مصر بميزان الهند.. حنين للماضي أم استجابة جيوسياسية؟
دعوة "تاريخية" يحركها الحنين إلى الماضي والتغيرات الجيوسياسية التي تؤثر على العالم، واستدعت تحركات إقليمية ودولية لضبط ميزان القوى.
تلك الدعوة التي وجهتها الهند إلى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ليكون الضيف الرئيس في احتفالات يوم الجمهورية، والتي تعد المناسبة "الأهم" و"الأغلى" في تاريخ البلد الآسيوي منذ استقلاله عن بريطانيا في العام 1947.
وتحتفل الهند في 26 يناير/كانون الثاني من كل عام بعيد الجمهورية، والذي فعلت فيه نيودلهي العمل بالدستور، بعد استقلالها في عام 1947، وإعلانها جمهورية ديمقراطية.
تلك المناسبة التي لها مكانة "خاصة" في قلوب الهنود وقيادتهم، كانت مصر برئيسها عبدالفتاح السيسي الضيف الرئيس عليها، للمرة الأولى في تاريخ العلاقات بين البلدين الممتد عبر 75 عامًا.
ورغم أن هذه الدعوة تعد الخامسة التي توجهها الهند لدولة من غرب آسيا أو أفريقيا في يوم الجمهورية، بعد الجزائر عام 2001، وإيران عام 2003، والمملكة العربية السعودية عام 2006، والإمارات العربية المتحدة عام 2017، إلا أنها تعد "دعوة استثنائية"، وخاصة وأنها ستشهد مشاركة كتيبة عسكرية مصرية قوامها 180 فردًا في مسار كارتافيا في 26 يناير/كانون الثاني الجاري.
وبحسب صحيفة "أنديا ناريتيف" الهندية، فإن دعوة الهند للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ليكون الضيف الرئيسي في احتفالات يوم الجمهورية مليئة بالحنين إلى الماضي والسياسة الواقعية، مشيرة إلى أن نيودلهي تسعى لاستعادة علاقة قيّمة قديمة عرفت بـ"نهرو ناصر"، مع الاعتراف بأهميتها لكلا البلدين في التغيرات الإقليمي السياسية والاقتصادية.
جدول الأعمال
وقالت صحيفة "ذا هندو" الهندية، إنه من المرجح أن تبرم الهند ومصر نحو 6 اتفاقيات خلال زيارة الرئيس المصري تتضمن قضايا الدفاع والأمن ومبادرات الطاقة الجديدة، مشيرة إلى أن البلدين كانا على موعد مع تقارب كان المحرك الرئيس له، الدبلوماسية البراغماتية المصرية في منظمة التعاون الإسلامي، بوقوف القاهرة موقفا حذرا أثناء الرد على حملة باكستان على كشمير.
ووصل السيسي، الثلاثاء، إلى العاصمة الهندية نيودلهي، تلبية لدعوة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي للمشاركة كضيف شرف في احتفالات الهند بيوم الجمهورية، والذي يوافق اليوم الذي بدأ فيه العمل بدستور جمهورية الهند عام 1950.
وأكدت الصحيفة الهندية، أن الهند ستصدر على هامش الزيارة طابعا بريديا يصور الشراكة متعددة الأوجه بين البلدين على مدى 75 عامًا الماضية.
ونقلت الصحيفة عن مصادر لها قولها، إنه من المتوقع أن يحتل التعاون في مجالات الأمن ومكافحة الإرهاب والمسائل المتعلقة بالدفاع مكانة بارزة في المحادثات الثنائية خلال زيارة السيسي، مشيرة إلى أن تحديات الطائرات بدون طيار والتهديدات الإلكترونية ستكون محور نقاش في مجموعة العمل المشتركة بين الهند ومصر حول الإرهاب والتي ستجتمع بعد الزيارة.
وتبادلت مصر والهند عدة زيارات وزارية خلال العام الماضي؛ آخرها زيارة وزير الاتصالات المصري عمرو طلعت إلى بنغالورو ونيودلهي، الشهر الجاري، لإجراء مناقشات مع شركات خاصة مثل Wipro والأجهزة الحكومية بشأن التطور الرقمي في مصر، فيما ترأس وزير البيئة بوبندرا ياداف الوفد الهندي إلى مؤتمر المناخ "كوب 27" في شرم الشيخ في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2022، زار وزير الشؤون الخارجية س.جيشانكار الهندي، مصر، بينما زار وزير دفاع نيودلهي راجناث سينغ، القاهرة في سبتمبر/أيلول 2022.
لماذا تقارب البلدان؟
وتقول الصحيفة الهندية إن التقارب المتزايد بين البلدين ساعدة على إظهار موقف مصر الهادئ والذي وصفته بـ"المدروس" بشأن القضايا الحساسة تجاه الهند، وخاصة وأن صوت القاهرة في القضايا الإسلامية يحمل وزنًا كبيرًا كونها بلد الأزهر، أقدم جامعة في العالم وأكبر مركز للعلم الديني السني.
وأشارت إلى أن الهند تبنت -أيضا- نظرة إيجابية لمحاولات مصر للعب دور متوازن في منظمة التعاون الإسلامي، وخاصة بعد أن طرحت باكستان عدة قرارات بشأن كشمير وقضايا هندية داخلية أخرى في السنوات القليلة الماضية لكنها فشلت في الحصول على دعم قوي من حكومة مصر.
وبصرف النظر عن التوافق المتزايد في المخاوف السياسية للبلدين، فإن هناك أيضًا تعاونًا زراعيًا عميقًا بين الجانبين، كان محط الاهتمام خلال العام الماضي، عندما تعطلت إمدادات مصر من المنتجات الزراعية بسبب الأزمة الأوكرانية.
فرغم أن الهند أوقفت تصدير القمح العام الماضي على خلفية الأزمة الأوكرانية، إلا أنها مع ذلك أعفت مصر من ذلك الحظر، وأمدتها بشحنة قدرها 61000 طن من القمح.
الطاقة النظيفة
وبحسب "ذا هندو"، فإن زيارة الرئيس السيسي ستعطي الهند فرصة لاستعراض قوتها المتزايدة في مجال الهيدروجين الأخضر، مشيرة إلى أن ثلاث شركات هندية على الأقل استثمرت عدة مليارات من الدولارات في مشروعات الهيدروجين النظيف في مصر.
قطاعات البنية التحتية والصحة في مصر تحظى -كذلك- باهتمام الشركات الهندية؛ فالقاهرة تسعى لإطلاق العديد من مشاريع البنية التحتية الضخمة، مما دفع شركات هندية كبرى في القطاعين الخاص والعام إلى اتطلع إلى مشاريع البنية التحتية في مصر مثل المنطقة الاقتصادية لقناة السويس وخط المترو في الإسكندرية.
وتعمل شركة ReNew Power الهندية على إنشاء مصنع هيدروجين أخضر بقيمة 8 مليارات دولار في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، فيما أعرب مستشفى أبولو وميدانتا "عن اهتمامهما" ببناء مرافق صحية في المدن الرئيسية بمصر.
ومن المتوقع أن يتعمق هذا المكون الاقتصادي للعلاقات الثنائية؛ كون مصر تستعد للسماح للشركات الهندية بالوصول إلى الأسواق في إفريقيا والبحر الأبيض المتوسط.
التعاون العسكري
وتقول قناة "وي أون" الهندية، إن مصر أبدت اهتمامًا بالحصول على تقنيات الدفاع الهندية المحلية، بما في ذلك أنظمة صواريخ أكاش وتكنولوجيا الرادار، وعدد من الأسلحة الهندية.
وأشارت إلى أن الهند دعت مصر للمشاركة في معرض Aero-India 2023، كما زار وزير الدفاع الهندي راجناث سينغ القاهرة، ووقع على اتفاقية للتعاون في هذا القطاع الهام، مما يؤكد على تنامي التعاون الدفاعي بين نيودلهي والقاهرة.
في السياق نفسه، دعت الهند مصر للمشاركة في تدريبات "النجم الساطع" في سبتمبر/أيلول الماضي، والتي تقام بقيادة القوات الأمريكية والمصرية وتجرى في مصر كل عامين، بعد أن كانت آخر مشاركة لنيودلهي فيها، عام 2000.
التعليم ومكافحة الإرهاب
التعليم مجال آخر من المتوقع أن تسلط الزيارة الضوء عليه؛ فمصر تريد إنشاء مركز تعليم عالي هندي مثل المعاهد الهندية للتكنولوجيا (IITs) في مصر، فيما تنظر نيودلهي للقاهرة على أنها يمكن أن تصبح بوابة للمستثمرين الهنود.
وتوسعت التجارة الثنائية بين الهند ومصر بشكل سريع في 2021-22، لتصل إلى 7.26 مليار دولار، مسجلة زيادة بنسبة 75% مقارنة بالسنة المالية 2020-2021، بحسب قناة "وي أون" الهندية.
وحول قضية مكافحة الإرهاب، فإنه لدى البلدين مجموعة عمل مشتركة ستجتمع الشهر المقبل، بحسب القناة الهندية، التي قالت إنه نظرًا لكون البلدين صوتًا معتدلًا ومؤثرًا في العالم الإسلامي، فقد شجبت مصر الإرهاب عدة مرات، واختارت العمل بفعالية في منظمة التعاون الإسلامي لتمرير موقفها المعتدل.
وتقول صحيفة "أنديا ناريتيف"، إن الكثير تغير خلال السنوات القليلة الماضية؛ فالقاهرة برزت كلاعب مركزي في التطورات في غرب آسيا والبحر الأحمر والقرن الأفريقي والشؤون الأفريقية بشكل عام، بالإضافة إلى جهودها الدبلوماسية الأخيرة بإقامة علاقات سياسية واقتصادية وثيقة مع العراق والأردن، في إطار "الشام الجديد".
شرق البحر المتوسط
الصحيفة الهندية تقول إن صدى المنافسات بين الدول في غرب آسيا اليوم يتردد في البحر الأحمر والقرن الأفريقي، مشيرة إلى أن تعقد سيناريو الأمن الإقليمي بسبب تطورين برزا مؤخرًا في ساحل البحر الأحمر، يجعل من قناة السويس، منفذا هامًا للهند.
التطوران بحسب "أندريا ناريتيف" يتمثلان في: تزايد وتيرة المناوشات بين السفن الإيرانية والإسرائيلية في البحر الأحمر وشرق البحر الأبيض المتوسط على مدى العامين الماضيين، والتي تشمل السفن التجارية والبحرية على حد سواء، فيما باتت إسرائيل أكثر تصميما على معارضة النشاط النووي الإيراني.
وأشارت إلى أن نحو 19 ألف سفينة تعبر كل عام قناة السويس، لتنقل 12% من التجارة العالمية، بقيمة 700 مليار دولار، بالإضافة إلى أنه ينقل عبرها حوالي 4.8 مليون برميل يوميًا من النفط الخام؛ بينها 500 ألف برميل يوميا إلى الهند وحدها، ما يجعل نيودلهي أكبر مستورد للخام عبر القناة.
يأتي ذلك، فيما الهند هي أيضا سادس أكبر مصدر للمنتجات النفطية عبر قناة السويس، بعد روسيا والسعودية والعراق وليبيا والجزائر، بحسب الصحيفة الهندية التي قالت إن القيمة الإجمالية لتجارة البضائع الهندية التي تمر عبر قناة السويس تبلغ 200 مليار دولار، أي ربع التجارة العالمية للهند.
