زيارة السيسي للإمارات "بلد الأمان" .. رسائل ودلالات
رسائل قوية ودلالات هامة تحملها زيارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، اليوم الأربعاء، إلى دولة الإمارات.
ووصل الرئيس المصري إلى أبوظبي في زيارة استهلها بإجراء مباحثات مع الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية.
وتعد المباحثات بين الرئيس المصري وولي عهد أبوظبي، هي الثالثة خلال شهر بعد المباحثات الهاتفية التي جرت بينهما يومي 4 يناير/كانون الثاني و18 يناير على التوالي.
رسائل هامة
زيارة الرئيس المصري لدولة الإمارات تحمل أهمية خاصة والعديد من الرسائل والدلالات.
فمن حيث دلالة التوقيت تأتي الزيارة بعد تعرض أبوظبي لهجومين حوثيين إرهابيين يومي 17 و24 من الشهر الجاري، أسفر الأول الذي استهدف منشآت مدنية عن سقوط 3 ضحايا، فيما نجحت منظومة الدفاع الجوي الإماراتية في إفشال ذلك الهجوم.
وأحبطت دولة الإمارات الهجوم الثاني كليا باعتراض وتدمير الدفاع الجوي الإماراتي صاروخين باليستيين، وتدمير منصة إطلاق الصواريخ الباليستية التي انطلقا منها في اليمن.
وتترجم زيارة الرئيس السيسي لدولة الإمارات في هذا التوقيت أكثر من رسالة، من بينها تعبيره عن ثقته في قدرة القوات المسلحة الإماراتية على حماية مقدرات البلاد وثرواتها والدفاع عن أراضيها ومياهها وسمائها ضد كل تهديد أو عدوان، وثقته في أن دولة الإمارات من أكثر بلدان العالم أمانا.
كما تؤكد تلك الزيارة وقوف مصر إلى جانب دولة الإمارات، ودعمها في كل ما تقوم به من إجراءات وخطوات لضمان أمنها وسيادتها في مواجهة العدوان الحوثي الآثم والمخالف لكل القوانين والأعراف الدولية.
رسائل أكد عليها الرئيس المصري أكثر من مرة، أحدثها خلال لقائه الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، اليوم الأربعاء، في قصر الوطن بأبوظبي .
وأكد السيسي أن زيارته الحالية لدولة الإمارات تأتي استمراراً لمسيرة العلاقات الوثيقة والمتميزة التي تربط البلدين وما يجمعهما من مصير ومستقبل واحد، بحسب ما صرح به السفير بسام راضي المتحدث باسم الرئاسة المصرية ونقلته وسائل إعلام رسمية.
وجدد السيسي، في هذا الإطار الإعراب عن تضامن مصر حكومة وشعباً مع دولة الإمارات جراء الحادث الإرهابي الأخير الذي أسفر عن وفاة وإصابة عدد من المدنيين.
كما أكد إدانة مصر لأي عمل إرهابي تقترفه مليشيات الحوثي لاستهداف أمن واستقرار وسلامة دولة الإمارات ومواطنيها، ودعم بلاده لكل ما تتخذه دولة الإمارات من إجراءات للتعامل مع أي عمل إرهابي يستهدفها.
وسبق أن أكد الرئيس المصري خلال اتصاله هاتفيا بالشيخ محمد بن زايد آل نهيان 18 يناير/كانون الثاني الجاري، إدانة مصر واستنكارها الشديدين للاعتداءات الإرهابية التي تعرضت لها مواقع ومنشآت مدنية في دولة الإمارات من قبل مليشيات الحوثي الإرهابية، ووقوف مصر إلى جانب دولة الإمارات، ورفضها لأي مساس بأمنها أو استقرارها.
وعبر عن دعم مصر لدولة الإمارات في كل ما تقوم به من إجراءات وخطوات لضمان أمنها وسيادتها في مواجهة العدوان الحوثي الآثم والمخالف لكل القوانين والأعراف الدولية.
رسائل مصرية تؤكد مرارا وتكرار ارتباط أمن دولة الإمارات واستقرارها بالأمن القومي المصري، ودعمها المطلق في مواجهة الإرهاب الحوثي.
تعاون عسكري
وتأتي الرسائل في وقت يتزايد فيه التعاون العسكري بين البلدين، بما يصب في صالح دعم وأمن واستقرار المنطقة، ورفع مستوى كفاءة القوات المسلحة في البلدين.
