زيارة السيسي لتركيا.. خبراء يتحدثون عن مرحلة «التقارب الاستراتيجي»
مرحلة جديدة من التقارب بين تركيا ومصر، والانتقال في العلاقات بينهما من المصالحة إلى المأسسة عبر تفعيل «مجلس التعاون الاستراتيجي».
تلك كانت العناوين العريضة التي وضعها خبراء من تركيا ومصر استطلعت "العين الإخبارية" آراءهم بشأن النتائج المتوقعة لزيارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي اليوم الأربعاء إلى تركيا، تلبية لدعوة نظيره التركي رجب طيب أردوغان.
والزيارة الرسمية التي يقوم بها السيسي، هي الأولى له منذ توليه الحكم في عام 2014.
مرحلة جديدة
وقالت الرئاسة المصرية في بيان لها على حساب المتحدث باسمها في "فيسبوك" إن الزيارة "تمثل محطة جديدة في مسار تعزيز العلاقات بين البلدين، وللبناء على زيارة الرئيس أردوغان التاريخية لمصر في فبراير الماضي، وتأسيسا لمرحلة جديدة من الصداقة والتعاون المشترك بين البلدين".
وتكتسب الزيارة في نظر محللين، «أهمية كبيرة»، إذ ستعمل على تعزيز العلاقات على المستويات الاقتصادية والأمنية، والاستراتيجية والعسكرية، والعمل أيضا على وضع النقاط فوق الحروف بشأن التنسيق في ملفات خلافية عديدة أبرزها الملف الليبي، وشرق المتوسط.
ووفق ما أوردته «وكالة الأناضول» التركية، فإن الزيارة ستشهد توقيع نحو 20 اتفاقية في مجالات الدفاع والطاقة والسياحة والصحة والتعليم والثقافة، في اجتماع «مجلس التعاون الاستراتيجي» رفيع المستوى بين البلدين، بحضور الرئيس رجب طيب أردوغان مع نظيره المصري.
كما يتضمن جدول الأعمال تنفيذ مشروعات مشتركة في الصناعات الدفاعية مع مصر، التي قامت باستثمارات كبيرة بهذا القطاع.
ومن المقرر تطوير التعاون في مجال الطاقة، ما يوفر فرصا للبلدين، لا سيما في مجالات الغاز الطبيعي المسال والطاقة النووية والمتجددة، وفقا للوكالة التركية.
تنسيق بالملفات الخلافية
وفي تعقيبه على الزيارة، ذهب بشير عبدالفتاح، الخبير في الشأن التركي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، ومقره القاهرة، إلى أن العلاقات بين البلدين ستشهد نقلة جديدة بعد زيارة السيسي.
ورأى عبدالفتاح، في حديثه لـ"العين الإخبارية"، أن الزيارة ستضع النقاط فوق الحروف بشأن ملفات خلافية عديدة أبرزها الملف الليبي، وملف شرق المتوسط، والتنسيق في مجال محاربة الإرهاب والأمن السيبراني.
ولفت إلى أن الزيارة سيكون لها جدول أعمال محدد على مستويين، الأول: التعاون المشترك والعلاقات بين البلدين، والثاني: القضايا الإقليمية والدولية.
وأوضح الخبير نفسه أن الزيارة على المستوى الثنائي، ستقوم بتفعيل المجلس الاستراتيجي رفيع المستوى بين البلدين وبالتالي تسريع وتيرة التقارب على مختلف الأصعدة، حيث ستشمل تطوير العلاقات ليس فقط على الصعيد الاقتصادي والأمني، وإنما الاستراتيجي والعسكري.
وفي هذا الصدد، يرى عبدالفتاح أن «المجلس الأعلى الاستراتيجي» سيساعد كثيرا في تقريب وجهات النظر، وحلحلة الخلافات.
تعاون عسكري وملفات المنطقة
وذهب عبدالفتاح في هذا الصدد إلى أنه سيكون هناك تعاون عسكري بين البلدين على صعيد الصناعات الدفاعية المشتركة، والعمل على إتمام صفقة المسيرات التركية لمصر، علاوة على استئناف المناورات البحرية المشتركة التي كانت تعقد بشكل سنوي ثم جمدت بين البلدين منذ العام 2013.
وأضاف عبدالفتاح: «على مستوى التعاون الثنائي أيضا، هناك تعاون في مجال الطاقة، لأن تركيا سابع مستورد للغاز المصري، وسيشمل هذا الملف أيضا الغاز والطاقة المتجددة للاستفادة من الخبرات التركية في هذا المجال».
وبشأن مجال التعاون في القضايا الإقليمية والدولية، لفت الخبير المصري إلى أن "القضية الفلسطينية تأتي في صدارة القضايا، حيث تتطابق مواقف البلدين بشأن ضرورة وقف العدوان الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية، والتوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، ثم استئناف المفاوضات لإقامة دولة فلسطينية بعد إعادة الإعمار".
وفيما يخص مستقبل الشرق الأوسط، أوضح عبد الفتاح، أن "هناك رغبة مصرية تركية في أن يكون للدولتين الدور في رسم ملامح الشرق الأوسط الجديد بعد الحرب على قطاع غزة، وعدم انفراد الولايات المتحدة وإسرائيل بتشكيل مستقبل المنطقة بعيدا عن دولها؛ لذا فسيكون هناك تنسيق بين البلدين في هذا الإطار".
منافسة منضبطة
وتكتسب زيارة الرئيس المصري لتركيا «أهمية كبيرة»، بحسب وصف المحلل السياسي والباحث في مركز «تحليل السياسات»، ومقره إسطنبول، محمود علوش.
