العرب لم يحبوا الشيخ زايد إلا ردا لجميل حبه لهم، وربما لا يحتاج القارئ للكثير من البحث ليكتشف أن هناك إجماعا على هذه الشخصية الفريدة
يقال: "إن العرب اتفقوا ألا يتفقوا"؛ ورغم شيوع هذه المقولة؛ فهي ليست قاعدة؛ فهناك حالات تدحضها؛ مثال ذلك الإجماع العربي على حب المرحوم الشيخ زايد؛ فلم يتفق العرب على حب وتقدير شخصية في تاريخهم الحديث، خصوصا إذا كانت هذه الشخصية تتولى منصبا سياسيا؛ كما حدث مع الشيخ زايد.
ذكرتني القصة التي أوردت في المقال الماضي حول رجل التبو في أعماق الجنوب الليبي الذي بلغ من الكبر عتيا عندما ذكرت له اسم الإمارات؛ وقال لي متأثرا: بلغهم سلامي بلاد الشيخ زايد رجل الخير والمحبة رحمه الله.
ذكرني ذلك باتفاق الجميع على حب شخصية هذا الرجل؛ ووقفت كثيرا في ذلك الوقت وبعده؛ أفكر بروية في هذا الموقف.
فكيف اتفق جميع العرب على اختلاف توجهاتهم وألوانهم وقبائلهم وعشائرهم، على هذا الرجل؟ الواقع أن العرب لم يحبوا الشيخ زايد إلا ردا لجميل حبه لهم؛ وربما لا يحتاج القارئ للكثير من البحث ليكتشف أن هناك إجماعا عربيا على هذه الشخصية العربية العروبية الفريدة من نوعها؛ ثم إن مواقف الشيخ زايد جميعها كان منطلقها وغايتها الاستثمار في الإنسان وترسيخ إنسانية الإنسان، وذلك بالسعي لسعادة المواطن العربي وتفريج كربه، وشفاء مريضه، وإغناء فقيره؛ لقد كانت قوته الناعمة هي موجه سياسته الخارجية، فأسر قلوب الناس بعطفه عليهم ومحبته لهم.
الشيخ زايد رحمه الله كان من طينة نادرة من البشر؛ هي من "ما ينفع الناس ويمكث في الأرض"؛ وكما في الحديث الشريف: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث؛ صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له".
صدق الصادق الأمين، إذ لم ينقطع عمل الشيخ زايد بالعلم الذي بث من خلال الجامعات والمدارس التي أسس في جميع أنحاء الوطن العربي؛ والمنح الدراسية التي استفاد منها عشرات الآلاف من الطلاب، كما لم ينقطع عمله في الصدقة الجارية حيث يعالج آلاف المرضى يوميا في جميع أنحاء العالم في مستشفيات الشيخ زايد، التي أسس في حياته والمساجد والمساكن في أنحاء العالم أما الولد الصالح فأريد أن أقف عندها قليلا.
لا شك أن جميع مواطني دولة الإمارات أبناء الشيخ زايد؛ حيث تأسس هذا البلد على علاقة فريدة بين الحاكم والمحكوم، وهي علاقة أبوية قبل أن تكون سياسية؛ فالمواطن يشعر أن الحاكم والد قبل أن يكون ولي أمر، وهذا يرجع للنظام السياسي الذي أسس الشيخ زايد عليه هذه الدولة، وبذلك يكون عامة مواطني هذه الدولة أبناء الشيخ زايد، ولا فرق بينهم والأبناء من صلبه إلا في حمل أبنائه من صلبه للهم العام، على خُطاه، وقد استمرت هذه العلاقة بين الحاكم والمحكوم إلى يومنا هذا.
ولذلك لم أستغرب، مؤخرا، تجول الشيخ محمد بن زايد بين منازل شهداء الواجب في اليمن، فما ألف المواطن العربي أن يستشهد هذا الكم من الجنود في أرض المعركة؛ ويحرص ولي الأمر على طرق أبواب بيوتهم للتعزية، كان مشهدا مميزا يحمل صميم روح الشيخ زايد رحمه الله.
لقد ورثت القيادة السياسية في الإمارات مخزونا ضخما من المحبة في أرجاء الوطن العربي وخصوصا في القاعدة الشعبية لهذا الوطن؛ وما كان لهذه القيادة أن تفرط في تلك التركة؛ حيث واصلت الذود عنها بالغالي والنفيس، وأضافت للقوة الناعمة قوة أخرى، تمثلت في جيش من أبناء البلد ذكورا وإناثا، أنفق عليه الكثير، حتى أصبح يصنف من أفضل الجيوش العربية، للذود عن الحياض وليكافح الإرهاب؛ وينقذ العالم من المجموعات المتشددة التي تتحدث باسم الإسلام وهو منها براء.
والدليل تصاعد الهجمة التي تشنها وسائل الإعلام القطرية والتنظيمات الإرهابية، بدءا بتنظيم الإخوان وانتهاء بداعش، على هذه القيادة، لا لشيء سوى وقوفها كشوكة في حلق مشروعهم التخريبي في العالم العربي والإسلامي.
لم تقبل قيادة الإمارات، وهي على بصيرة بواقع الأمة، أن تُلصق صفة الإرهابي بالمسلم، ولا صفة القاتل بالعربي المسلم، وحملت هم إفشاء التسامح، وضرب الغلو في مقتلٍ، فكان لزاما على قطر، الإمارة الصغيرة الغنية الحاقدة على هذه القيادة ومشروعها، إنفاق تريليونات الدولارات، ومنذ عقدين من الزمن، لتبرز تنظيم الإخوان وحلفائه على أنهم الأصلح لولاية الأمر في الوطن العربي؛ لكن ما لا يعرفه الجميع أن قطر ترى ذلك من زاوية مصلحة الأنظمة الغربية فقط؛ أما المواطن العربي فمصلحته ليست ضمن أولوياتها؛ وما شهدنا إلا بما علمنا.
ومع حجم التوتر في منطقتنا، ومع مخاوف البعض مما هو قادم، فكُلي ثقة بأنه لا خوف على أمة أنجبت زايد، وأن مع العسر يسرا، وأن روح زايد وشجاعته وحكمته وحنكته ونفعه للقاصي والداني، ومحبته للخير شيمٌ أورثها لبنيه، فعضوا عليها بالنواجذ.
رحم الله زايد الخير.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة