المغني شارل أزنافور.. صوت يجسد "شتات" عاشه الأرمن
المتحف هدية قدمها الأرمن للصوت الذي احتفظ بالألم الأرمني "حيا"، فأغلب مقاهي الساحة لا تتوقف عن بث أغنيته الشهيرة "خذوني"
رغم أنه ولد وعاش في فرنسا، فإن الأرمن في مختلف بقاع العالم يشعرون بفخر كبير وهم يستمعون إلى صوت المغني ذائع الصيت شارل أزنافور الذي تحل الذكرى الأولى لوفاته الثلاثاء.
ولا يمكن أن تشعر بعمق تأثير أزنافور في الحياة اليومية للأرمن إلا وأنت في قلب العاصمة الأرمينية يريفان التي تشير أدلتها السياحية إلى موقع خاص في قلب العاصمة داخل منطقة "كاسكيد" التي تتميز بساحتها المستطيلة المرصعة بالزهور والتماثيل.
ومن أعلى الساحة يطل متحف أزنافور كأن صوته يقوم على حراسة المكان والذاكرة الأرمينية.
يمثل المتحف هدية قدمها الأرمن للصوت الذي احتفظ بالألم الأرمني "حيا"، فأغلب مقاهي الساحة لا تتوقف عن بث أغنيته الشهيرة "خذوني" التي تقول كلماتها "إنهم يأتون من آخر العالم- يحملون معهم أفكاراً مشردة، لها انعكاسات سماوات زرق وسراباً- يجرون عطراً متبّلاً لبلاد مجهولة- خذوني إلى نهاية الأرض- خذوني إلى بلاد العجائب- يبدو لي أن البؤس سيكون أقل إيلاماً في الشمس".
ومن النادر أن تجد مطرباً عالمياً لم يلجأ لتقديم هذه الأغنية بصوته بداية من ألفيس بريسلي وفرانك سيناترا وصولاً لراي تشارلز وألتون جون.
والمتأمل في سيرة أزنافور بإمكانه التعرف على ما فيها من ألم يلخص "الشتات" الذي عاشه الأرمن، فقد وُلد في باريس في 22 مايو/أيار سنة 1924، وهاجر والدَاه خلال الحكم التّركيّ لأرمينيا، على أمل بدخول أمريكا إلا أنهما فشلا في الحصول على تأشيرة دخول فبقيا في باريس وفتحا مطعماً بالقرب من جامعة السوربون في باريس.
يحكي الأرمن في بريفان كيف تأثر أزنافور بأفراد عائلته الذين كانوا يطعمون اللاجئين الأرمن في مطعم الأب في فرنسا، ورغم أن الأب أشهر إفلاسه فإن أزنافور عبر عن امتلاكه الكثير من الإنسانية بفضل هذا الإرث.
وفي عام 1933 بدأ الغناء وهو في التاسعة من عمره، ولولا صدفة جمعته مع المغنية الأسطورية الفرنسية إديث بياف في عام 1964 لعاش في الظل مثل أي فرنسي يولد لعائلة من المهاجرين.
واختارته بياف لمرافقتها في جولاتها الغنائية في فرنسا والولايات المتحدة وتغيرت حياته تماماً بفضل كرم هذه اللحظة الفارقة وتمكن بعدها من تأكيد اسمه، حيث باع عبر مسيرته أكثر من مئة مليون أسطوانة في 80 دولة وكثيراً ما كان يوصف بفرانك سيناترا فرنسا.
وإذا كان الفرنسيون يفاخرون بالجرح الكامن في صوت بياف وسيرتها كامرأة واجهت الفقر والخسارة، فإنهم يدينون لصوت أزنافور كصوت ارتبط بعاطفة الحب، وعبر عن تنوع فرنسا الثقافي كأحسن ما يكون لأنه غنى بخمس لغات وهي الفرنسية والروسية والإنجليزية والأرمنية والإيطالية والإسبانية، ما أكسبه شهرة عالمية.
وقبل وفاته عبر أكثر من مرة عن أمنياته في الغناء مع المطربة اللبنانية فيروز باللغة العربية التي كان يعرف الكثير من مفرداتها.
ومن النادر العثور على مسرح في العالم لم تقدم عليه أغنيات شهيرة مثل "بوهيميا" و"الوالدة" و"خذوني إلى البلاد العجيبة"، ما جعله في نظر جميع الأرمن "أسطورة الأغنية" الذي لم ينسَ شعبه الأول فمع نمو شهرته أشهر التزامه بالقضية الأرمنية التي كان أهم المعبرين عن عدالتها.
وعقب زلزال 1988، قاد حملة جمع التبرّعات من جميع أنحاء العالم إثر هذا الزلزال المدمّر الذي أدّى إلى مقتل 45 ألف إنسان في أرمينيا.
وعلى الرغم من وجود عشرات المتاحف في المدينة فإن متحف أزنافور يمثل قيمة فريدة معمارياً، حيث صممه المهندس نارك ساركيسيان انطلاقاً من شقة استعملها أزنافور في زياراته لأرمينيا التي بدأت في عام 1964 وظل حريصاً على تكرارها لعشرات المرات إلى أن حصل على جنسية أرمينية عقب استقلالها، مع سقوط الاتحاد السوفيتي وكان سفيراً لا يكف عن مناشدة الضمير العالمي بالتأكيد على بشاعة المجزرة التي تعرض لها شعبه من قبل الأتراك.
يشمل المتحف مجموعة نادرة من أرشيفات صحفية ووثائق وكتب ومكافآت الفنان الموسيقية، إضافة إلى ملصقاته وصور الفوتوغرافية "ومدونات موسيقية لأغنياته".
إلى جانب بعض القطع واللوحات الفنية التي أهداها للمتحف الذي شارك في طقس افتتاحه في 1 يونيو/حزيران 2017، إلى جانب رئيس أرمينيا سيرج سركسيان والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، حيث ظل الفرنسيون يتعاملون مع أزنافور كمثل أعلى للتعددية الثقافية التي ترعاها فرنسا في ظل الفرانكفونية.
ويعتز الأرمن بالمناسبة التي تجدد مع ذكراه الأولى، حيث خاطب الرئيس الأرمني يومها المطرب العظيم قائلاً: "عزيزي.. يسرني جداً أن أكون في متحف شارل أزنافور الذي يعد وجوده في يريفان شرفا ليس فقط ليريفان ولكن أيضاً للشعب بأكمله".
وتابع "في الواقع أنتم لا تغنون فقط، ولكن تؤدون لأن كل أغنية لكم هي أداء كامل، أنت اليوم يا أزنافور أسطورة، أسطورة تمشي، وهذه الأسطورة ليست فقط لفرنسا وأرمينيا والشعب الأرمني، ولكن أيضاً للبشرية جمعاء". لذلك لم يكن غريباً أن جنازة أزنافور شهدت عزف السلام الوطني لأرمينيا التي لف علمها جسده وهو يودع جمهوره قبل عام من اليوم.
أنفقت الحكومة الأرمنية نحو 1.84 مليون دولار في عام 2011 لإقامة المتحف الذي يخلد ذكرى صوت حصل صاحبه على المواطنة الفخرية وكان السفير الدائم لأرمينيا في الأمم المتّحدة.