ذلك الدور الهام لقناة السويس للهند، يجعل من الأهمية بمكان، أن يتكامل التعاون الهندي المصري في البحر الأحمر مع معالجة قضايا الأمن والاستقرار في القرن الأفريقي من خلال ارتباطات سياسية واقتصادية جيدة التنسيق مع الدول الإقليمية تكون متكاملة وداعمة لبعضها البعض.
قناة السويس
رغم إجراء البحرية الهندية بعض التدريبات في هذه المياه، إلا أن المنطقة كانت بشكل عام خارج الفضاء الاستراتيجي للهند، في وضع بات يحتاج إلى إعادة النظر، بحسب صحيفة "أندريا ناريتيف"، التي قالت إن تلك المياه ليست غنية فقط بموارد الغاز، وهي مصدر طاقة تشتد الحاجة إليه للهند، بل هي أيضًا ساحة لسباقات متنوعة، يرتبط الكثير منها بالتطورات في الخليج والبحر الأحمر، ما يجعل من توسع مساحة الهند الاستراتيجية في شرق البحر الأبيض المتوسط أمرًا منطقيًا.
وقالت الصحيفة أن العمل عن كثب مع البحرية المصرية في البحر الأحمر وشرق المتوسط سيؤدي إلى إلى توسيع الرؤية الإستراتيجية للبحرية الهندية وخبراتها البحرية، لا سيما أنها سترتبط ارتباطًا وثيقًا بأمن البحر الأحمر.
الشراكة الإستراتيجية
تقول الصحيفة، إنه يجب أن ترتكز أجندة التعاون بين الهند ومصر الواردة هنا على "شراكة إستراتيجية" تنبع من الثقة المتبادلة ومن منظور مشترك حول تحديات الأمن الإقليمي، ما سيسهل المبادرات الثنائية لتعزيز قابلية التشغيل البيني للقوات المسلحة للبلدين، وزيادة تبادل المعلومات الاستخباراتية حول التطورات الإقليمية، والجهود المشتركة في إنتاج الدفاع، والعمل معًا في المناطق الحدودية التي تشمل الأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي والفضاء.
تلك العلاقات الإستراتيجية بين البلدين، قال عنها مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق للشئون الآسيوية الدكتور محمد حجازي، في مقال له بصحيفة "الأهرام" اليومية، إنها كانت وستظل علاقات متجددة عبر العصور، تقوم على رفع مبادئ التعايش واحترام القانون الدولى ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة.
مصالح مشتركة
وأشار إلى أن البلدين، ارتبطا بحركة عدم الانحياز ومبادئها "السامية"، مؤكدًا أن مصر والهند أمامهما أطر جديدة لتعاون أكبر ولوضع هذه العلاقات في مكانة أعلى، منها "إطار البريكس" الذي يمكن أن يكون له تأثير أكبر في مسار حركة العلاقات الدولية البينية فيهما معاً.
ومن بين المشاهد المهمة لمسار العلاقات الثنائية فى الأعوام الأخيرة هو تواتر التعاون الأمني والاستراتيجي والعسكري، بحسب الدبلوماسي المصري الذي قال إن أمن الملاحة الدولية في قناة السويس والبحر الأحمر والمضايق هي أساس حماية المصلحة المشتركة الإستراتيجية الأمنية والعسكرية ليس فقط لمصر والهند، لكن لدول الخليج كذلك والتي تربط مصر بأمنها ارتباطاً وثيقاً، وكذلك الهند المعتمدة على الطاقة الواردة منها.
وأكد الدبلوماسي المصري، أن الإطار الاستراتيجي للعلاقات المصرية الهندية، يشكل عامل استقرار لأمن المنطقة والعالم، ويوضح حجم ومجالات وأطر التقارب الاستراتيجية بين البلدين.
aXA6IDMuMTQ5LjI0LjE5MiA= جزيرة ام اند امز