وأوضح علوش في حديث خاص لـ «العين الإخبارية»، أن الزيارة ستحمل تدشين مجلس التعاون الاستراتيجي بين البلدين، في وقت تزيد فيه الظروف الإقليمية المحيطة بالعلاقات، حاجة البلدين إلى تطوير علاقاتهما الجديدة إلى مرحلة مواءمة السياسات في القضايا الإقليمية.
وقال علوش، إن الزيارة ستنقل العلاقات الجديدة بين تركيا ومصر من مرحلة المصالحة إلى مرحلة مأسستها من خلال مجلس التعاون الاستراتيجي، والاستفادة من الفرص المتاحة في المجالات الاقتصادية والتجارية وغيرها.
وتابع: "يبرز رفع حجم التبادل التجاري بين البلدين من 10 مليارات دولار، إلى 15 مليارا، كهدف أولي مشترك، إلى جانب تعزيز تجارة الطاقة بين البلدين".
علاوة على هذه الجوانب، يبرز الجانب العسكري كأحد المجالات المُحتملة التي يُمكن أن تكتسب زخماً كبيراً في علاقات البلدين في الفترة المقبلة، وفقا للمحلل السياسي التركي.
وحول الملف الليبي، رأى علوش أن "أنقرة والقاهرة استطاعتا نقل سياستهما في الصراع الليبي من المنافسة الحادة عالية المخاطر منذ عام 2019، إلى المنافسة المنضبطة التي أوجدت آفاقاً لتطويرها إلى التعاون التنافسي، وحالياً إلى مواءمة السياسات لنقل الصراع الليبي إلى مرحلة التسوية".
مرحلة جديدة من التقارب
وبالنسبة لطه عودة أوغلو المحلل السياسي التركي، فإن الزيارة بداية لمرحلة جديدة من التقارب الاستراتيجي، ومقدمة لتنسيق تركي مصري كبير في العديد من الملفات خاصة في ظل إطار إقليمي جديد يتشكل، والبلدان حجر الزاوية فيه.
بل أيضا، وبحسب عودة أوغلو، هناك اتجاه نحو علاقات قوية بناءة إيجابية تتجاوز حدود التعاون الثنائي، إلى التعاون الإقليمي في الملفات الصعبة والمعقدة في المنطقة.
ونوه بأن زيارة الرئيس المصري، تأتي تتويجا لمسيرة تطور العلاقات بين البلدين، خاصة بعد الزيارة التي قام بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى القاهرة في فبراير/شباط الماضي، حيث تم الاتفاق على تدعيم علاقات التعاون ورفع العلاقات إلى أعلى مستوى.
وأشار المحلل السياسي التركي إلى أن الزيارة تأتي في توقيت حساس للغاية حيث تشهد المنطقة تغييرات كبيرة في ظل تداعيات الحرب في غزة، فـ «الأمر ليس مجرد زيارة بروتوكولية، بل سيكون هناك تنسيق بشكل كبير؛ لبلورة رؤى لتسوية قضايا المنطقة العالقة".
كما أكد طه أوغلو أن هناك إرادة مصرية تركية واضحة بأن تكون العلاقات مختلفة ليس على المستوى السياسي والاقتصادي بل أيضا على الصعيد العسكري، فهناك توقعات بتوقيع صفقة تتعلق بتزويد مصر بمسيرات تركية.
جدول أعمال الزيارة
وفي بيانه، أوضح المتحدث باسم الرئاسة المصرية، أنه من المنتظر أن تشهد الزيارة مباحثات معمقة بين الرئيسين السيسي وأردوغان، إضافة إلى رئاسة الرئيسين للاجتماع الأول لمجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى بين مصر وتركيا.
ومن المقرر أن يتناول اجتماع المجلس، سبل الارتقاء بالعلاقات الثنائية في مختلف المجالات، إضافة إلى تبادل الرؤى إزاء القضايا الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك، وعلى رأسها جهود وقف إطلاق النار بقطاع غزة وإنهاء المأساة الإنسانية بالقطاع، وخفض التصعيد في الشرق الأوسط.
يشار إلى أن وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، أعلن في فبراير/شباط الماضي أن بلاده وافقت على تزويد مصر بطائراتها المسيرة، بحسب ما أوردته رويترز.
واكتسب مسار التفاهم والتقارب بين مصر وتركيا دفعة كبيرة في عام 2023، إذ حدثت خطوات كبيرة نحو تطبيع العلاقات بينهما بشكل كامل، بعد إعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما إلى مستوى السفراء.
والعام الماضي، لم يكد يمر وقت كبير على فوز أردوغان بولاية رئاسية جديدة في مايو/أيار، حتى تم الإعلان، بعد اتصال هاتفي بين الرئيس التركي ونظيره المصري، عن رفع مستوى العلاقات مرة أخرى بين البلدين إلى مستوى تبادل السفراء، في أعقاب نحو عشرة أعوام من الجفاء، وتخفيض مستوى العلاقات الدبلوماسية.
وهو ما تبعه إعلان مصر وتركيا في يوليو/تموز الماضي، إعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما إلى مستوى السفراء.
وقالت وزارتا الخارجية المصرية والتركية، إن البلدين تبادلا سفيرين لأول مرة منذ عشر سنوات لإعادة العلاقات الدبلوماسية إلى طبيعتها.
وتسارعت وتيرة عودة العلاقات إلى الوضع الدبلوماسي الطبيعي بين أنقرة والقاهرة، بعد أن تصافح الرئيسان المصري والتركي في الدوحة في نهائيات كأس العالم لكرة القدم عام 2022.
aXA6IDMuMTQ1LjE2My4xMzgg جزيرة ام اند امز