الأخت نيللي ليون.. «طاقة نور» أضاءت عتمة سجينات سانتياغو (بروفايل)
على مدار 25 عاماً، كرَّست الأخت نيللي ليون حياتها لمرافقة السجينات داخل وخارج سجون تشيلي، ودعمهن لتعديل مسار حياتهن.
واليوم، تقف الأخت نيللي ليون كوريا، من تشيلي، على مسرح صرح زايد المؤسس بالعاصمة الإماراتية أبوظبي لتتسلم جائزة زايد للأخوة الإنسانية لعام 2024، تقديراً لجهودها الاستثنائية في إنقاذ عشرات النساء، سواء داخل السجون أو خارجها بعد انتهاء مدة العقوبة.
وبهذا تكون نيللي أو "أخت الراعي الصالح" كما تحب أن تطلق على نفسها، أول تشيلية ولاتينية تحصل على جائزة زايد الأخوة الإنسانية، إذ تتوج بالجائزة الإثنين 5 فبراير/شباط 2024.
والأخت نيللي هي الرئيس والمؤسس المشارك لمؤسسة "مؤسسة المرأة الصامدة Fundación Mujer Levántate"، وهي منظمة غير حكومية تركز على تقديم الدعم الشامل للسيدات السجينات، اعتباراً من فترة وجودهن في السجن وحتى بعد مرور عام على إطلاق سراحهن؛ ليتمكّن من بناء حياة جديدة والاندماج مجدداً في مجتمعاتهن.
سيرة حياة الأخت نيللي ليون
ولِدت الأخت نيللي ليون، التي تُعرف أيضاً باسم "الأم نيللي"، يوم 21 سبتمبر/أيلول 1958 في قرية بيراليلو، وسط تشيلي، لعائلة من المزارعين أنجبت 8 أطفال هي أصغرهم.
كان والدها (أبيل) مزارعا مجتهدا، بينما كرَّست والدتها (كارمن) حياتها لتربية الأطفال في ظروف محفوفة بالمخاطر للغاية، كما هو الحال في المناطق الريفية.
فقدت نيللي والدتها عندما كانت بعمر 17 عاما، وعلى الرغم من صعوبة "مواجهة الألم" إلا أن المعاناة أعطتها القوة لإكمال دراستها، وهو أمر لم يتمكن أي من أشقائها من فعله ليكملوا حياتهم مزارعين وعاملات منازل.
بعد ذلك انتقلت الشابة إلى العاصمة سانتياغو، وفي أثناء دراستها لتصبح معلمة دين وفي ظل صعوبة الحياة والإقامة في غرفة مستأجرة، اضطرت نيللي لممارسة بعض المهن فعملت عاملة منزلية وبعد ذلك في مغسلة.
ورغم أن نيللي تربت في بيئة يلفها الفقر والحاجة دائما، فإنها روت أنها كانت سعيدة دائمًا، ولا تفتقر أبدًا إلى المودة، وأنها ممتنة لتعليمها "محبة الله"، وفق قولها.
وبمجرد أن أكملت دراستها، كرّست نيللي نفسها لنقل "محبة الله" للفتيات الأكثر فقراً، وأثناء قيامها بذلك شهدت موقفًا صعبًا يصنف "إساءة معاملة" لفتاة تبلغ من العمر سبع سنوات على يد شخص بالغ.
مرت الجريمة دون عقاب ومعها تغيرت حياة الأخت نيللي بشكل جذري، وعلى الرغم من أن خطتها كانت الزواج وبناء أسرة، إلا أنها شعرت بحب عميق لله وللفتيات والنساء المحتاجات.
وبحلول الثمانينيات، انضمت دون موافقة والدها إلى جماعة "الراعي الصالح"، وهي مجتمع من الراهبات الكاثوليكيات المكرسات لمرافقة النساء في المواقف الضعيفة، خصوصاً المحرومات من الحرية، لأكثر من 200 عام.
وفي عام 1986 أصبحت الشابة "المحبة لله" رسميًا جزءًا من المجتمع، وكانت مهمة نيللي الأولى الخدمة في المنازل التي تضم فتيات فقيرات تم التخلي عن الكثير منهن، وبقيت معهن لسنوات عديدة تختبر بعمق الأمومة، وتحب وترعى كل فتاة كما لو كانت ابنتها.
وفي عام 1999 تم إرسالها إلى مدينة فالبارايسو لمرافقة النساء في السجن، وعلى الرغم من أن هذا كان دائما حلمها كراهبة إلا أنها وجدت خلف القضبان واقعا أقسى وأشد إيلاما مما توقعت.
هناك، رأت نيللي خلف كل امرأة أرواحا مكسورة تعاني الكثير من الألم في صمت لدرجة أنها اعتقدت أنها لن تكون قادرة على مواصلة الخدمة، لكن إيمانها وقدرتها الكبيرة على التعاطف مع الآخرين ساعداها على المقاومة والاستمرار.
وفي عام 2005 عادت الأخت نيللي إلى الخدمة في مدينة سانتياغو، تحديدا في أكبر سجن للنساء في البلاد، وهذه المرة انفطر قلبها عندما رأت الظروف البائسة التي تعيشها النزيلات وعدم احترام كرامتهن.
وكان التأثير قويًا للغاية، لدرجة أن الأم نيللي اعترفت أنها "تعاني من أزمة إيمان عميقة"، لكنها لم تستسلم وبدأت تقترب منهن وتستمع إليهن في محاولة لمساعدتهن وإيصال رسالة مهمة لهن: "هناك مَن يهتم ويسعى لتخفيف آلامكن".
هذه التجربة العميقة دفعتها إلى الالتحاق ببرنامج الماجستير في المرافقة النفسية الروحية، للاستجابة بشكل أفضل لاحتياجات العديد من النساء المجروحات من المجتمع.
وكانت أولى نتائج التحدي الجديد إنشاء مؤسسة "Mujer Levántate"، وهي دار استقبال للنساء الخارجات من السجن اللاتي يحتجن إلى تجنب العودة إلى الأماكن التي ارتكبن فيها جرائم لتجنب الوقوع في نفس الأخطاء.
وعلى الرغم من أن الأخت نيللي أنشأت هذه المؤسسة بموارد مادية قليلة جدا لكنها كانت مقتنعة بقوة إيمانها وقدرتها على مساعدة السجينات، وبالفعل نجحت في مهمتها الجديدة، والدليل أن 94% من المشاركات في برامج الدار لم يواجهن إدانات جديدة خلال عامين من إطلاق سراحهن من السجن.
وعلى مر السنين، حصلت الأخت نيللي على العديد من الجوائز العامة والخاصة وشهادات التقدير لأنها تعزز التحول الحقيقي في إدارة الأشخاص داخل السجون، وتحول فترة الاعتقال إلى فرصة لتضميد الجراح وإرساء الأسس لحياة كريمة.
ووصلت شهرتها إلى حد أن البابا فرنسيس زار سجن سانتياغو خلال رحلته إلى تشيلي في يناير/كانون الثاني 2018، ما أعطى زخمًا جديدًا لجهود هذه الراهبة.
المؤسسة، التي ولدت من قناعة الأخت نيللي والتزامها ومثابرتها، بلغت عامها الخامس عشر، ما أدى إلى ترسيخ نفسها كمرجع وطني، بل صار صوتها مسموع في المناقشات العامة لتعزيز كرامة النساء السجينات في شيلي وفي جميع أنحاء أمريكا اللاتينية.