وشهدت الفترة القليلة الماضية العديد من المباحثات والمناورات لتعزيز التعاون بين البلدين.
وفي 29 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حضر محمد بن أحمد البواردي وزير الدولة لشؤون الدفاع الإماراتي افتتاح معرض مصر للدفاع EDEX 2021 في دورته الثانية والذي افتتحه الرئيس المصري، وأجرى مباحثات مع مسؤولين عسكريين مصريين لتعزيز التعاون.
جاءت تلك المباحثات بعد سلسلة مناورات بين البلدين في دولة الإمارات مايو/أيار وأغسطس/آب وسبتمبر/أيلول الماضيين.
وفي سبتمبر/أيلول الماضي، تم تنفيذ فعاليات التمرين البحري المشترك "زايد- 3"، فيما شهد أغسطس/ آب الماضي فعاليات التدريب الجوى المشترك الإماراتي المصري "زايد -3" .
كما شهد مايو/أيار الماضي فعاليات التمرين العسكري المشترك "زايد 3" الذي أقيم على أرض دولة الإمارات بمشاركة وحدات من القوات البرية البلدين.
تهدف تلك التمارين إلى التأكيد على العلاقات التاريخية والاستراتيجية بين البلدين، وتعزيز الروابط العسكرية الثنائية، ورفع جاهزية الجيشين وتطوير القدرات وإثراء الخبرات العسكرية لتحقيق التكامل المنشود لمختلف القوات المشاركة في التمرين، والعمل على تطبيق كافة الإجراءات، وتنفيذ الواجبات المطلوبة بمهارة عالية على أعمال الدفاع والهجوم على النقاط والأهداف الحيوية بما ينعكس على حسن الأداء وتحقيق التفاهم والانسجام في تنفيذ العمليات العسكرية المشتركة.
ويأتي التمرين ضمن سلسلة التمارين المدرجة في الخطط التدريبية لجميع وحدات القوات المسلحة الإماراتية مع قوات الدول الشقيقة والصديقة وفي إطار التعاون والتنسيق وتبادل الخبرات العسكرية وامتدادا لتمرين "زايد 1" الذي جرى بين البلدين عام 2014 وتمرين "زايد 2" الذي جرى عام 2017 في حين يشمل تمرين "زايد 3" عام 2021 على تمرين القوات البرية والقوات الجوية والدفاع الجوي بين البلدين الشقيقين.
أيضا ضمن التعاون العسكري الدولي، اختتمت قوات خاصة من دول الإمارات والسعودية ومصر واليونان في سبتمبر/أيلول الماضي، التدريب الرباعي المشترك "هرقل 21"، الذي أقيم بمنطقة بيراموس اليونانية.
ويدعم هذا التعاون العسكري المتنامي بين دولتي الإمارات ومصر توافقا في السياسة الخارجية للبلدين، حيث تتفقان على أهمية التسوية السياسية لأزمات المنطقة حقنًا للدماء وحفاظًا على مقدرات الشعوب، وصونًا للسلامة الإقليمية للدول العربية وحفاظًا على وحدة الأراضي العربية وسلامتها.
ولعبت دولتا الإمارات ومصر أدواراً هامة في العديد من الملفات الاستراتيجية في المنطقة ونجحت بحكمة قيادة الدولتين في تجنيب المنطقة العديد من المحطات التي كان من شأنها الذهاب بها إلى حالة من الفوضى واللااستقرار.
حماية بيئة العالم
أيضا في دلالة التوقيت، تأتي زيارة السيسي بعد نحو شهرين من إعلان العالم ثقته في البلدين واختيارهما لاستضافة قمتي المناخ العالميتين "كوب 27" و"كوب 28" العامين الجاري والمقبل.
وستستضيف مصر الدورة الـ27 من مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ عام 2022، بينما ستستقبل دولة الإمارات المشتركين في الدورة الـ28 في 2023، الأمر الذي يعبر عن ثقة العالم في دور الدولتين في استضافة هذا الحدث المناخي العالمي الهام.
كما يبرز أهمية التعاون بين الدولتين لمكافحة تغير المناخ، أكبر تحد يواجه البشرية.
