شكري: وقف نزيف الدم بسوريا أولوية مصر
وزير الخارجية المصري سامح شكري أكد التزام بلاده التام بتحمل مسؤولياتها التاريخية في قيادة مسار السلام ودعم القضية الفلسطينية.
أكد وزير الخارجية المصري، سامح شكري، التزام بلاده التام بتحمل مسؤولياتها التاريخية في قيادة مسار السلام والتسوية الشاملة في المنطقة، ودعم القضية الفلسطينية، وذلك في إطار متابعتها للمبادرة التي أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي في شهر مايو/أيار من العام الماضي، لإحياء المفاوضات.
جاء ذلك في كلمة الوزير سامح شكري أمام اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية العرب، الإثنين، بمنطقة البحر الميت (55 كلم جنوب غرب عمان)، تحضيراً للقمة العربية في دورتها العادية الـ28 التي ستعقد بعد غد الأربعاء.
وقال شكري "إننا نجتمع اليوم والقضية الفلسطينية لازالت تراوح مكانها، ولازلنا بعيدين عن تحقيق السلام الشامل والعادل على أساس حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية على الأراضي المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية".
ونبه شكري إلى أن البديل لاستمرار هذا الجمود هو الفوضى والمزيد من السنوات الضائعة في عمر المنطقة، التي قد تتحول، بفعل اليأس وغياب الأمل في سلام شامل وعادل يعيد الحقوق لأصحابها، إلى حاضنة للتطرف والإرهاب.
وقال شكري، إن أمتنا العربية مرت بمنعطفات خطيرة وتحديات جسام خلال السنوات الأخيرة، كان لها تأثيرها على زعزعة الاستقرار ووضع العراقيل في طريق الجهود الرامية لتحقيق الأمن والتنمية في المنطقة العربية، كما فتحت المجال أمام تدخلات سافرة ومصالح ضيقة لا ترى في المنطقة وما تشهده من تفاعلات متلاحقة سوى فرصة لتقويض البناء العربي وعرقلة آليات عمله المشترك، واستنفار النعرات المذهبية والطائفية، على حساب الهوية الوطنية الجامعة، ودولة المواطنة الحديثة التي لا تميز بين مواطنيها بسبب عرق أو دين أو مذهب.
وأضاف شكري "إنني على يقين من قدرتنا على مواجهة هذه المخاطر بالانضواء جميعاً تحت راية العروبة واستعادة روح التوافق والمصالحة، وإعطاء الأولوية القصوى للعمل المشترك في الإطار العربي".
وتابع شكري: "إنه سواء من خلال عضوية مصر في مجلس الأمن، أو عبر الاتصالات الثنائية مع طرفي النزاع ومع القوى الإقليمية والدولية الفاعلة، فإننا نؤكد على أنه لا بديل عن تسوية شاملة ومنصفة للقضية الفلسطينية تفضي لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، ولا مجال لقبول الإجراءات الأحادية أو سياسات فرض الأمر الواقع، والتوسع الاستيطاني في الأراضي المحتلة".
وأشار إلى أن السنوات الأخيرة شهدت أشرس هجمة تعرضت لها الدول الوطنية في المنطقة العربية منذ استقلالها "فنحن نواجه في سوريا وليبيا واليمن والعراق مخاطر حقيقية، تهدد بتفكيك مؤسسة الدولة الوطنية وتقويضها لصالح فراغ لا تملأه سوى قوى التطرف والإرهاب".
وأكد شكري أن وقف نزيف الدم في سوريا هو الأولوية القصوى بالنسبة لمصر، وهو يتطلب وقفة حازمة أمام جميع القوى التي تتلاعب بمأساة الشعب السوري، لإيجاد مواطئ نفوذ وتحقيق مصالح ضيقة، ولا تبالي بأن تتحول سوريا لبيئة حاضنة للإرهاب والمنظمات التكفيرية، ولا بأن تخوض صراعاتها في سوريا، حتى آخر نقطة دم سورية.
وشدد شكري على أنه "قد آن الأوان لموقف عربي موحد يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك على التزامنا الصارم، والذي لا يقبل المساومة، بوحدة الأراضي السورية، ورفضنا القاطع لأي محاولة لتقسيم سوريا أو تحويلها لمناطق نفوذ لقوى إقليمية ودولية، ودعمنا الكامل للمفاوضات التي تقودها الأمم المتحدة".
ولفت إلى أن ما شهدته الجولة الأخيرة من المفاوضات من بوادر حلحلة للأزمة السورية، من خلال الانتقال لأول مرة من السجالات غير المجدية حول القضايا الإجرائية، إلى الاتفاق على جدول أعمال موضوعي للمفاوضات، يؤكد أن الحل السياسي في سوريا ممكن إن خلصت النوايا، وتكاتفت الجهود للضغط على جميع أطراف الأزمة للجلوس على طاولة المفاوضات وإيجاد صيغ عملية ومقبولة للحل، والتوقف عن المماطلة ومحاولات كسب الوقت.
وقال شكري، إنه بنفس المنطق، فإن مصر ملتزمة بشكل كامل بمواجهة المحاولات الرامية لتقويض الدولة الوطنية وإسقاط الحل السياسي في ليبيا ودعم الإرهاب.
