدِّثُ فيها بعضُنا بعضًا، ونتواصَى في نهاياتِها بما شاءت لنا أحلامُنا من آمالٍ وأمانٍ لا تَجِدُ من المُختصِّين مَن يرعاها أو يتابعُها أو يسعى إلى تنزيلِها على واقعِ الناسِ".
رسائل الإمام الأكبر التي جاءت حاسمة وحازمة، استهلها مخاطبًا الحضور: "أنا قبلَكم أوَّلُ مَن يتحمَّلُ نصيبَه من المسئوليَّةِ أمامَ الله وأمامَ المسلمين، ولكني ربَّما كنتُ أكثرَكم التصاقًا بالجماهيرِ والبؤساءِ والبائساتِ، ومعرِفةً بما يَلحَقُهم من مُشكلاتٍ أُسَريَّةٍ تبلُغُ حدَّ الدَّمارِ والتشريدِ؛ بسببٍ من جُمودِ الفتوى، وتهيُّبِ الاجتهادِ، والعجزِ عن كسرِ حاجزِ الخوفِ من التجديدِ، حتى ظننتُ أنَّنا -كأهلِ علمٍ وإفتاءٍ- إن كنَّا على علمٍ دقيقٍ بما نُفتي به نصًّا؛ فإننا مُغيَّبون قليلًا أو كثيرًا عن محلِّ النصِّ، وإدراكِ الواقعِ الذي يُفتيَ بتنزيلِ النصِّ عليه. لا نتوقَّفُ عنده، ولا نتأمَّلُ مُلابساتِه ولا وزنَ الضررِ الذي يترتَّبُ عليه، ولا حجمَ المُعاناةِ الاجتماعيةِ والنفسيةِ التي تأخُذُ بتلابيبِ الناسِ من جرائه".
وخلال كلمته، سلط الإمام الأكبر الضوء على مشكلة حية وهي ظاهرة تعدد الزواج، وفوضى الطلاق، وما يتصل بها من فتاوي، مشددًا في الوقت نفسه على أنه لا يدعو إلى تشريعات تلغي حق التعدد، بل يرفض أي تشريع يصدم أو يهدم تشريعات القرآن الكريم أو السنة المطهرة، أو يمسهما من قريب أو بعيد، قاطعًا الطريق على المزايدين والمتربصين.
وفي نقاش فقهي، حمل فيه هموم الأسر المسلمة، التي تتعرض فيها الزوجة لعنت يلحق بها أو تشريد يدمر أطفالها، تساءل الشيخ الجليل عما يحمل المسلم الفقير المعوز على أن يتزوج بثانية ويترك الأولى بأولادها وبناتها تعاني الفقر والضياع ولا يجد في صدره حرجا يرده عن التعسف في استعمال هذا الحق الشرعي، والخروج به عن المقاصد والمآل.
وأجاب شيخ الأزهر ورئيس مجلس حكماء المسلمين بأن الدعوةَ إلى شريعةِ الإسلامِ في هذه القضيةِ لم تَصِلْ لهؤلاء على وجهِها الصحيحِ، وأنَّ الفتاوى –في هذه القضية- تراكَمَتْ على المشروطِ الذي هو إباحةُ التعدُّدِ، وسكتت عن شرطَ التعدُّد، وهو: العدلُ وعدم لُحوقِ الضررِ بالزوجةِ.
وأشار شيخ الازهر إلى مشكلة حاجز الخوفِ بين أهلِ الفتوى من الفقهاءِ والعلماءِ، وبين الاجتهادِ والنظرِ في الحكمِ والدليلِ، بعد النظرِ في محلِّ الحكمِ، وما يَعتَوِرُه من مصالحَ أو مفاسدَ.
وفي مصارحة مع الحضور قال الإمام الأكبر: "مِن المُؤلِمِ جِدًّا أَنْ أسجِّلَ هنا أنَّ علماءنا ومُفتِينا في القرنِ الماضي كانوا أكثرَ شجاعةً مِن علمائنا اليومَ على اقتحام قضايا وأحكامٍ مَسَّتْ حاجةُ الناسِ إلى تجديدِها والاجتهادِ فيها في ذلكم الوقت".
وتابع شيخ الأزهر أن "دار الإفتاء التي حسمت فتوى تتعلق بالطلاق منذ 90 عامًا، تترد هي ومجمعُ البحوثِ الإسلاميَّةِ-في اقتحامِ قضايا أكثرَ خطرًا في حياةِ الأسرةِ من قضيةِ الطلاقِ الثلاثِ بلفظٍ واحدٍ، ويمنعُها ويمنعُ أغلب علماءِ الأُمَّةِ حاجزُ الخوفِ الذي تحدَّثْنا عنه، والإبقاءُ على بابِ الاجتهادِ مُوصَدًا أمامَ المهمومين بآلامِ هذه الأمَّةِ، مِمَّا يؤدِّي، أو كاد يؤدِّي إلى انسحابِ الشريعةِ من واقعِ الناسِ ومجتمعاتِهم، والانزواءِ بها في دوائرِ البحثِ والدَّرْسِ".