ومن هنا تكمن أهمية بحث تكامل جهود البلدين لدعم العمل العالمي من أجل حماية المناخ ووضع حد للتغير المناخي الذي تهدد تبعاته الكوكب ومستقبل الأجيال القادمة.
إكسبو دبي
أيضا الزيارة في وقت تحتضن في الإمارات "إكسبو ٢٠٢٠ دبي" كحدث استثنائي يعقد لأول مرة في دولة عربية، بمشاركة قوية من مصر .
وقام رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي بزيارة إلى "إكسبو ٢٠٢٠ دبي" في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، شهد خلالها احتفال بلاده باليوم الوطني، وحرص خلالها على التأكيد على أهمية استضافة دولة الإمارات للحدث العالمي.
وقال في هذا الصدد: "إكسبو 2020 دبي، هو حدث استثنائي ينعقد لأول مرة في دولة عربية شقيقة تربطنا معها علاقات وثيقة واستثنائية، فضلاً عن أن المعرض يقام بعد فترة صعبة شهدها العالم وهي فترة كوفيد-19".
وبين "أن شعار إكسبو 2020 دبي، يعبر بعمق عن تكاثف الجهود على المستويات المحلية والإقليمية والدولية، لمواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية التي تواجه البشرية".
ونوه مدبولي إلى أنه منذ بدء ترتيبات الحدث الدولي، حرصت مصر على أن تكون مشاركتها مميزة من كافة الجوانب، سعياً للظهور بالشكل الذي يليق بها وبثقلها الإقليمي والعالمي، وتاريخها في الشرق الأوسط وإفريقيا، كما حرصنا على ابتكار جناح متنوع يستهدف مختلف اهتمامات البشرية".
وأشار إلى أن الجناح المصري الذي يحمل شعار "إرث تمكين المستقبل"، يبرز تكامل مصر مع العالم لتحقيق مستقبل أفضل، من خلال المبادرات المصرية وقدراتها الاستثمارية وما تملكه من مناطق اقتصادية، خاصةً المنطقة الاقتصادية لقناة السويس والمدن الجديدة والترويج لمصر باعتبارها وجهة سياحية إقليمية بارزة.
ويتميز جناح جمهورية مصر العربية في معرض إكسبو 2020 دبي، والمُقام في منطقة الفرص، بتصميمه المبتكر الذي يبرز تاريخ وحضارة مصر الممتدة لآلاف السنين مرورا بالتطور الهائل الذي حققته في العصر الحديث.
ويمنح الجناح الزائر فرصة استثنائية لاستكشاف الإنجازات الماضية والحالية من خلال جولة رقمية وتجربة ثلاثية الأبعاد، للسفر عبر آلة الزمن إلى تاريخ مصر القديم في رحلة افتراضية عبر التليسكوب في جولة مصورة لأبرز الأماكن التاريخية في مصر، مروراً بواقع مصر اليوم، ثم ينتقل به إلى ما ستكون عليه مصر في المستقبل القريب.
علاقات تاريخية
وترتبط دولتا الإمارات ومصر بعلاقات تاريخية وثيقة ومحكمة، ومسيرة حافلة بالعمل المشترك لترسيخ الأمن العربي والإقليمي، والمحافظة على استدامة التنمية في دولها.
ويرجع تاريخ العلاقات المصرية الإماراتية إلى ما قبل العام 1971 الذي شهد قيام دولة الإمارات العربية المتحدة تحت قيادة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، فيما وقفت دولة الإمارات إلى جانب شقيقتها مصر في الأوقات الصعبة منذ العدوان الثلاثي وفي أعقاب حرب يونيو 1967، وصولا إلى مساهمته في حرب أكتوبر 1973، واتخاذه قرار قطع النفط تضامنا مع مصر، بجانب تبرعه بـ100 مليون جنيه إسترليني لمساعدة مصر وسوريا في الحرب.
في المقابل كانت مصر من أوائل الدول التي دعمت قيام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة عام 1971، وسارعت للاعتراف به فور إعلانه ودعمته دوليا وإقليميا كركيزة للأمن والاستقرار، وإضافة جديدة لقوة العرب.
ومنذ ذلك التاريخ استندت العلاقات الإماراتية المصرية على أسس الشراكة الاستراتيجية بينهما لتحقيق مصالح الشعبين ومواجهة التحديات التي تشهدها المنطقة.