بالصور.. صناعة الصابون في حلب تنفض غبار الحرب وتستعيد عافيتها
مدينة حلب ومحيطها كانت تضم حوالي 100 ورشة لصناعة صابون الغار، قبل اندلاع الحرب في سوريا، وكان يبلغ إنتاجها 30 ألف طن تقريبا.
بعد توقف العمل لسنوات جراء الحرب في سوريا، تم استئناف صناعة الصابون على أطراف مدينة حلب، وعادت رائحة الغار لتعبق في أنحائها وتبثّ الحياة في صناعة لطالما ارتبط اسمها بالمدينة.
ورغم سكون الورش المحيطة جراء الدمار الذي لحق بها خلال سنوات النزاع في حلب، أصرّ علي أو أبو عمر على معاودة "العمل ولو بإنتاج قليل" بعد ترميم محدود للمعمل الواقع في قرية النيرب، جنوب شرق حلب، التي لطالما كانت تعج بالمصانع والعمال.
ويقول أبو عمر، 44 عاماً: "لم أتوقّف عن الإنتاج طيلة سنوات الحرب ولو بكميات محدودة، رافقني الصابون من مكان إلى آخر، لكن لهذه الورشة نكهة خاصة بذكرياتها، ومنها انطلقت قبل أكثر من 30 عاماً".
ويعد أبو علي الذي ورث المهنة عن والده وجده، من أوائل العائدين إلى مصانعهم، إذ أعاد فتحه في يناير/ كانون الثاني، بعدما كان مقفلاً منذ عام 2012، تاريخ اندلاع المعارك في المدينة بين القوات الحكومية والفصائل المعارضة التي تقاسمت السيطرة عليها.
وتخلو الورشة التي شملت أعمال ترميمها وضع باب حديد على مدخلها وتجهيز غرفها الأساسية، من أي آلات، ولا يزال الطريق إليها يفتقد للإسفلت بينما تبدو آثار القذائف على الجدران واضحة.
ويتناوب 5 عمّال على خلط الزيوت بإشراف أبو عمر شخصياً، قبل طبخها على النار، ومن ثم توزيعها في قوالب على الأرض، بينما يتولى 5 آخرون تقطيع الصابون.
وكانت هذه الورشة تنتجُ قبل عام 2011 نحو 800 طن من الصابون سنوياً، وتمكّنت هذا العام من استعادة نحو نصف إنتاجها تقريباً، إذ خلافا لصناعات أخرى "لا تعتمد صناعة الصابون على الماكينات.. وترتكز على اليد العاملة والخلطة الناجحة وشغف الحلبيين وعشقهم لهذه المهنة".
سرّ المهنة
بعد نزوحه من حلب في عام 2012، حاول أبوعمر إنتاج الصابون في المدن التي قصدها، كطرطوس ثمّ دمشق، من دون أن يوفّق في الحفاظ على الجودة ذاتها، ويقول: "مناخ حلب ملائم جداً للصابون وأهل حلب يعرفون سر المهنة ويتحملون مشقة مراحل صناعة الصابون".
ويضيف بفخر بينما يمسك قطعة صابون بيده: "تتميز صابونة حلب عن صابون العالم بأنها مصنوعة من زيت الزيتون بشكل خالص، على عكس الصابون الأوروبي المدعوم بالدهون الحيوانية أو الصابون الآسيوي المخلوط بزيوت نباتية ليست مشتقة من الزيتون".
ويقول الرجل الأربعيني: "واجهنا الخطر ودمار المنشآت وانقطاع زيت الزيتون عنّا"، ورغم عودة الاستقرار إلى حلب، لا تزال هذه الصناعة تعاني جراء "نقص اليد العاملة والحاجة إلى المواد الأولية وهجرة الكفاءات في هذه الصنعة إلى الخارج".
ولا يزال عشرات مصنعي الصابون ينتظرون استكمال عمليات ترميم وتجهيز معاملهم قبل إعادة فتحها على غرار هشام الجبيلي، الذي عايشت ورشته الواقعة داخل سور حلب القديمة، أجيالاً عدة فاقترنت باسم العائلة طوال عقود، ويعود تاريخ تأسيسها إلى القرن الـ18.
30 ألف طن
ويُعدّ معمل الجبيلي المؤلف من 3 طبقات تمتد مساحتها على حوالى 9 آلاف متر مربع، أكبر ورشة قديمة في حلب، لكن الحرب أرغمت صاحبها الخمسيني على إغلاق أبوابها في عام 2012.
ولا يزال المعمل الذي تكثر فيه القناطر المكسوّة بالحجر، صامداً رغم تصدّع بعض أعمدة السقوف الخشبية وتعرّض أجزاء منه للاحتراق وسرقة بعض محتوياتها.
قبل اندلاع النزاع، كانت مدينة حلب ومحيطها تضم حوالى 100 ورشة لصناعة صابون الغار، ويبلغ إنتاجها 30 ألف طن تقريبا وفق لجنة صناعة صابون الغار التي يرأسها الجبيلي، لكن كثيرين من مصنّعي الصابون الحلبي انتقلوا إلى دمشق أو حمص أو طرطوس، فيما هاجر آخرون إلى تركيا.
وتراجع الإنتاج خلال سنوات النزاع إلى ما دون الألف طن. أما اليوم فبدأت صناعة الصابون تستعيد عافيتها مع إنتاج قرابة الـ10 آلاف طن.
ويقول الجبيلي: "من هذه الورشة وغيرها، كانت رائحة الغار تملأ حلب"، مضيفاً: "ما من أحد يزور المدينة من دون أن يشتري من صابونها".