ولفت الإمام الأكبر إلى أن إحجامَ الفقهاءِ عن الاجتهادِ سيترُكُ المجتمعاتِ الإسلاميةَ «للآخَرِ» يملأها بما يشاءُ، وهو: «لونٌ مِن الوقوعِ في فصلِ الدِّينِ عن الحياةِ، أو فصلِ الحياةِ عن الدِّينِ، الذي نتنكَّرُ له كشِـــعارٍ، ثم نُمارسُه كواقعٍ».
وقال الدكتور أحمد الطيب: "لا بُدَّ من الاعترافِ بأنَّنا نعيشُ أزمة حقيقية يدفع المسلمون ثمنها غاليًا حيثما كانوا وأينما وجدوا، نتيجة الخوف والاحجام من التعامل مع الشريعة التي نصفها بأنها صالحة لكل زمان ومكان، لتقديم إجابات مناسبة لنوازل وواقعات مستجدة، وأيضًا نتيجة غياب الرؤية المقاصدية التي تشوِّش حتمًا على النظرة الاجتهادية، وتأخذ الفقيه بعيدًا عن الحادثة التي يبحث في محلها عن الحكم الشرعي المناسب.. وأيضًا نتيجة الفتاوى المعلبةِ والمستوردةِ العابرةِ للدول والأقطار، ولا تراعي أحوال المجتمعات، ضاربة عرض الحائط باختلاف الأعراف والعادات والثقافات واللغات والأجناس، حتى صارت الفتوى الواحدة يُفتى بها للمسلم مهما اختلفت دياره وتنوَّعت أوطانه وتبدَّلت أحواله من حربٍ وسلامٍ وغنى وفقر وعلم وجهل".
وسجل شيخ الأزهر رأيه في مصطلح الأقلياتِ المسلمة، الوارد في عنوان المؤتمر، قائلًا: "هو مصطلح وافد على ثقافتنا الإسلامية، وقد تحاشاه الأزهر في خطاباته، وفيما صدر عنه من وثائق وبيانات، لأنه مصطلح يحمل في طياته بذور الإحساس بالعزلة والدونية، ويمهد الأرض لبذور الفتن والانشقاق، بل يصادر هذا المصطلح ابتداء على أية أقلية كثيرًا من استحقاقاتها الدينية والمدنية، وفيما أعلم فإن ثقافتنا الإسلامية لا تعرف هذا المصطلح، بل تنكره وترفضه، وتعرف بدلًا منه معنى المواطنةِ الكاملةِ كما هو مقرَّر في وثيقة المدينة المنورة".
وبينما يلقي شيخ الأزهر كلمته، استمع له الحضور بكثير من الاهتمام وصفقوا له بحرارة حينما تحدث عن المواطنة قائلًا: "المواطنةَ –في الإسلام- لها حقوق وواجبات ينعم في ظلالها الجميع، وفق أُسس ومعاييرَ تحقِّق العدل والمساواة، فالمواطن المسلم في بريطانيا مثلًا هو مواطن بريطاني مواطنة كاملة في الحقوق والواجبات، وكذلك المسيحيُّ المصري هو مواطن مصري مواطنة كاملة في الحقوق والواجبات، ولا محل مع هذه المواطنة الكاملة لأن يوصف أي منهما بالأقلية الموحية بالتمييز والاختلاف في معنى المواطنة".
وأضاف رئيس مجلس حكماء المسلمين أن "ترسيخ فقه المواطنة بين المسلمين في أوروبا، وغيرها من المجتمعات المُتعَدِّدة الهويات والثقافات - خطوةٌ ضرورية على طريق «الاندماج الإيجابي» الذي دعونا إليه في أكثرَ من عاصمة غربية.. وفقهُ المواطنة إذا نجحنا في ترسيخه في عقول المسلمين وثقافاتهم هو السد المنيع أمام الذرائع الاستعمارية التي دأبت على توظيف الأقليات في الصراعات السياسية وأطماع الهيمنة والتوسُّع، وجعلت من مسألة "الأقليات" رأس حربة في التجزئة والتفتيت اللتين يعتمد عليهما الاستعمار الجديد".
وعن تأهيل الأئمة للإفتاء، قال الدكتور أحمد الطيب شيخ الازهر ورئيس مجلس حكماء المسلمين: "إنه أمر بالغ الأهمية، وحسنًا ما صنعت دار الإفتاء المصرية حين انتبهت إلى أهميته وخطره، مذكرًا بجهود الأزهر في هذا الصدد حيث ساهم في تكوين الأئمة في الخارج وتوعيتهم بالقضايا التي تمس حاجات المسلمين هناك في أكثر من مجال".
وطالب شيخ الأزهر في ختام كلمته بحدوث نوعٌ من التنسيقِ في هذا مجال تأهيل الأئمة مع المنظَّمةِ العالميَّةِ لخرِّيجي الأزهر حتى لا يكون البدء من فراغ.
وفي وقت سابق، الاثنين، انطلقت فعاليات المؤتمر العالمي لدار الإفتاء المصرية الذي يُعقد تحت عنوان: (التكوين العلمي والتأهيل الإفتائي لأئمة المساجد للأقليات المسلمة)، الذي يستمر على مدى يومين وسط مشاركة رئيسية لعدد من الشخصيات البارزة وسفراء ٨٠ دولة، ورؤساء الإفتاء على مستوى العالم العربي والإسلامي.