وأوضح شكري أن حالة الانسداد السياسي التي تعاني منها ليبيا حالياً لا ترجع لغياب اتفاق سياسي يوفر إطاراً لحل الأزمة، فهذا الاتفاق موجود بالفعل ومنذ أكثر من عام، وإنما تكمن المشكلة في غياب آليات للتواصل بين الفرقاء الليبيين، والتوافق حول عدد محدود من القضايا العالقة والتي تعوق التنفيذ الكامل لهذا الاتفاق.
وتابع شكري: "ومن هنا جاءت الجهود التي قامت بها مصر في الأشهر الأخيرة، والتي استضافت خلالها قادة القوى السياسية من جميع أنحاء ليبيا، وأسفرت عن توافقات أساسية حول التزام الجميع بمرجعية الحل السياسي في ليبيا، وحول آلية لمعالجة القضايا المحدودة العالقة، ووضع الاتفاق السياسي موضع التنفيذ الكامل".
وأكد شكري أن مصر تؤمن بأن ليبيا يمكن أن تقدم نموذجاً لقدرة المنظومة العربية على استعادة زمام المبادرة لتقديم حل عربي للمشكلات العربية.
وقال شكري إننا نعطي الأولوية، في جميع تحركاتنا لمساعدة الأشقاء الليبيين، للإطار العربي، سواء من خلال الاجتماعات المنتظمة لآلية دول جوار ليبيا، والتي استضافت القاهرة آخر اجتماعاتها، وستستضيف الجزائر اجتماعها القادم، أو من خلال إعلان تونس الذي وقعه وزراء خارجية مصر وتونس والجزائر، لتأكيد التزام الدول الثلاث بالعمل معاً لدعم جهود الفرقاء الليبيين للتوصل لحل سياسي ليبي، ينهي مرحلة الجمود الحالية، ويطلق مرحلة إعادة البناء في ليبيا.
وأضاف شكري أن معركة استعادة الدولة الوطنية، ومقاومة المحاولات الرامية لتفكيكها وتحويلها إلى مواطئ نفوذ لقوى إقليمية ودولية تصفي خلافاتها وصراعاتها على الأرض العربية وبالدم العربي، أو إلى حاضنات لتنظيمات إرهابية وتكفيرية، هي معركة الوجود والمستقبل لأمتنا العربية.
وقال شكري "سواء نظرنا إلى اليمن، حيث نلتزم جميعاً بدعم العملية السياسية وعودة الحكومة الشرعية إلى صنعاء، أو نظرنا إلى العراق، حيث يخوض الجيش العراقي وقوى الأمن معركة حاسمة ضد تنظيم داعش الإرهابي، لتحرير مدينة الموصل العريقة، فإننا نجد أنفسنا أمام نفس القضية ونفس المعركة المصيرية، معركة استعادة الشرعية وبسط نفوذ الدولة الوطنية على جميع أراضيها، كمقدمة للانتقال إلى مرحلة البناء، وقطع الطريق على جميع التدخلات الخارجية أو محاولات استنفار النعرات الطائفية والمذهبية البغيضة".
وأضاف شكري أن نظرة سريعة لجدول الأعمال المطروح أمامنا اليوم كافية لإظهار عمق التحديات التي تواجه أمتنا العربية، وهي تحديات تحتاج منا لإيجاد سبل واقعية للتعامل واقعنا المتغير، ودعم وتطوير آليات عملنا المشترك لتصبح أكثر قدرة على مواكبة تحديات هذا الواقع الجديد".
وقال شكري إن مصر تؤكد مصر في هذا السياق على محورية جامعة الدول العربية، فتلك المؤسسة العريقة، التي كانت شاهدة على الجهود العربية لتحقيق أهدافنا المشتركة على مدار أكثر من سبعة عقود، بنجاحاتها وكبواتها، هي اليوم في حاجة للدعم الكامل من كل الدول العربية".
وأكد أن تطوير مؤسسات العمل العربي المشترك بات واجباً قومياً وضرورة ملحة، مشدداً على دعم مصر الكامل للجهود الجادة والمخلصة التي يقودها الأمين العام للجامعة العربية لتطوير الجامعة وجميع آليات العمل العربي المشترك.
وشدد شكري "على التزامنا بتقديم كل العون له، ومساعدته على تأدية مهامه بالشكل الذي يخدم القضايا العربية على أكمل وجه، ويتيح لدولنا العربية الاستفادة من خبراته ونشاطه الدؤوب لدفع العمل العربي المشترك في شتى المجالات".
وأكد شكري ثقته "في أن أمتنا العربية قادرة على مواجهة التحديات، وإيجاد حلول عربية لأزمات المنطقة، تستجيب لطموحات شعوبنا وتقطع الطريق على محاولات التدخل في شؤوننا".
كما شدد على أن اجتماع وزراء الخارجية العرب، اليوم، ثم القمة العربية التي ستعقد بعد يومين، سيمثلان جسراً نعبر عليه إلى أفق أكثر وضوحاً وأرضاً أكثر صلابة، تنتج رؤية عربية مشتركة وترسم حلولاً حقيقية لأزمات المنطقة.