طريق الحرير الجديد.. بوصلة العالم نحو السلام والوحدة
مشروع يصنع في حال تفعيله بوصلة توحد شطري الكرة الأرضية وتفرش عبرها سجاد سلام دائم يجنّب العالم كثيرا من النزاعات.
آمال لم تنطفئ لا تزال تداعب العالم بإحياء "طريق الحرير"، عبر تفعيل مبادرة صينية طفت ملامحها الأولى قبل 5 سنوات، لربط شرق الكرة الأرضية بغربها.
"طريق" جديد جاء ضمن مبادرة صينية قديمة متجددة، لإحياء طريق حرير يصل الصين بأوروبا عبر الربط بين 60 دولة، ويستهدف تعزيز التجارة بين آسيا وأوروبا وإفريقيا، علاوة على التركيز على السلام العالمي والازدهار الحضاري للدول المشاركة.
مشروع يصنع، في حال تفعيله، بوصلة توحد شطري الكرة الأرضية، وتفرش عبرها سجاد سلام دائم يجنّب العالم كثيرا من النزاعات القائمة بشكل أساسي على التناحر على الطرق التجارية.
طريق الحرير.. القديم
"طريق الحرير"؛ لقب أطلق قديما على مجموعة الطرق المترابطة التي كانت تسلكها القوافل والسفن بين الصين وأوروبا.
طريق يمتد على طول 10 آلاف كيلومتر، وتعود بداياته لحكم سلالة "هان" في الصين، أي قبل نحو 200 عام قبل الميلاد، غير أن اسمه المعروف به لم يحصل عليه إلا عام 1877، حين أطلقه عليه جغرافي ألماني؛ لأن الحرير الصيني كان يمثل النسبة الأكبر من التجارة عبر تلك المسالك.
مسالك اختزلت شبكة من الطرق الفرعية التي تصب في طرق أكبر، أو بالأحرى في طريقين كبيرين، أحدهما شمالي تسلكه القوافل صيفا، فيما الآخر شتوي.
وما كان يجمع بين تلك المسارات هو أنها كانت جميعا مسالك للقوافل المتجهة من الشرق إلى الغرب، ما جعلها شبيهة بخطوط طويلة تربط أجزاء العالم، ثم تصنع نقاط تقاطع بين مختلف أجزائه.
ويمتد الطريق من المراكز التجارية شمال الصين، وينقسم إلى فرعين شمالي وجنوبي.
ويمر الفرع الشمالي من منطقة بلغار- كيبتشاك وعبر شرق أوروبا وشبه جزيرة القرم وحتى البحر الأسود وبحر مرمرة والبلقان، وصولا إلى البندقية.
أما جنوبا، فيمرّ من تركستان وخراسان وعبر بلاد ما بين النهرين وكردستان والأناضول وسوريا عبر تدمر وأنطاكيا، إلى البحر الأبيض المتوسط، أو عبر دمشق وبلاد الشام إلى مصر وشمال أفريقيا.
مسارات ظلت منتظمة، انطلاقا من القرن الخامس قبل الميلاد، لألف و500 عام، كان خلالها طريق الحرير معبرا ثقافيا واجتماعيا أثرّ بعمق في المناطق والحضارات التي مر بها.
لم يقتصر دوره على تيسير مسالك التجارة بين الأمم والشعوب القديمة، وإنما شكل أولى ملامح الاقتصاد العالمي بالمفهوم التقني الشامل، وصنع آفاقا إنسانية أخرى، حيث انتقلت عبره الديانات، ليعرف العالم البوذية وآسيا الإسلام.
غير أن طريق الحرير، توقف كخط ملاحي، مع حكم العثمانيين في القسطنطينية.
إحياء "طريق الحرير"
مطلع تسعينيات القرن الماضي، بدأت محاولات لإنشاء طريق الحرير الجديد، بينها ما عرف بالجسر البري الأوروبي الآسيوي، الذي يصل بين الصين وكازاخستان ومنغوليا وروسيا ويصل إلى ألمانيا بسكك حديدية.
وفي سبتمبر/ أيلول 2013، وضمن زيارة إلى كازاخستان، أطلق الرئيس الصيني شي جين بينج، مبادرة لتأسيس طريق حرير جديد يصل الصين بأوروبا، في إطار مبادرة "حزام واحد، طريق واحد" للربط بين 60 دولة حول العالم.
مبادرة باتت تشكل المحرك الرئيسي لسياسة الصين الخارجية، باستثمارات متوقعة تتراوح بين 4 و8 تريليونات دولار، تهدف لتعزيز التجارة بين آسيا وأوروبا وأفريقيا، ورسم خارطة تجارية جديدة، وترسيخ ثقافة تبادلية في جميع المجالات.
الإمارات وطريق الحرير
الخبراء يرون أن الإمارات ممثلة في إمارة دبي، وبفضل موقعها الاستراتيجي الذي يتوسط حزام طريق الحرير الجديد، وتنامي النشاط المصرفي للبنوك الصينية فيها، يؤهلها لأن تكون مركزا لحزام الصين الواحد.
ميزة سبق وأن أشار إليها الرئيس الصيني في منتدى التعاون العربي الصيني، قبل عامين، بتطرقه إلى أهمية الدور الذي تؤديه دولة الإمارات، بفضل موقعها الاستراتيجي ومناخ الأمن والاستقرار الذي تتمتع به، إضافة إلى بنيتها المتطورة وأنظمتها التشريعية المتكاملة، ما يجعلها شريكا مثاليا للصين لتنفيذ مبادرتها.
واستنادا إلى الأهمية الاستراتيجية التي تشكلها الإمارات على الصعيدين الإقليمي والدولي، أدركت الصين أن البلد الأخير يشكل بوابة ينطلق عبرها على طريق الحرير بالاتجاه نحو الغرب وأفريقيا.
عوامل أسهمت، من بين أخرى، في النهوض بالعلاقات الثنائية إلى مستويات تخدم المصالح المشتركة للطرفين.
طريق الحرير.. خارطة جيواقتصادية جديدة
عبر بناء طريق الحرير البحري والبري، تسهم الصين في تغيير المشهد الجيواقتصادي والجيوسياسي للشرق.
فالاستثمارات الضخمة المرصودة لتطوير البنية التحتية للدول من خلال هذا المشروع، سينعكس آليا على اقتصاداتها، ما سيقود في مرحلة موالية إلى تغييرات جوهرية وجذرية تقلب خارطة الشرق، وتنعش اقتصاد الصين.